قبل انفجار فتنة الخصوص والكاتدرائية المرقسية كنت أشعر بالقلق علي مستقبل الوطن أما بعدها فقد تحول القلق إلي حزن شديد واكتئاب مؤلم. وقد كنت ومازلت أري مثل كثيرين غيري من المصريين المؤمنين بأن الخط المستقيم هو أقصر مسافة بين أي نقطتين, إن نزع فتيل الفتنة الطائفية يتطلب أولا أن يتم تحقيق كل ما هو ممكن ومستطاع وعادل من مطالب إخوتنا الأقباط شركاء الوطن ورفقاء الماضي والحاضر والمستقبل. وان يتم ذلك عبر جدول زمني واضح يراعي ظروف الواقع الراهن والإمكانات المتاحة ويتطلب ثانيا إعمال القانون بحسم ضد كل من يفجر أعمال الفتنة الطائفية أو يشارك فيها من الجانبين القبطي والمسلم وإذا وجدت ثغرات تشريعية تحول دون أن ينال كل مجرم جزاءه فعلي مجلس الشوري أن يبادر بسدها بدلا من الاكتفاء وبعقد جلسات للرثاء والشجب والاستنكار. ويتطلب الأمر ثالثا أن نوجه أصابع الاتهام إلي حيث ينبغي أن توجه بدلا من أن نستسهل كالعادة إلقاء التبعة علي الإعلام لإن الإعلام مرآة الواقع وعلينا بالتالي أن نحسم الواقع قبل أن نلوم الإعلام مطبوعا كان أو مسموعا أو مرئيا ولعله من الأمانة مع النفس ومع الوطن والمسئولين عن قيادته أن ندق أجراس الخطر الجامح الذي كشفت عنه فتنة الخصوص والكاتدرائية لسببين.. أولهما: أن هذه إذا لم تخني الذاكرة هي أول مرة يجتريء فيها مثيرو الشغب علي المقر البابوي وبالسلاح وزجاجات المولوتوف.. ولذلك فإني ثمنت عاليا إعلان الدكتور مرسي أن الاعتداء علي المقر البابوي اعتداء عليه شخصيا وبناء عليه فإنني أريد أن يكون الرد الرئاسي متناسبا مع جسامة الحدث. والسبب الثاني هو ما كشفت عنه أفلام كاميرات التسجيل من وجود أفراد مسلحين فوق سطح الكاتدرائية يردون عنها هجمات المشاغبين المسلحين هم أيضا( سلاح في مواجهة سلاح) وتلك هي القارعة والطامة الكبري. وواجب الأمانة يقتضي أيضا أن أقول إن شعور المسلمين والمسيحيين معا بغياب هيبة الدولة هو المسئول الأول عن هذا الانفلات. وعلي ضوء كل ما سبق فقد شعرت بعدم الارتياح لبيان الرئاسة الذي دعا إلي إعادة تشكيل وتفعيل المجلس الوطني للعدالة والمساواة.. وهو مجلس كان في البداية مجرد لجنة شكلها رئيس الوزراء الأسبق. د. عصام شرف علي ضوء أحداث أطفيح وحرق كنيسة إمبابة في ربيع عام2011, لكن الرجل سرعان ما انصرف عن هذا المجلس بعد أن هدأت الفتنة واستقال بعض أعضائه عندما شعروا بعدم جدية الحكومة في تسيير أعماله. وأغلب ظني أن الدكتور عصام شرف قد عزف عن تفعيل دور هذا المجلس شعورا منه بأن دعم مبادرة فضيلة الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر الدكتور أحمد الطيب بإنشاء بيت العائلة المصرية أو البيت المصري كما يسميه البعض سيكون أجدي من أي مجلس ينشأ من الصفر ولا يستند بوضوح إلي مؤسسات لها قدرها واحترامها لدي المصريين عموما مثل الأزهر الشريف وشيخه والكنيسة المرقسية وحبرها الأعظم. وغني عن البيان أن مبادرة الإمام الأكبر قد طرحت قرب نهاية عام2010 ثم جري تفعيلها عقب حادثة كنيسة القديسين بالاسكندرية في يناير2011 وتوسعت المبادرة بعد ذلك بجهد حكيم ومتعقل فأنشأت مجلس البيت المصري الذي أنشأ هو بدوره فروعا له في معظم المحافظات بادئا بالمحافظات المعروفة تاريخيا بعدم الاستقرار مثل أسيوط والمنيا, وقد كان المجلس علي موعد لإنشاء أول فرع له في الجامعات المصرية بجامعة بنها محافظة القليوبية التي تنتمي اليها قرية الخصوص يوم الاثنين8 أبريل لكن الفتنة الراهنة أجلت الاحتفال بإنشاء هذا الفرع المهم الذي يشير إلي حسن الاختيار للمواقع ذات الأولوية.. وإذا كنا قد اتفقنا علي أن درء الفتن وأيضا مداواتها يبدأ بتلبية المطالب العادلة والعاجلة وإعمال القانون علي كل منحرف فإنني أري ان إحياء مجلس العدالة والمساواة لا لزوم له لأنه سيصنع ازدواجية لا تفيد. فالأزهر هو الأجدر والأقدر وبيت العائلة يكفي للقيام بمهام تطوير الخطاب الديني مسلما كان أم مسيحيا والدفاع عن وسطية الإسلام ونشر روح المواطنة بين الجميع وتبيان ما غمض من قضايا الفقه ومباديء الشريعة وآداب التعامل بين أبناء الوطن الواحد. لمزيد من مقالات د.عبداللطيف الحنفى