عندما تتدهور أحوال البلاد وتعجز الحلول التقليدية عن حسم الموقف وإنقاذ الوطن , يقتضي الأمر البحث عن حلول جديدة أو متجددة حتي ولو كانت تعتبر في الأزمات العادية غير مطلوبة. الحالات الاستثنائية تحتاج إلي حلول استثنائية. ومصر تمر بأزمة طاحنة لا داعي لوصفها تملأ العقل حيرة والقلوب حزنا وحسرة تفككت أوصالها وانهارت مقوماتها. المحنة حالكة والتوقعات تشير إلي أن القادم أسوأ. وفي بحثه عن طوق النجاة كان من الطبيعي أن تستنجد قطاعات كبيرة من الشعب المصري بالجيش لإعادة الأمور لنصابها خلال فترة مؤقتة حتي تقوم من كبوتها. مما يقتضي الإشارة إلي جذور هذه المؤسسة وأهم الاعتبارات التي تتعلق بهذا القرار. مصر لها جيش قوي منذ الفراعنة كان يقوم بحماية البلاد والتوسع لتأمين الحدود أو الحصول علي ثروات وموارد جديدة. يعتبر أول وأقدم جيش نظامي في العالم تأسس قبل7000 سنة. بعد توحيد الملك نارمرلمصرأصبح لمصر جيش موحد تحت إمرة ملك مصر بعد أن كان لكل من أقاليم مصر جيش خاص به يحميه. كان يتكون من الجيش البري( المشاة والعربات التي تجرها الخيول والرماحين وجنود الحراب والفروع الأخري) والأسطول الذي كان يحمي سواحل مصر البحرية إضافة إلي نهر النيل. ومازالت بعض الخطط الحربية المصرية القديمة تدرس في الأكاديميات العسكرية في مصر والعالم. قدمت العسكرية المصرية القديمة العديد من القواد العظماء كان أنبغها الإمبراطور( تحتمس الثالث)أول إمبراطور في التاريخ أشهر معاركه معركة مجدو التي مازالت تدرس حتي اليوم. تعاقبت الغزوات وكان كل محتل ينظم جيشه. بدأ تأسس الجيش المصري الحديث إبان حكم محمد علي باشا مؤسس مصر الحديثة حيث كون جيشا للمصريين بعد فترة ظل الجيش فيها حكرا علي غير المصريين خاصة المماليك. قام محمد علي ببناء أول مدرسة حربية تقوم بإعداد الجنود والضباط علي الطراز الحديث عام1820 بمدينة أسوان وقام بإنشاء العديد من الترسانات لتمويل الجيش بأحدث المعدات كالبنادق والمدافع والبارود واستعان بالقائد الفرنسي الشهير سليمان باشا الفرنساوي الذي أقام في مصر لتأسيس هذا الجيش حتي صار من أقوي جيوش المنطقة في فترة وجيزة فغزا عدة مناطق في المنطقة. وجه محمد علي حملاته إلي جزيرة رودس وإلي بلاد الحجاز لمواجهة الدولة السعودية الأولي بقيادة ابنه( إبراهيم باشا), وقام بإرسال حملات إلي اليونان ولكنه فشل بسبب تدخل إنجلترا وفرنسا وروسيا لنجدة اليونانيين, مما أدي إلي تدمير معظم الأسطول البحري المصري في نفارين عام1827 وتحجيم قوته وطموحاته وتوقف مشروعه في الاستيلاء علي ممتلكات العثمانيين.كان التجنيد إجباريا أيام محمد علي وكان تعداده000,520 جندي. ثم جاءت الطفرة الكبري بعد عام1919 ثم بعد معاهدة سنة1936 إلي أن وصل لمكانته الحالية. وللقوات المسلحة المصرية أربعة أفرع رئيسية,قيادة الدفاع الجوي, القوات الجوية, القوات البحرية, والقوات البرية وهي عاشر أكبر قوة عسكرية في العالم.