حالة من القلق تنتاب جموع المصريين بعد تعثر آلاف المصانع وإغلاقها وما ترتب عليها من أثار سلبية جسيمة وخسارة مادية ليست فقط علي أصحاب هذه المصانع والعاملين بها بل علي الاقتصاد القومي المصري كله. الذي ينزف يوما تلو الآخر بسبب ضعف الإنتاج وعدم تلبية احتياجات المواطنين0 وإذا كان الناس في ربوع مصر قد راودهم الحلم الجميل بعد الثورة بازدهار الصناعة, إلا أن الواقع المرير يؤكد إغلاق الآف المصانع حوالي4500 مصنع في حين تشير التقارير الرسمية خروج1500 مصنع من الخدمة مما يمثل عائقا أمام قطار الصناعة وخروجه عن المسار الصحيح نتيجة عدة عوامل مرتبطة بسوء إدارة أو توزيع أو خلافات بين العمال وأصحاب العمل, ولم يخل الأمر من مشكلات مالية وفنية وأمنية تعرقل الإنتاج من جانبهم يطالب الخبراء والعاملون في تلك المصانع الحكومة بسرعة التدخل لإعادة تشغيل هذه المصانع والاستفادة بإنتاجها وحماية اسر العاملين بها من مخاطر التدهور الاقتصادي. والسؤال00 كيف يمكن إعادة تشغيلها00 وماذا فعلت الحكومة لحل هذه الأزمة.؟ في البداية يؤكد الدكتور إبراهيم نوار المتحدث الرسمي باسم وزارة الصناعة إن ظاهرة المصانع المتعثرة موجودة قبل الثورة نتيجة أخطاء في إنشائها وتمويلها وطريقة إدارتها بإلاضافه إلي أسباب مالية متمثلة في قروض لا يستطيع المصنع سدادها, وان10% من المصانع أغلقت لأسباب خاصة بالتسويق و10% نتيجة مشكلات بين العمال وأصحاب العمل, وان الوزارة قد وضعت خطة لإعادة الحياة إلي هذه المصانع عن طريق تحديد معايير لحل مشاكلها ووزعتها علي كل المصانع و طلبت من المتعثرة بيان بأسباب ذلك ليقدموا لهم الدعم أذا انطبقت عليهم هذه المعايير. ويؤكد أن عدد المصانع التي تنطبق عليها المعايير431 مصنعا استطعنا أعادت119 منهم للتشغيل من ضمن1500 مصنع أغلقوا بعد الثورة. وأن مركز تحديث الصناعة يقوم بمجهودات مضنية لحل مشكلات المصانع, وقد أبدت البنوك تفهمها لوضع المصانع وخصوصا المرتبطة بقطاعات حيوية مثل السياحة والنقل والموانئ والمواد الغذائية, و أن البنك المركزي من جانبه تبني خطة لمساندة المصانع المتعثرة لأسباب مالية وتقديم الدعم لها, وان الوزارة بدأت في تشجيع رجال الأعمال والمستثمرين للتعاون مع هذه المصانع لزيادة التمويل والتسويق في الخارج عن طريق شراء المصانع أو استئجارها او الدخول كشركاء فيها حتي لا تلجأ إلي الإغلاق. مشكلة التراخيص أما الدكتور محمد عبد المنعم رئيس جمعية مستثمري6 أكتوبر يؤكد أن الأسباب الأساسية وراء إغلاق المصانع تكمن في معوقات الحصول علي التراخيص حيث وجدنا أن250 شركة أغلقت بعد الثورة في6 أكتوبر فقط لصعوبة استخراج التراخيص لها. ولا يجب إغفال تردي الأوضاع الاقتصادية في البلاد والتعثر في دفع الديون والركود, وأن بعض أصحاب المصانع لديهم مشكلات سياسية واقتصادية وعليهم استحقاقات للدولة بالإضافة إلي حالة الإغراق التي تعانيه السوق المصرية بسبب البضائع المهربة وعدم قدرة المصانع علي تسويق منتجاتها وعدم وجود منافسة عادلة للمنتجات المصرية سواء داخل السوق المحلية أو خارجه.