ليس من شك في أن التفاف معظم أبناء الشعب المصري حول الإخوان كان حقيقة, وعلي الرغم من تراث العداوة مع الإخوان كان موجودا الي حد أن بعض الكتاب في الجيل الماضي, كان يسمي الإخوان بالخوان نسبة الي الخيانة.. لكن المؤكد أنهم حكموا مصر, في البداية, بقرار شعبي من صندوق الاقتراع.. وكانت الفكرة الحاكمة أن مصر عاشت في ظل الاشتراكية والشيوعية ردحا من الزمن.. إلا أنها لم تحصد غير الحنظل! ثم عاشت تاليا في كنف الرأسمالية والليبرالية الجديدة إلا أنها ظلت في محلك سر ولم تتقدم! ومن ثم لم يكن بد من تجريب الإخوان, الذين ظلوا منذ أكثر من08 عاما ينتظرون لحظة أن يحكموا مصر.. وها هم قد حكموها.. فالشعب, حسب مقتضيات الديمقراطية قد اختار هذه الجماعة, التي كانت أكثر تنظيما في تاريخ مصر.. لكن واقع الحال قد سار بالجماعة والإخوان الي مسار جديد, بحيث ظهرت نسبة من الشعب المصري تري أنه قد غرر بها, وكانت تظن أن الاخوان لديهم بدائل كثيرة لحكم أكثر نزاهة لمصر.. لكن الحال قد تبدل وأصبح أمر الإخوان ينقسم بين فريقين, فريق يري أنهم في حاجة الي فرصة واحدة.. ومن ثم التريث في إطلاق الأحكام بالنجاح أو الفشل.. وفريق يري أنهم خدعوا الشعب المصري, وتبين عكس ما كانوا يروجون أنهم فقراء الي الله فيما يتعلق بالكوادر والخبرات ومن ثم كان الفشل بعد مرور عشرة أشهر علي حكمهم فادحا! والمعروف أن أصحاب هذين الرأيين هم غالبية أبناء الشعب المصري.. فلقد تعلمنا من أرسطو تحديدا في كتابه السياسة, الذي ترجمه أحمد لطفي السيد, أستاذ الجيل, أن رجل الشارع العادي هو المستهدف من أي عملية سياسية.. ومن ثم عندما يقول المصري العادي رأيه فلابد من الاعتداد به.. لان الاخوان يحكمونه.. ويري أنه اذا ثبت أن الاخوان قد فشلوا في حكم مصر.. فمن العبث الانتظار الي أربعة أعوام ريثما تنتهي مدة حكمهم, التي نص عليها القانون بعد انتخابهم.. لأن الشعب المصري ليس معمل تجارب.. يجرب هذا فيه الاشتراكية.. ثم يجره الآخر دون سابق انذار الي الرأسمالية واليوم يأتي الاخوان بأفكارهم التي اهتز معظمها في أرض الواقع.. .. ورجل الشارع العادي في مصر يختبر أي مقولات في أرض الواقع.. فالأزمات تلاحقه أينما حل أو ارتحل.. مثل أزمة غلاء الأسعار وأزمة الطاقة والسولار, وأزمة القضاء وأزمة صورة مصر في أذهان الدول الأخري, بمعني آخر هناك بالفعل أزمات تأخذ الواحدة منها برقاب الأخري, وهي أزمات لم يكن يرضي عنها الاخوان عندما كانوا في حكومة الظل.. وكلنا يذكر أن رئيس الدولة عندما كان مجرد نائب في البرلمان كان يصرخ بأعلي صوت بأن هذه الأزمات تكاد تأتي علي الأخضر واليابس في مصر.. بل تكاد تغير دم الوطن اذا لم يتم مواجهتها منذ الآن فصاعدا.. والحق هكذا يقولون لقد ترك الإخوان, بعد وصولهم الي الحكم هذه الأزمات تعصف بمقومات مصر الأساسية, أما الشئ الأكثر خطورة فهو أن جماعة الإخوان فعلوا ما كان يفعله الحزب الوطني المنحل عندما عزلوا أنفسهم عن عامة الشعب.. فباتوا يفكرون في شئ.. وبات عامة الشعب يفكر في أشياء أخري, والدليل علي ذلك أن تغيير الحكومة بات تقريبا مطلبا شعبيا.. لكن لان جماعة الاخوان تري شيئا آخر.. فلقد استمرت الحكومة.. وضرب الاخوان برأي الأغلبية عرض الحائط! ولاشك أن أحدا لا يعرف الي أين تتجه مصر الآن.. وليس أدل علي ذلك من أنه اذا التقي مصري بمصري آخر كانت مصر هي ثالثتهما.. فهذا يسأل ذاك عن وجهة مصر.. وذاك يسأل هذا عن مصير مصر غدا.. ثم يجتهدان معا لكن لا شئ غير محدد ثم ينصرفان!! ولا يغيب عن بال الكثيرين أن عدم وجود الأمن والأمان هو مسألة تخنق الكثيرين, الي حد أن بعض الكتابات باتت تصف مصر بأنها دولة خالية من وزارة الداخلية شكلا وموضوعا.. ليس من شك في أن هذه مزايدة.. لان الداخلية موجودة في كل مكان وتبذل جهودا مضنية في جلب الطمأنينة والاستقرار.. لكن الطموح بالمزيد مازال يدغدغ مشاعر الكثيرين.. أيا كان الأمر, فإن المحصلة النهائية أن رجل الشارع العادي علي حد تعبير أرسطو ليس راضيا تمام الرضا وله تحفظات علي أشياء كثيرة أري أنه لابد من وضعها في الاعتبار كي يكون غدنا أفضل من حاضرنا فعلا لا قولا. بمعني آخر, لا غبار علي أن يحكم مصر الإخوان, كما أنه لا غبار علي أن يحكم مصر مسيحيون ماداموا مصريي النخاع كما ينص علي ذلك القانون ومادامت هذه هي مقتضيات الديمقراطية التي تمنع التمييز بين الناس بسبب العرق أو الدين أو اللون.. لكن عدم رضاء الناس يجب التعامل معه بواقعية وفعالية لأن الشعب هو مصدر السلطات, فضلا عن أنه يحكم بعد أن كان في العهود السابقة مجرد محكوم يتفرج.. وفقط! الساكت عن الحق: ذهبت الي مسقط رأسي الواقعة علي حدود الدقهليةودمياط, فوجدت هناك كلاما كثيرا عن واحد من الصروح الوطنية المهمة وهو: ميناء دمياط.. وعن استيراد القمح, ووحدة الحجر الزراعي.. وعن المعابد التي تحكم من منطلق المصلحة الذاتية بعض التصرفات.. وقبل أن أحكم مع أو ضد أرجو أن يتم التفتيش علي هذا الصرح الذي قيل انه تحول الي دولة داخل الدولة.. كما يقولون لا يوجد دخان بدون وجود نيران.. أريد أن أقول إن الكلام موثق عن استيراد البعض وعن علاقة بعض أفراد النظام السابق ببعض العاملين في هذا الميناء.. وعن نفر قليل لا يحمل شهادات وبرغم ذلك يصول ويجول بالعربات الفارهة داخل الميناء, أما وحدة الحجر الصحي أو الزراعي فقد تحولت الي سبوبة يحصل منها البعض علي بدلات السفر وكفي! أما المنتجات التي تتوزع بين الناس.. فحدث عن بعضها ولا حرج, باختصار هذا الصرح يجب ألا ينفلت فيه الأمن ويضيع الأمان لأنه مكان وطني قح.. أو يجب أن يكون!! لمزيد من مقالات د. سعيد اللاوندي