وتصنف علي أنها الأقوي والأكبر عربيا وإفريقيا. وله دور كبير في التصنيع والإنتاج الحربي والمدني ويساهم في التصدير والأمن الغذائي والعلاج والتعمير. يقوم جيش مصر بمسئولياته في إطار الاعتبارات التالية: الجيش المصري أقوي الجيوش العربية ولعله اليوم الجيش القوي الوحيد في المنطقة مما قد يؤرق بعض الدول الكبري... والصغري أيضا. أهدافه واضحة وانتماؤه لمصر فقط خالصا دون شوائب. الجيش هو المؤسسة التي هي بحق من كل المصريين لكل المصريين تشارك فيه قطاعات وفئات المجتمع كله علي اختلاف انتمائها( السياسي والاقتصادي والتعليمي والثقافي والديني) يدافع عنهم جميعا بلا تمييز وعن كل شبر في أرض الوطن بلا تفرقة.. توحيد البلاد جزء من اختصاصاته. الجيش وحدة متكاملة متناغمة متماسكة لا محل فيها للانشقاق والعصيان. مهمته العطاء والقوة وليس تحقيق أي مكاسب سياسية أو حزبية أو فئوية. رصاصه لا يفرق بين الأعداء ورصاص الأعداء لا يفرق بين أفراده. القوات المسلحة لا يمكنها التخلي عن مهمتها الأساسية. دورها في إعادة البناء دائما انتقالي مؤقت لأن المهمة الأساسية لا يمكن أن يقوم بها غيرهم وهي أسمي المهام, يعتزون بها ولا يرغبون في التنازل عنها ولا يرضون عنها بديلا. إن كان الجيش مهمته حماية الوطن والشعب, فإن الشعب أيضا مهمته حماية الجيش وكرامته ورسالته فهو خط الدفاع الأول والأخير في مواجهة أي عدو يأتي من الخارج أو ينبت في الداخل. كرامة الوطن في كرامة جيشه والاعتداء علي كرامة القوات المسلحة بالقول أو الكلمة أو العمل أو التجريح صراحة أو ضمنا جريمة في حق الوطن تعتبرها بعض الدول خيانة عظمي. والجيش المصري خط أحمر لا يجوز التطاول عليه يظل دائما خارج دائرة التجريح. الجيش ليس له أطماع سياسية أو تطلعات دولية أو ميول لإرضاء قوي سياسية متصارعة. مهمته واضحة يضع مصلحة الوطن والشعب فوق كل اعتبار سياسي آخر أو بغض النظر عن أطماع الساسة لكسب الأنصار أو إرضاء الأصدقاء أو إكرام ذوي القربي. مسئوليات القوات المسلحة وقت الحرب: حماية حدود الدولة, حماية الشرعية الدستورية. وقت السلم: الحفاظ علي الاستعداد القتالي, الحفاظ علي الكفاءة القتالية, المشاركة في رفع المستوي الاقتصادي, تأمين حدود مصر مع دول الجوار, التصدي لما يهدد الأمن القومي.. ودائما حماية الدستور. نزل الجيش المصري لحماية الأمن القومي أربع مرات بعد حريق القاهرة سنة1952, مظاهرات الأسعار سنة1977, أحداث الأمن المركزي سنة1986, بعد أحداث جمعة الغضب سنة.2011 وكان يعود إلي ثكناته دون الانخراط في العمل السياسي بطريق مباشر. في ضوء هذه الحقائق يثور السؤال حول دور الجيش في هذه الأحوال الكارثية التي تعيشها مصر. والاستعانة بالقوات المسلحة أمر له ما له, وعليه ما عليه. ولا يجوز أن يأتي القرار عاطفيا انفعاليا أو منحازا. القرار الرشيد يستند إلي دعامتين: تحديد الاحتياجات والأولويات, ثم التعرف علي الإمكانات ومواقف أطراف القضية. فما هي الاحتياجات الملحة للوطن؟ ومن هم أطراف القضية؟ ما هي مواقفهم؟ وما هي ضمانات عدم تكرار السحابة التي عكرت العلاقات بين الشعب وقواته المسلحة؟ لمزيد من مقالات د. ليلي تكلا