وان الجمعية تسعي بالتعاون مع هيئه الاستثمار إلي الوصول لحل هذه المشكلات, وانه من خلال الجمعية تم ابرام ثلاثة بروتوكولات خاصة بقاعدة بيانات حقيقية للإصلاح و تعميق الصناعة عن طريق تسهيل التبادل بين المصانع الصغيرة والكبيرة ومحاولة حل مشكلات التراخيص والمنشآت عن طريق توفير مكان مناسب للتسهيل علي المستثمرين إجراءات التسجيل والترخيص, كما نحاول القيام بعملية إحلال في حالة عرض المصنع للبيع وذلك بتسهيل عملية بيعه والتنازل عنه وخصوصا مصانع المواد الغذائية حتي لا تعطل عجلة الإنتاج. ويشير الدكتور محمد عبد المنعم إلي ان هذه المشكلة زادت بعد الثورة لان المستثمرين تأثروا بالوضع الاقتصادي وزيادة سقف الحريات والمطالب0 دعم فني واستشاري وعن المعايير التي تحددها وزارة الصناعة يوضح المهندس هشام وجدي رئيس مركز تحديث الصناعة أنه حتي نساعد مصنعا متعثرا لابد من توافر بعض المعايير منها أن يكون سبب التعثر خارج عن إرادة المصنع و لا يكون المصنع نفسه أساسه مبني علي قواعد خاطئة وإلا يكون صاحبه قد حصل علي قروض سابقة من بنوك علي اسم المصنع وتم استعمالها في أغراض أخري شخصيه. وأن هذه المعايير إذا توافرت في المصنع المتعثر نقوم بمساندته حتي يعيد إنتاجه, وأن اتحاد الصناعات الحديثة أعلن عن مشروع لمساندة المصانع المتعثرة حتي لا تلجأ إلي الإغلاق, وقد تقدم للمشروع430 مصنعا وجد84% منهم متعثرا لأسباب مالية و16% لأسباب فنية وإدارية, وقد تم حل المشكلات الفنية والمالية لعدد129 من430 مصنعا, وأن المركز يدعو كل أصحاب المصانع والمستثمرين إلي التعاون والتكاتف حتي نعبر هذه المرحلة الصعبة التي تمر بها البلاد, والصناعة هي قاطرة التنمية وهي القطاع المؤهل أكثر من غيره وعن طريقه سننهض بالاقتصاد وتزدهر البلد وتتوفر فرص عمل0 كامل طاقتها ويؤكد حسن بلحه رئيس جمعية المستثمرين بالمحلة أن30% من المصانع فقط تعمل بكامل طاقتها, ونحن نعاني من نقص في العمالة وارتفاع في أسعار الخامات بالإضافة إلي التهريب المنتشر بصورة مفزعة مع الوضع في الحسبان ارتفاع أسعار الغاز والكهرباء والمشكلات مع البنوك, وان بعض المصانع أغلقت وعليها مديونيات ونحن نبذل مجهودات كبيرة لمساعدة المصانع في جلب المواد الخام بسعر اقل وأحيانا بالتقسيط, وان الإضرابات والظروف الأمنية التي تمر بها البلاد تشكل عائقا كبيرا أمام المصانع, ويؤكد حسن بلحه علي ضرورة أن تتصدي الحكومة لظاهرة البضائع المهربة لان ذلك يؤثر علي الناس في السوق المحلية, ولابد من إلغاء موضوع السماح المؤقت لدخول البضائع لأنهم يتصرفون فيها ويبيعوها في فترة السماح وهذا يؤثر علي السوق.. المنطقة الصناعية من يسمعها ؟ لأنها واحدة من أكبر المناطق الصناعية في مصر, كان لابد من زيارتها للتعرف علي أحوالها فالمنطقة الصناعية بمدينة6 أكتوبر تضم9 مناطق صناعية كاملة المرافق,1048 مصنعا و480 تحت الإنشاء, ألان حالها لا يسر عدو ولا حبيب00 المصانع مغلقة والماكينات متوقفة, ووجوه أصحاب المصانع والعمال بائسة, فلماذا تعثرت تلك المصانع وكيف تبخرت أحلام المستثمرين فيها حتي أصبحت سرابا00 وكيف تأثرت اسر العاملين بوضع بتلك المصانع. المهندس عصام قناوي يؤكد أن حال البلد اثر علي عمل المصنع ولا يوجد طلب علي المنتجات الأمر الذي أوقف العمل و الإنتاج. وإننا اضطررنا لإعطاء العاملين بالمصنع إجازة مفتوحة حتي نعطي لأنفسنا فرصة للإصلاح0 أما احمد إبراهيم عبد الله محاسب في مصنع تغليف وتعبئه فيوضح أن ارتفاع أسعار المواد الخام التي تستخدمها المصانع هو السبب في الأزمة, مضيفا أن المصنع الذي يعمل به خدمي يقدم خدمات لباقي المصانع عن طريق تعبئة وتغليف منتجاتها, وأنه طالما المصانع لم تنتج فالمصنع كذلك لا يجد ما يغلفه, كما أن الجهات الحكومية لا تساعدهم وتحصل في الوقت نفسه علي رسوما سنوية لاستخراج التراخيص والسجل التجاري وغيرهما وتري مي حامد مسئولة التسويق في مصنع أدوات معدنية أن قلة الخامات في السوق وارتفاع سعر الدولار يؤثر علي العمل بشكل كبير, فضلا عن حالة اللامبالاة عند بعض العمال الذين ينظرون إلي حقوقهم ولا يهتمون بحقوق العمل عليهم, فهم دائما يطالبون بزيادة المكافآت وتضيف أن التجار يرفعون من أسعار المواد الخام التي يعتمد عليه المصنع وأن صاحبه هو المسئول عن تحمل كل هذه المشكلات فيضطر إلي التوقف لعدم قدرته علي مواجهتها. ويكمل الحديث وليد أبو القاسم مدير مصنع مواد غذائية قائلا: المصنع يعمل بكامل طاقته ولكن الظروف التي مرت بها البلاد أثرت علينا واضطررنا إلي وقف خط أنتاج الخبز, والعمال رفضوا الانتظار لحين تحسن ظروف العمل وبالتالي تركوا المصنع بالرغم من محاولاتنا تلبية احتياجاتهم. ويؤكد عمرو إبراهيم فتحي صاحب مصنع ملابس أن أغلبية أصحاب المحلات يسافرون لاستيراد الملابس من الخارج لرخص سعرها بالرغم من ان الخامات المحلية أفضل لكن المستهلك يهتم بالشكل والسعر.. وأدعو المصريين إلي تشجيعنا وشراء المنتج المحلي. محطات البنزين وتشير سعاد صبحي مديره مصنع مختص بالطاقة الشمسية إلي ان السولار هو المعوق لعمل مصانعنا حيث نعتمد عليه اعتمادا أساسيا والحكومة تصرف لنا حصتنا كل شهر ولكن محطات البنزين فارغة حثي ان الموظفين أنفسهم لا يستطيعون أحيانا العودة لبيوتهم لان أتوبيسات المصنع خالية من السولار هذا بجانب ارتفاع أسعار الحديد والكهرباء, كما ان فاتورة المياه أصبحت ألان4 إضعاف قيمتها قبل الثورة وتضيف أن أكثر قطاع يعتمد عليه مجالها هو السياحة التي توقفت وبالتالي توقف انتاج المصنع, بالإضافة الي ظهور مجموعة من الأشخاص بعد الثورة يفرضون إتاوات علي المصانع بحجة حمايتها. في انتظار الفرج! العامل المصري كادح دائما مظلوم في كثير من