لم يسلم شئ من الانفلات الأمني حتي الحدائق الأثرية والتي تتميز بقيمتها المعمارية والتاريخية ومنها حديقة الأسماك بالزمالك والتي تعود إلي عام1867 عندما طلب الخديو إسماعيل من مدير منتزهات باريس إحضار أحد الخبراء لتصميم حديقة تكون علي هيئة جبلاية وتظهر علي شكل قيمة معمارية عالمية تتخذ منها فئات الشعب مكانا للتنزه والترفيه, الأوضاع السيئة للحديقة صارت الآن محل مناقشة تحت قبة مجلس الشوري بناء علي الطلب الذي قدمه النائب عن حزب النور عماد المهدي وكيل لجنة الثقافة والإعلام بمجلس الشوري. لكنها الآن, وبعد أن احتلها البلطجية وصارت مرتعا للمنحرفين, تحولت إلي خرابة تمارس فيها أعمال تشكل خروجا علي الآداب. حتي أحواض الأسماك النادرة والتي كانت تزين أرجاء الحديقة أصبحت فارغة.. وتفوح منها روائح كريهة. في حديقة الأسماك صدمتنا المشاهد التي استقبلتنا.. أولها لشاب وفتاة علي بعد مائة متر من الباب الرئيسي للحديقة يجلسان تحت نخلة في وضع مخل, وفي الوقت نفسه كانت أسرة مكونة من زوجين وابنتهما تخرج من الحديقة علي وجوههم علامات الغضب. استوقفناهم.. فقالوا: بعد ماشاهدناه من أفعال خارجة قررنا الانصراف بسرعة.. فقد صارت حديقة الأسماك سيئة السمعة.. ولا يصح أن نبقي فيها لحظة حرصا علي كرامتنا وحماية لابنتنا! الغريب أننا لم نصادف أحدا من مسئولي الأمن بالحديقة بالرغم من وجود أماكن مظلمة بعيدا عن العيون.. ولا أحد يعلم ماذا يحدث فيها.. فقد صارت كالغرف المغلقة في البيوت المشبوهة! بين ممرات المغارات المظلمة, لايبالي الشاب والفتاة في ممارسة الحب كيفما شاءوا, وإذا كان يوجد بجوارهما شاب وفتاة آخران, فكلاهما يقوم بنفس الفعل.. وكلاهما يعطي الأمان للآخر, وكل منهما لاينظر للآخر.. فليس هناك وقت للنظر إلي العشاق الذين بجواره, لكن إذا وجد شاب وسط هؤلاء, بدون أن يكون مصطحبا لفتاة, فإنهم يتوقفون عما كانوا يفعلون, إلي حين يرحل هذا الشاب, وغالبا مايعتبرونه متطفلا, أو يهوي مشاهدة القبلات المسروقة عن قرب. هكذا كنت.. لم أصطحب فتاة إلي حيث أسير داخل الحديقة, وكان الجميع ينظر لي, وكأنني شاذ عنهم, حيث لاوجود لشاب بلا فتاة, وكل من يتواجدون في الحديقة, إما كابلز أو شابين مع فتاتين, يقوم كلاهما بتأمين الآخر. كانت المفاجأة أن بائع الشاي, حين يقترب من شاب وفتاة وهما في وضع غير أخلاقي, يقف من بعيد ويقول: باشا.. باشا, وهنا ينتبه الشاب والفتاة, ويبتسم كل منهم للآخر, ثم يقوم الشاب بطلب المشروب له ولمحبوبته, ويرحل البائع وكأنه لم ير شيئا, ويذهب إلي شاب وفتاة آخرين, ليتكرر نفس المشهد. تركنا العشاق جانبا, وتجولنا في الأماكن الموجود بها الأحواض السمكية بالفعل.. أحواض سمكية فارغة, بل لاوجود للمياه بها من الأساس, وإن وجد حوض سمكي يحوي أي نوع من الأسماك, فلا وجود للبيانات التي تتعلق باسمه.. وزنه.. صفاته.. وكأن كل من يذهبون لمشاهدة الأسماك, علماء في علوم البحار, ويعرفون كل شئ عن هذه الأسماك!. حين تخرج من الجبلاية, وأنت في طريقك إلي الأحواض السمكية الكبيرة, التي توجد بعيدا عن الكهوف, تتفاجأ بنوع جديد من العشاق يجلسون في أوضاع غريبة.. إما الشاب يسترخي علي الأرض ويضع رأسه علي ساق الفتاة, أو العكس.. وحتي إذا شاهدوك قادما في اتجاههم, يبقي الوضع كما هو عليه.هنا أحواض الأسماك, تحيطها الأسلاك الحديدية, وتغطي بالبلاستيك, ولم يتبق فيها سوي بقايا القمامة, ومواسير الحديد, التي يعلوها الصدأ, وحين تتجول فيها, لن تجد أي شخص يقول لك: ممنوع الدخول هنا. في الماضي, كانت حديقة الأسماك تضم عشرات الأحواض التي تضم الأسماك المتنوعة, منها النادرة مثل النيلية والبحرية, أسماك الزينة, والأخري المحنطة, فضلا عن والزواحف, والأشجار والنباتات النادرة, التي يعود صولها إلي أستراليا ومدغشقر وتايلاند, حيث الغابات النادرة, التي تتميز بها هذه المناطق.. لكن كل ذلك دونته كتب التاريخ, وبات لاوجود له سوي الأشجار النادرة فقط. حين تنتهي من صدمتك التي تواجهها عندما تجد الأحواض السمكية علي هذا الحال, تتجول علي جوانب الحديقة, فتجد الأواني الفخارية التي من المفترض أن يتم زراعة النباتات بها, ملقاة علي الأرض, بضعها مهشم, والبعض الآخر يمتلئ بأوراق الشجر, أو القمامة. من الأواني الفخارية, إلي ألعاب الأطفال.. حيث المراجيح التي تحطمت بالكامل, وتطايرت مكوناتها في أرجاء الحديقة.. الحديد في مكان.. والمقاعد الخشبية للألعاب في مكان آخر, والإهمال فيها وصل إلي حد الذهول مما يحدث, وبات لاوجود للأطفال أنفسهم داخل الحديقة, لأن المكان ليس مكانهم.. هكذا قال الواقع.