ثماني سنوات مرت علي رحيله; فقد فارق الحياة في الرابع عشر من نوفمبر عام2004 وقد زرته في منزله في أثناء مرضه الأخير مع مجموعة من الزملاء أعضاء جمعية النقاد: عصمت داوستاشي وعز الدين نجيب وابراهيم عبد الملاك, كما التقيته كثيرا لأدير حوارات معه في هذا المنزل الذي يقع في حي الزمالك الذي كان زاخرا- قبل رحيله بأعماله الفنية المتناثرة علي الجدران; وجوه تفيض بالحيوية والحرارة, وقيم جمالية ورمزية تحملها فلاحات الريف وقد اكتسبت بريشته جمالا مثاليا ووجوه سمراء بلباسها الأبيض تحكي قصة النوبة وتعانق الأبيض والأسود, والليل والنهار, بالإضافة إلي وجوهه المتعددة التي تحكي شبابه وشيخوخته. ماتبقي من هذه الأعمال بعد وفاة زوجته منذ سنوات استطاعت وزارة الثقافة أن تقتنيها بأجر رمزي وهي ثروة لا تقدر بثمن آلت الي الشعب لحسن الحظ بعد التأكد من عدم وجود وريث, وقد تابعت حصرها وتسجيلها في قطاع الفنون التشكيلية مع اللجنة التي رأسها الفنان الدكتور صلاح المليجي, وضمت بالاضافة الي الأعمال والاسكتشات أغلفة المجلات التي تزينت بألوان ريشته الساحرة وكذلك مجموعة من الصور الفوتوغرافية ومسودات لموضوعات وخواطر بخط يده. نعود الي حسين بيكار عاشق الموسيقي والرسم, وكلاهما مجالان ابداعيان تلتقي مقوماتهما برغم اختلاف أدواتهما وقد كان يدرس الموسيقي وهو لايزال في الثامنة من عمره وجاء حبه للموسيقي من خلال وجود آلة العود في منزل الأسرة كان قد اشتراه والده لتتعلم أخته الموسيقي لكنها فشلت فيما نجح فيه الطفل حسين الذي استطاع أن يعلم نفسه بنفسه حتي أصبح ظاهرة في هذه السن يعزف ويغني, وحصل علي أول أجر نظير تعليمه الموسيقي لأخت صديق للأسرة وكان هذا الأجر ريالا في الشهر اشتري به علبة ألوان زيتية استخدمها في رسم لوحة نقلها من كارت بوستال لمنظر من سويسرا, وقد بدأ نشاطه في الموسيقي يظهر بعد تخرجه في كلية الفنون الجميلة عام1933 من خلال عضويته في فرقة موسيقية مع عازف قانون وزميل له عازف كمان هو عبد الرحيم محمد والد د.جمال عبد الرحيم العميد السابق لمعهد الكونسرفتوار وزوج د. سمحة الخولي وانضم اليهم د. ابراهيم زكي خورشيد, وقد كان ابراهيم عثمان شقيق عزيز عثمان- يقوم بتحفيظه الأدوار القديمة التي كان حسين يغنيها في الحفلات بجانب العزف مع كبار مطربي ذلك الزمان: زكريا أحمد وصالح عبدالحي وعبده السروجي, وكانت الاذاعة المحلية تذيع أعماله, وفي الأربعينيات جمع شمل الفرقة مرة أخري بعد عودته من المغرب ليشارك في حفل عيد زواج الملك فاروق بأغنية من تأليفه وتلحينه, وأصبح عضوا في معهد الموسيقي العربية يحضر الندوات الموسيقية, وبرغم كل ذلك كان بيكار يشعر بأنه وصل في الموسيقي إلي عازف جيد وليس مبدعا, فقد كان يعزف علي آلة الطنبور التي كانت فرقته أول من أدخلها في التخت الشرقي وكان يعزف أيضا علي آلة البزق, وكان استعداده وميوله للرسم أقوي من الموسيقي برغم ما كان يبدو لمن حوله أنه سيختار مجال الموسيقي والغناء. تخرج بيكار في مدرسة الفنون الجميلة