ليس مهرجان عاديا للأفلام القصيرة ولكنه ينافس مهرجانات السينما الروائية بحرفية وجرأة وإبتكار, حيث استطاع مهرجان الصورة التاسع كسر تقليدية العمل الفني من خلال37 فيلما, منهم33 فيلما في المسابقة الرسمية. وأن يجتذب محبي الفن السابع لملاحقة الأفكار النابضة بالسحر والخيال بتأمل وتحليل الومضات التي صدرت من كل فيلم مهما قصرت دقائق عرضه علي الشاشة.. ومن الأفلام التي ازدهرت بمهرجان لقاء الصورة هذا العام الفيلم الجيد الثورة.. خبر إخراج باسم مرتضي, والفيلم يقدم رؤية مزدوجة للثورة عبر ستة صحفيين وصحفيات تصدوا لرصد الثورة بحكم المهنة ومعايشتها بحكم المواطنة ليسجل الفيلم المغامرات الصحفية كأكفان متنقلة تنتظر الموت أو الأصابة في كل لحظة وتضامنت حرفية المونتاج مع طبيعة الشخصيات كمحرك أساسي لنجاح الفيلم, حيث أصبح الصحفيون جزءا من الثورة ووثيقة حية لأحداثها وفي الندوة التي أعقبت الفيلم أثني د. علي الغزولي رائد السينما التسجيلية علي العمل الفني وصدق اللقطات أمام هول المخاطر والتي يمكن الأستعانة بها في صنع أفلام أخري قادمة.
وبرغم ان فيلم ظل رجل إخراج عنان عبدالله يتعرض لقضية المرأة المصرية حيال الرجل, الا أنه يصيب رحم الثورة لتناول الأوضاع الاجتماعية لأربع نساء قبل وبعد الثورة, تتويجا للحرية من سطوة الرجل, برغم التطويل والاغراق في التفاصيل التي كان يمكن اختزالها لإثراء التدفق الدرامي عبر4 نماذج من النساء الأولي تظل مجبرة علي البقاء مع الرجل كزوج وأب لاولادها برغم تذمرها, والثانية تحررت من الرجل بالطلاق لتنعم بالحرية المليئة بالأشواك والثالثة تتأرجح بين خوف من الرجل لعقدة تحرش الجد بها منذ الطفولة والرغبة في الزواج كأي امرأة أما الرابعة فتظل قابعة تحت ظل الرجل حتي بعد وفاة زوجها لاشتعال الحب في قلبها إلي الأبد.. ويبدو المخرج أمير رمسيس كباحث عن الآثار وهو ينقب عن مفردات فيلمه الجريء عن يهود مصر ثم يشرح تلك الفئة بعد بحث عميق عبر مجموعة من رجال ونساء لا يزالون علي قيد الحياة عقب مغادرة مصر خلال النصف الأول من القرن العشرين, فالبعض من أغنيائهم هاجروا لفرنسا وأسبانيا وغيرهما تجنبا لمواجهات ما بعد إعلان دولة إسرائيل والبعض الآخر طردوا من مصر لتورطهم في أعمال عدائية ولكن كليهما لم يفقد حبه أو إنتماءه لمصر حتي من أجبر للتخلي عن الجنسية المصرية, وقد أكد أمير رمسيس عقب عرض الفيلم من خلال الندوة التي أقيمت أنه شارك في الأنتاج دون الأستعانة بمؤسسات تمويلية واستغرق انتاجه5 سنوات ليتم إختزال اللقطات في96 لقطة. وتقدم المخرجة أمل عفيفي نموذجا آخر لأطفال الشوارع عبر فيلمها الرائع أيدي صغيرة وهو الطفل رمضان الذي يخترق الحارة الفقيرة التي يقطن بها الي ميدان التحرير ليجد نفسه في سعر مظاهرات ما بعد الثورة ويسقط ضمن17 طفلا تحت الأقدام في موقعة الجمل دون أن يدفن في البحر كما كان يتمني!! وإذا كانت السينما الروائية تركز علي الشباب باعتبارهم الزبون الأول للمشاهدين, فالسينما القصيرة أو التسجيلية تعني كثيرا بكبار السن, ومن ذلك المنطلق عرض المهرجان عددا من الأفلام التي تناقش الأنسان عندما يتقدم به العمر.. فيلم مجرد ساعات لساندرين صموئيل يجسد مأساة عجوز ماتت شريكة حياته وتزوج أولاده ليسافروا بعيدا عنه, ليعاني ملل الوحدة القاتل دون زيارات أو رسائل أو مكالمات تليفونية ويزيده إجترار الذكريات عذابا من خلال الصور المتناثرة في أرجاء بيته الصغير حتي ينسي الكلام مكتفيا بجرعات الدواء وهواجس الاحباط الي أن يقتحم منزله لص شاب يصبح بمثابة طوق النجاة من رتابة الحياة ويفاجأ اللص باستقبال حافل من العجوز ودعوة ملحة للإقامة معه بدلا من مقاومته ولكن حتي اللص يهرب من العجوز ليواجه مصيره المحتوم!! وتقدم المخرجة مي زايد في فيلمها بيض عيون قصة رجل مسن وزوجته بعد40 سنة زواج يعانيان من ملل الحياة الزوجية ويصبح طبق بيض عيون هو الرابط الوحيد بينهما حيث يعيش العجوزان معا في بيت واحد ولكن في عالمين مختلفين, والفيلم عن رواية عدس أصفر لإبراهيم أصلان وكأن الفيلم صامت مع قلة المشاهد الحوارية لتنطلق لغة المشاعر المتنافرة! ويتعرض فيلم ممنوع الأقتراب أو التصوير لمي الحسامي الي قضية شائكة من خلال بطلة الفيلم مريم الخولي التي ترفض فكرة ارتباط ابنتها المسلمة برجل مسيحي تجنبا لمشاكل عديدة, واكتفت المخرجة بالتركيز علي الأم وإخفاء الابنة تماما أكتفاء بصوتها لتتواصل النصائح لأي فتاة أخري قد تقع في نفس المشكلة..ويفجر سامح اسطفانوس قضية خطيرة عبر فيلمه الانتقادي الساخر أنا سعيد جدا.. سألعب الجولف الذي يناقش أزمة حقيقية حول التوسع في إقامة ملاعب جولف تستهلك كميات كبيرة من المياه مما يؤدي إلي عطش الأهالي والأراضي الزراعية, ليقدم مشاهد متوازية لأثرياء يلعبون الجولف وفقراء لا يجدون نقطة ماء..
وفي الندوة التي اقيمت للفيلم إعترف المخرج بأنه أخفي علي أصحاب نوادي الجولف حقيقة الفيلم في تعاطفه مع حاملي الجراكن بحثا عن ماء.