الأحيان يذهب إلي عمله ورزقه مبكرا ويستعد لأداء واجبه ليفاجئ بان صاحب العمل اضطر لظروف عديدة الي وقف الإنتاج, فيصبح العامل بين نارين ضغط الحياة لتوفير رزقه ورزق أولاده و حال المصنع المتعثر الذي هزمته المشكلات فتوقف, ويدخل مصنعه ويرتدي ملابس العمل سواء كان المصنع سيعمل أم لا, وفي الحالتين ينتظر الفرج0 يقول إبراهيم السيد إبراهيم عامل علي ماكينة نسيج(46 سنة) يعمل منذ22 سنة في المصنع,: كنا ننافس الهند وباكستان وتركيا في الإنتاج والجودة أصبحنا الآن متوقفين ننتظر العميل يأتي إلينا ويطلب منا المنتج وبعد أن نجهزه له نتوقف مرة أخري يوما أو يومين حتي يأتي عميل جديد. ويكمل الانصاري عبد المنعم محمد49 سنة, ويعمل في نفس المصنع منذ25 سنة قائلا حاولنا إيجاد خطه حتي نخرج من مأزق التوقف فقمنا بإعمال أخري مطلوبة محليا مثلا صباغة الأقمشة وصناعات صغيره أخري. أما سارة عبد الرحمن عامله في مصنع تغليف وتعبئه تروي: تركت دراستي في الجامعة حتي اعمل وأنفق علي نفسي وأساعد أسرتي, مرتبي800 جنيه واعمل من الثامنة صباحا حتي الخامسة عصرا, والمصنع يحاول قدر المستطاع زيادة المرتب كل فتره ولكن هذه الزيادة يقابلها ارتفاع اكبر في الأسعار الأدوات الصحية ويشير علي عبد الحميد عبد الرحمن-(56 سنه)- حاصل علي دبلوم صناعي ويعمل في احد المصانع الخاصة بإنتاج أدوات معدنية عملت في مصنع لتصنيع الأدوات الصحية قبل ذلك وقضيت فيه25 سنة ويملكه مجموعه من المستثمرين المصريين والأجانب و جاء مستثمر اجنبي ودخل شريكا ثم بالتدريج اشتري المصنع كله وكان يعاملنا أسوأ معاملة وأوقفني عن العمل بدون سبب ثم فصلني وقدمت فيه شكاوي كثيرة في مكتب العمل ولكن دون جدوي. ويضيف أن العامل المصري من أفضل العمال بشهادة الأجانب أنفسهم ويتحمل ضغوطا كثيرة ويعمل ويتفاني في عمله تحت كل هذه الضغوط ولكن عندما يثور لا أحد يستطيع منعه, و ان السبب الحقيقي للحال التي وصلت إليه المصانع هو أنهم دائما يأخذون اقل عرض في المواد التي يستخدمونها في التصنيع لاعتقادهم أنها رخيصة الثمن ولكن هذا الرخص في الحقيقة يعني رداءة المواد وبالتالي يصنع منه منتجا ضعيفا لا ينظر إليه المواطن. إما احمد محمد محمود(47 سنة)- عامل خراطه يؤكد أنه يقضي في العمل ثماني ساعات واقفا علي قدميه أمام الماكينة ويتقاضي مرتبا قدره1500 جنيه, وهو راض عن حاله وسعيد ولا يشعر بأي مشكلة. ويكمل شربيني احمد شربيني- مشرف علي الجودة في احد المصانع المختصة بالمواد الغذائية قائلا: اكبر المشكلات التي تواجهنا هي قلة الصيانة.. نريدها دورية وحيدة علي كل الماكينات حتي نخرج منتجا عالي الجودة. وأوضح مرزوق فكري- فني ميكنه منذ20 سنة-: أحب العمل اكثر من حبي لبيتي لذلك اتحمله بحلوه ومره وأخلص فيه وأطور من نفسي, حتي لو مر المصنع بظروف صعبه لانه فاتح بيوتنا والادارة تعمل ما في وسعها لكي توفر لنا مرتباتنا بالرغم ما تمر به من مصاعب..