الإسلام هو دين العلم والمعرفة فبالعلم يتعرف الناس علي خالقهم ودينهم وأمور دنياهم وأخراهم, ولقد كانت أولي آيات الوحي الإلهي, التي صافحت قلب رسول الله صلوات الله وسلامه عليه تدعو إلي العلم, وإلي القراءة, قال الله تعالي اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق. اقرأ وربك الأكرم. الذي علم بالقلم. علم الإنسان ما لم يعلم سورة العلق. وهذه الآيات الأولي الداعية إلي العلم والقراءة, تربط العلم من أول وهلة بالله سبحانه وتعالي: فهي قراءة باسم الله( اقرأ باسم ربك الذي خلق) وما دام العلم والقراءة والمعرفة باسم الله ومرتبطة به فهو علم نافع وقراءة مثمرة ومعرفة وراءها خير البشرية كلها, ولما كان العلم طريقا لمعرفة الله والإيمان به, والعمل بشرعه وسبيلا لإسعاد البشرية وإصلاحها فإن الإسلام قد قاوم الجهل مقاومة كبيرة.. نوه بالفارق الكبير بين أهل العلم وبين الذين لا يعلمون( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) ويحض الإسلام علي الخروج في طلب العلم ونشره وتبليغه وتعليمه للناس قال الله تعالي( وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون) سورة التوبة آية.122 لقد عرف سلف أمتنا قيمة العلم فأولوه عناية فائقة وقدروا خطورة الجهل فراحوا يقاومونه بكل السبل وفي شتي المجالات في الحل وفي الترحال, وكانت لهم رحلاتهم العلمية التي نسميها نحن اليوم بلغة العصر البعثات التعليمية, ولئن كانت بعثاتنا اليوم تميزت بسبل الراحة الكبيرة, وطرق المواصلات التي اختصرت المسافات الشاسعة, فإن رحلاتهم العلمية لم تكن لها هذه الوسائل المريحة, ومع هذا لو قسنا أعمالنا بأعمالهم وعلومنا بعلومهم فإنه لا يسعنا إلا أن نعترف بالتقصير, وأن نقر بضعف الهمة وقلة الطموح. إننا حين ننظر إلي وسائل الحضارة الحديثة في المواصلات وفي سفن الفضاء التي قربت البعيد, ووفرت الزمن, ونظرنا إلي وسائلهم الأولية التي كانوا يتجشمون فيها الصعاب ويعانون وعثاء السفر وشظف العيش, لقلنا إن النتيجة الطبيعية أن نكون نحن أكثر إنتاجا وأغرز تحصيلا. ولكن النتيجة بالعكس, وإذا نظرنا إلي دور العلم الحديثة, والمدارس والمعاهد والجمعيات والأكاديميات, ونظرنا إلي مجالسهم العلمية المتواضعة البسيطة لكان من المتوقع أن تكون أجيالنا كلها في درجة عالية من العلم والمعرفة وليس بيننا واحد لا يعرف القراءة والكتابة ولكن الواقع غير, ذلك ثم إذا نظرنا إلي وسائل الإعلام المتعددة, وإلي طرق التربية والتعليم المختلفة وإلي الترجمات, ودور الطباعة والنشر والتوزيع, لقلنا إن مؤلفاتنا أكثر وأن علومنا أغزر.. إذا ما الفارق الجوهري بيننا وبينهم.. وما السبب في هذا الفارق الكبير؟ إن الفارق الحقيقي أنهم انطلقوا لتحصيل العلم وتبليغه من قاعدة الإيمان, ونظروا إليه علي أنه دين, وأما نحن فقد نظرنا إليه أو نظر أغلبنا إليه علي أنه سبيل للعيش والحياة أو المنصب والجاه وإذا ما وصل إلي نهاية مرحلة ما من مراحل التعليم ظن أنه قد أنهي رحلة تعليمية.. نعم قد يترقي البعض إلي شهادة أعلي وقد يواصل البعض بحوثه وقراءاته, وكتاباته, ولكنها إذا قيست ببحوث وقراءات وكتابات سلفنا وجدنا أنها قليلة جدا, فأين أعمال الكثير منا بجوار عمل واحد منهم ممن كان يكتب في اليوم الواحد أكثر من كراسة, ويقرأ أكثر من كتاب, ويظل دءوبا علي تحصيل العلم, حتي يترك لخلفه مئات الكتب والمراجع, التي لم يزل حتي يومنا هذا ألوف منها مخطوطة ومن حقق بعضها ونشره قلنا: إنه أسدي للعلم يدا كريمة وأخرج إلينا كنزا ثمينا. وأن نعني العناية الكبيرة بمن ينفرون إلينا لتلقي العلم وتحصيله وأن نستوصي خيرا بمن يهاجرون في سبيل العلم.. ولقد كانت وصية رسول الله صلي الله عليه وسلم بأهل العلم كبيرة ومهمة, عن أبي هارون العبيدي رضي الله عنه قال: كنا نأتي أبا سعيد فيقول: مرحبا بوصية رسول الله صلي الله عليه وسلم إن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: إن الناس لكم تبع وإن رجالا يأتونكم من أقطار الأرضين, يتفقهون في الدين, فإذا أتوكم فاستوصوا بهم خيرا وإذا كان هذا شأن طلاب العلم فإن شأن العلماء عظيم وحسبهم قول الله تعالي فيهم: إنما يخشي الله من عباده العلماء وحسبهم أنهم ورثة الأنبياء, ولقد قاوم الإنسان الجهل في جميع أشكاله: فقاوم جهل الشرك والوثنية والضلال, بالتوحيد والعقيدة الصحيحة, وقاوم جهالة التقليد فنفي علي أولئك الذين أسلموا عقولهم لغيرهم وتعصبوا لباطلهم, لأنه كان عليه آباؤهم وأجدادهم, وقد حكي القرآن ذلك ونعي عليهم جهلهم وعصبيتهم في قول الله تعالي( وإذا قيل لهم تعالوا إلي ما أنزل الله وإلي الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون) وقاوم الإسلام جهل الناس بالقراءة والكتابة, وعمل علي محو الأمية, وكان الرسول أول من وضع حجر الأساس في محوها حيث جعل فداء بعض الأسري الذين لا مال لهم أن يعلموا أولاد المسلمين القراءة والكتابة. إن القضاء علي الجهل وإن محو الأمية ومضاعفة الجهود لخدمة العلم والثقافة الإسلامية لمن أهم ما ينبغي علي المسلمين أن يوجههوا إليه عنايتهم وأن يبذلوا أقصي ما في الفكر الإسلامي والعمل علي قيام أكبر نهضة علمية علي أيدي المسلمين, وقد أولي الإسلام عنايته الكبري واهتمامه البالغ بالعلم والثقافة, ومحاربة الجهل والأمية, وعن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلي الله عليه وسلم مر بمجلسين في مسجده, أحد المجلسين يدعون الله, ويرغبون إليه والآخر يتعلمون الفقه ويعلمونه فقال رسول الله صل الله عليه وسلم كلا المجلسين خير.. وأحدهما أفضل من الآخر, أما هؤلاء فيدعون الله ويرغبون إليه فإن شاء أعطاهم وإن شاء منعهم وأما هؤلاء فيتعلمون ويعلمون الجاهل وإنما بعثت معلما ثم أقبل فجلس معهم.. إن العلم نور, وإن العلم أقوي سلاح وهو سبيل الرقي والنهوض والسعادة.