تنحر الحقيقة كل يوم بمناجل الساسة ومن يؤمهم من الرفاق ومن يزين لهم ومن يؤزهم لتشويهها أزا, وهو أمر ينطلي علي كثير من العامة لكثرة الخلط بين التلفيقات وبعض رتوش الحقائق, فتظهر الأكذوبة وكأنها الحق الصراح ويطار بها ببعض أبواق الإعلام لتكتسب تماسكا متصنعا في المجتمع, ثم تأتي مرحلة التباكي عليها والتنديد بأعداء الحق وخصوم الخير ومتآمري الغرف المغلقة. وكلما بعد مكان المتهمبالتآمر علينا كان ذلك أكثر إقناعا وأسهل للوقيعة فيه, فأذكي الأصابع هي من تشير للبعيد وتحمله أوزار ما نجد من نصب وضيق عيش وسوء حال, أما القريب فلن يسمح لنا بذلك التلفيق وهو يسمع ما يقال ويعلم ما يحاك, ولن تجد أسوأ من الساسة في هذا الصنيع لتغطية فشل برامجهم أو خواء جعبتهم أصلا منها ما عدا تلك الردحيات التي أكل الزمان عليها وشرب من فئة هذا هو الحل والطريق من هنا, حتي إذا أنيط بهم الأمر انكشفت سطحية تلك الشعارات وخلوها من أي منهجية حقيقية, فلا يجد أربابها سوي رمي التهم جزافا لتغطية ذلك الإخفاق المدوي وتعمية علي أعين الناس حتي لا يتيقنوا من تلك الحقيقة المرة! يخرج أحدهم ليصم أبوظبي بكونها عاصمة للإرهاب. نعم أبوظبي وليس تل أبيب التي كان أحد أصحابه الكبار يحضر حفلا علي مقربة منها, وليغدق علي حكام الإمارات صفات يندي لها جبين ذي المروءة فكيف بمن يدعي العلم والدين والورع. عاصمة الإرهاب هذه يعيش بها مئات الآلاف من المصريين موفورو الكرامة وفي بحبوحة من العيش والأمن علي أنفسهم وأهليهم وممتلكاتهم, وعاصمة الإرهاب هذه وقفت مع شقيقتها مصر منذ حرب أكتوبر وطيلة ذلك التاريخ كانت أبوظبيوالإمارات ترفض محاولات بعض الثوريين السذج إقصاء أرض الكنانة من المنظومة العربية, وعاصمة الإرهاب هذه تحمل أسماء رموز مصر العروبة ومناطقها علي العديد من أماكنها وشوارعها كما هو الحال في بقية مدن الإمارات, تعلق بمصر واعتزاز بها ومعرفة لقدرها من قلوب محبة لا تحمل إلا الخير ولا تعرف إلا الخير ولا تطمر إلا الخير. ثم لم التلبيس في خروج بعض الساسة المصريين ممن يملكون فكرا مغايرا إلي الإمارات وتصويره كلم لشتات المتآمرين علي مصر؟ أولم يخرج رفاقكم بالآلاف سابقا للإمارات هربا من سجون الطغاة كما تدعون وأسميتموه بحثا عن الحرية وطلبا لكرامة إنسانيتكم من الامتهان؟ فكيف أصبح ما تفعلون صوابا وحرية, وإن فعل مخالفوكم ذات الأمر أصبح تآمرا وخيانة؟ أوليس قرآننا الكريم- الذي تلمح أدبياتكم تارة وتصرح تارة بأنكم من يفهم أبعاده ومراميه حق الفهم دون غيركم من الجامدين- يقول: ولا يجرمنكم شنآن قوم علي ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوي, فلماذا إذن هذا الغلو في التعامل مع غيركم وغمط الحق وغمز الآخرين بالبهتان دون بينة سوي قالوا وسمعنا! ولماذا بعد فترة نري إقحام اسم الزعيم الراحل جمال عبدالناصر وينتقد بشدة لتاريخه الفاشل كما يدعي البعض؟ عبدالناصر توفي منذ43 عاما فلم تنبش سير الأموات ولا يوجه الاهتمام لإيجاد واقع أفضل للجماهير المنهكة والتي ملت من الوعود ووردي الأحلام ولا تصحو كل صباح إلا علي مرارة جديدة ولا تسمع إلا تبريرات وشماعات تعلق عليها مسؤولية الإخفاق! إن الاختلاق له جماهيرية عريضة, فهو يحمل الإثارة التي لا تحملها الحقيقة, لذلك تنتشر قصص الخيال وتزدهر سوق كتابها, بينما لا يبحث الكثيرون عن الواقع الفعلي ووجهه البسيط لأنه ممل ومتنبأ به وبدون رتوش ومساحيق ماكياج تخلب الألباب, وإن اللعب علي وتر الجانب العاطفي لدي شعوبنا الشرقية هو ما يمارس ليل نهار من بعض الساسة الذين لا يملكون لا خططا ولا مشاريع للبناء والتطوير, فيملأون الساحة عويلا وتباكيا علي تآمر الآخرين وافشالهم المستمر لبرامجهم اللي ما تخرش الميه والتي ستجعل الصحراء الجرداء حقولا خضراء, وكلما انكشف زيف اتهام يتم الانتقال لمتهم آخر, ومن المهم أن يبقي حبل المشنقة متنقلا لوأد صوت كل حقيقة لا تتماشي مع تبريراتنا!