عام1933 وكان أول خريجي الدفعة الأولي, وحملت شهادته رقم(1) وعمل بعد التخرج في تأسيس متحف الشمع, وبعض أعمال ديكورات المعرض الزراعي, وعمل مدرسا للتربية الفنية في المدارس الابتدائية والثانوية والمعلمين بعد حصوله علي شهادة الأهلية للتدريس عام1934. يرسم بيكار جلسائه في أفضل حالاتهم لأنه يعتبر أن لحظة رسم البورتريه لحظة نادرة بالنسبة للشخص المراد رسمه, يقول الفنان' الناس لا يجلسون كل يوم كي يرسموا ربما فعلوها مرة واحدة في حياتهم لهذا يجب أن تكون تلك اللحظة النادرة لحظة رسمية يظهر فيها الإنسان في افضل حالاته ليرحب بالمشاهدين له'. لقد ظل حسين بيكار مخلصا في التعبير عن الشكل الإنساني في أجمل صورة فيختار الوضع الذي يتسم بالفخامة من خلال احتلال من يرسمه صدارة ومحاور اللوحة وكان أغلبهم من النساء حيث كان تركيزه علي إظهار جمالهن الإنثوي الرقيق برغم النظرة القوية التي كانت سمة معظم أعماله في الصورة الشخصية يؤكد التجسيم من خلال الضوء الثابت والذي غالبا ما يكون علي يمين الشخصية هذه القيم تكررت تقريبا في العديد من أعماله, وكان يبرع في رسم ثنيات الأردية وإظهار ملامسها وكذلك الزخرفة التي تزينها, وقد كشف عن أن عقله هو القائد في حسابات التباين بين ملمس البشرة والملابس من خلال أسلوبه في تجسيم كل منهما فيلجأ في الوجه إلي أسلوب التجسيم الاسطواني غالبا بينما الملابس يجسمها بالمسطحات في تكامل بين الخطوط والأشكال كما يكشف عن اهتمامه بالموديل ليكون هو محور العمل والتكوين كذلك كان يحسن الاختيار في وضع جليساته كل هذا جعله لا يثقل الخلفية بأي عناصر وهذا هو منهج أستاذه أحمد صبري وهو يقيم حسابات لحركة الظل والنور متابعا الدرجات الضوئية والدرجات الظلية في بساطة اللمسات اللونية وتناغمها. لقد رسم الفنان لنفسه العديد من اللوحات بداية من التي رسمها عام1941 في صدر شبابه ظلت فيها ملامحه النحتية القوية ونظرته الثاقبة محتفظا بقوته معتزا بنفسه وأستاذيته ليتسلل الكبر إلي ملامحه والنظرة الحزينة, أما أهم اللوحات التي رسمها لنفسه فكانت عام1981 في تكوين محكم يحمل السمات الواقعية والتعبيرية والرمزية رسم نفسه علي يمين اللوحة بأسلوبه المعروف بين قضباني سجن متوازيين يمتدان حتي نهاية اللوحة من أعلي, ويجاور الأيسر منهما قضيب آخر يمتد بطول اللوحة متوازيا معه يحيطان من أعلي القمر والذي تلون بالأخضر وكأنه الأمل في هذه الظلمة التي يقطعها الشكل الهرمي في الخلفية العمل يحمل نوعا من المعاناة والقهر الذي يحدوه الأمل وعدم اليأس في غد أفضل رسم حسين بيكار العديد من الكتب تعدت الألف, وهو يعتبر أن هذه الرسوم هي المدرسة الثانية بالنسبة له, فقد بدأ هذه الرحلة من خلال كتاب الأيام للدكتور طه حسين. وجاءت' أخبار اليوم' المدرسة الثالثة في حياة بيكار التي استقال بسببها من التدريس في كلية الفنون الجميلة عام1959 وكان رئيسا لقسم التصوير بها خلفا لأستاذه أحمد صبري. لقد ظل الفنان حسين بيكار مرتبطا بأصول فن الصورة الشخصية ومخلصا له حتي رحيله.