كشفت الأحداث الأخيرة التي صاحبت أزمة تسمم طلاب المدينة الجامعية بالأزهر عن عورات كثيرة في طريقة تعامل المجتمع المصري مع الأزمات والمشاكل وما أكثرها في هذه الأيام العجاف!! فمنذ حدوث أزمة كبري وقبل أن يتم تحقيق أو إجراء قانوني ورسمي من قبل الجهات المختصة تظهر الاتهامات المعدة سلفا, ويتشكل السيناريو المحتمل والمتكرر والممل الذي لا يكاد يختلف كثيرا مع اختلاف الحوادث. حدث ذلك مع الأزمات والأحداث الجسام التي شهدتها البلاد, مثل حادث قطار منفلوط, وقطار البدرشين.. وأخيرا حادث التسمم الذي شهدته المدينة الجامعية لطلاب الأزهر. ومشاهد السيناريو تتابع كالآتي: المشهد الأول: التضخيم للحدث, وتهييج المشاعر, وتأليب المتضررين, والتباطؤ شبه المتعمد في التعامل مع الحدث!! بدلا من محاولة وضعه في حجمه وطمأنة الناس إلي سرعة التحقيق في ملابساته من قبل المختصين لتحديد المسئولية الحقيقية عن الحادث, وهذا التباطؤ يساعد كثيرا علي اشتعال الحرائق, وتنامي الغضب, واتساع الاحتجاجات وخروجه عن السيطرة. لكن يبقي السؤال: من الذي يحدد هذه المسئولية؟ أليس الفنيين في أحداث القطارات, ورجال الصحة وخبراء التغذية في حادث التسمم, هم أهل الذكر الذين يجب الرجوع إليهم قبل اتخاذ أي قرار تحت إشراف القضاء؟! المشهد الثاني: نظرية المؤامرة, ونحن أكثر الشعوب استخداما لها وبحثا عن مبررات وجودها!! فمن العجيب أن تسارع أطراف عديدة, إلي اتهام جماعة الإخوان وطلابها في الأزهر بتدبير حادثة التسمم لإحراج الإمام الأكبر شيخ الأزهر, والنيل منه, ومن ثم خرجت المسيرات, وتبارت الأقلام من مختلف التيارات في مهاجمة الإخوان وتأييد شيخ الأزهر, وخرجت القضية عن مضمونها, وانحرفت عن مسارها!! وأنا لا أدافع عن الإخوان ولا أتهمهم, ولكنني أسأل الجميع وأخاطب ضمائرهم: من أين لكم هذه الاتهامات, وأين أدلة هذه المؤامرة, وكيف وصلتم إلي خيوطها؟ المشهد الثالث: البحث عن كبش فداء يطفيء نيران الغضب, ويمتص الاحتقان, ويرضي الجموع الثائرة المطالبة بالإطاحة بمسئول كبير, ظنا منها أنه السبب الأول والأخير في الكارثة؟ وهي لقلة خبرتها وعشوائية غضبها لا تدري أن الخطأ تسأل عنه المنظومة كلها, وما المسئول المسكين إلا واجهة وضعتها الأقدار في مرمي السهام!! وقد حدث هذا في حوادث القطارات الأخيرة: فتمت التضحية بعامل المزلقان المسكين وموظف التحويلة وسائق القطار, وأخيرا بوزير النقل! وكل هؤلاء مجرد تروس في ماكينة معطوبة عتيقة انتهي عمرها الافتراضي منذ سنين وتجاوزتها الدول من حولنا غنيها وفقيرها. وتبدو الصورة واضحة في الحادثة الأخيرة: فرئيس الجامعة رأسه مطلوب من جموع الثائرين الغاضبين, مع أن الرجل لم يدخر وسعا في محاولة الاصلاح, ولم يقصر في التواصل مع الطلاب. وأخيرا.. فإن إقالة رئيس الجامعة بهذه الطريقة المهينة قد ترضي الثائرين وتمتص غضبهم, لكنها ابدا لن تحل مشاكلهم علي المدي البعيد, ولن تقضي علي الفساد المالي والاداري المتفشي في المدن الجامعية, وآمل أن تكون هذه الحادثة هي الأخيرة, وإن كان الشك يحاصرني. نظرية المؤامرة.. وكبش الفداء لمزيد من مقالات بقلم : د.مصطفي سيد السمين