هل يمكن أن نضع معنى واحد واضح لمفهوم الوطن؟ سؤال خطر على بالى وأنا في طريق العودة من تونس بعد زيارة قصيرة للمشاركة في فعاليات إطلاق دليل الملصقات مناهضة العنف القائم على العنف الاجتماعي والذي أعده مركز المرأة العربية للتدريب والبحوث "كوثر" بالتعاون مع منظمة الأممالمتحدة للمرأة "يونيفام". لم تتوقف أسئلة الزملاء المشاركين من كل البلدان العربية حول الوضع في مصر وأسفهم على ما وصلت إليه الأحداث ودعواتهم أن تمر مصر من تلك الأزمة بسلام حيث أن مصر على حد تعبير أحد المشاركين العرب هي صمام الأمن للعروبة وأن نجاح ثورتها هو الضمان لنجاح الثورة في باقي البلدان العربية. حاولت أن أجيب تلك التساؤلات لكنني لم أجد إجابة تعينني على فهم تطورات الأحداث وما يمكن أن تأخذنا إليه دائرة العنف الذي تدفعنا إليه قوى يصفها المسئولين في مصر تارة بأنها طرف ثالث وتارة أخرى بالقوى الشريرة والتي لا يختلف العديد على أنها ليست فقط هذا وذاك ولكنها أيضاً قوى خفية غير منظورة لا يعرف الناس عنها شيئاً. ثم فكرت في دائرة العنف المتبادل بين أطراف الوطن الواحد سواء على مستوى الشارع والتراشق بالحجارة وقنابل المولوتوف من قبل بعض المشاركين في الاعتصام بغض النظر عن كونهم ثواراً أم لا ذلك أنهم مهما كانت انتماءاتهم وتوجهاتهم ومصالحهم فهم مواطنين مصريين، وبين أفراد الأمن جيشاً كانوا أم شرطة واستخدامهم أيضاً للعنف والتراشق بالحجارة ضد هؤلاء الشباب دون أن أنسي أنهم قبل كل أن يكونوا عسكريين فهم أيضاً مواطنين. حقيقة الأمر أن الطرفين يعيشون في نفس الوطن، ويعانون من نفس المشكلات، وكلا الطرفين لديهم ولاءاتهم للوطن كل من منظوره ضيقاً كان أم متسعاً لكن هذا لا ينفى أنه يجب أن يصل الطرفين إلى نقطة التقاء حتى لا يحترق الوطن.. حين فكرت بعمق في هذا الموضوع، وجدت أن كل هذا لا يبرر بأي شكل من الأشكال استخدام العنف وأنه بات علينا أن نبحث في أسباب هذا السلوك العنيف الذي لم نعتد عليه قبل أن يصبح عادة لا يمكن التخلص منها. عدت إلى أرض الوطن سريعاً لأشارك في مؤتمر اليوم العالمي لحقوق الإنسان الذي نظمه مركز معلومات الأممالمتحدة بالقاهرة بالتعاون مع المفوضية السامية لحقوق الإنسان وشارك فيه عدد من المدونين الناشطين من عدد من الدول العربية منها البحرين وتونس والسعودية وفلسطين. كان أكثر ما أثار انتباهي هو تساؤلات هؤلاء الشباب عن سبب تراجع الاهتمام بمطالبهم وقضاياهم واستخدام العنف ضد البعض أحياناً بدلاً من الحوار البناء الذي كانوا يتوقعونه بعد قيامهم بثورات بيضاء لا عنف فيها، هذا العنف وهذه الانتهاكات التي باتت سمة للأجهزة الأمنية في التعامل مع المعارضين في المنطقة العربية. قد نستطيع أن نفهم أن هناك دولة ترغب الأنظمة التي شكلتها في الحفاظ عليها كما هي حتى لو اضطروا لاستخدام العنف، لكننا ندرك أن هناك شباب يعيشون في تلك الدول يحلمون هم أيضاً بدولتهم ويرغبون في بنائها بشكل عصري يتماشي مع أفكارهم بلا عنف.. ترى من الفريقين على صواب؟! ولما لم أجد إجابة شافية، عدت بذاكرتي مرة أخرى يومين إلى الوراء، إلى تونس الخضراء وتلك التظاهرة التي شرفت بحضورها لإطلاق دليل الملصقات ضد العنف المرتكز على النوع الاجتماعي ضد النساء والأطفال، وتأكدت أن الحل يكمن هنا، في مناهضة العنف ضد المرأة خاصة حين علمت بأن عدد من نساء مصر خرجن في مسيرة بميدان التحرير تندد بالعنف وتطالب بوقف الممارسات القمعية، وتأكد ظني واعتقادي بأن المرأة ليست فقط مرادفاً للحرية بل إنها هي الحرية.. هي الأم التي تربى أطفالها على الحرية ونبذ العنف وهى الأخت التي تنعى أخاها الذي سقط شهيداً للحرية والزوجة التي تدفع زوجها إلى محبة أسرته وحمايتها ضد الظلم والعدوان .. هي رمز الحنان فاحذروا يا رجال مصر من اهانتها حتى تبقى أرواحكم حرة واحذروا من سحلها وانتهاكها ذلك إنكم إن تفعلوا فإنكم إذًاً تنتهكون أنفسكم وأعراضكم وتقايضون حريتكم بما لايليق. عاشت مصر حرة مستقلة وعاشت نساء مصر يكرسن لتلك الحرية، وعاش رجالها شرفاء بشهامتهم وحمايتهم للحق والعدل والحرية... المزيد من مقالات أحمد محمود