مع اشتداد الأزمة السورية, ودخول عامها الثالث, لم تستطع المخيمات الفلسطينية أن تبقي علي الحياد, وأن تتبع سياسة النأي بالنفس عما يدور خارج مخيماتها, ودخلت في أتون الصراع بين نظام بشار والجيش الحر وأصبح مخيم اليرموك( أكبر مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في سوريا نحو130 ألف لاجيء) هدفا للصراع ونقطة استراتيجية للسيطرة علي أحياء جنوبدمشق, ومن ثم دارت المعركة علي أرض المخيم بعدما تحصن فيه الجيش الحر وتمركز جيش بشار علي حدوده. وفي خضم ذلك, لم يتحمل الفلسطينيون تواصل القتال في المخيم, خاصة بعدما قام الجيش الحر بقتل العديد منهم, وإعدام بعضهم( نحو ألف ومائة قتيل) بتهمة التعامل مع نظام بشار, فيما لم تسلم مخيمات أخري من الأمر ذاته, مثل مخيمات السبينة وخان الشيح والسيدة زينب والحسينية والنيرب وغيرها, ففر عشرات الآلاف إلي خارج المخيمات سواء المحافظات السورية الأكثر أمنا, أو إلي لبنان وغزة ومصر. ويبدو أن النازحين الفلسطينيين الذين بلغوا عشرات الالاف حتي الآن, هربوا من جحيم المعارك في سوريا ليجدوا واقعا مؤلما, وحياة أشد بؤسا في لبنان, فالمخيمات الفلسطينية في لبنان(12 مخيما لنحو نصف مليون لاجيء فلسطيني) تعيش وضعا بائسا ومزريا انتج بؤر بؤس وشقاء وفساد وبيئة حاضنة لمنظمات جهادية وجهات تكفيرية تمارس العنف بحق اللبناني والفلسطيني معا, وهو ما اتضح جليا في حرب مخيم نهر البارد, فضلا عن تعدد المرجعيات السياسية, وتفشي السلاح الفلسطيني في المخيمات وأصبحت مفرخة للتشدد وحاضنة للخارجين عن العدالة وممارسي البلطجة, و نقطة استقطاب وتناسل لحركات أصولية ومتطرفة, بحسب مركز عصام فارس للشئون اللبنانية في آخرتقاريره عن المخيمات الفلسطينية في لبنان. وكما يذكر المركز أيضا فإن المخيمات الفلسطينية في لبنان تحولت الي قنابل موقوتة وبؤر قابلة للانفجار في أي لحظة بسبب الاوضاع المعيشية والاقتصادية والأمنية المزرية التي يرزح تحتها اللاجئون, والناتجة أصلا عن تخلف المجتمع الدولي عن الالتزام بمسئولياته, وتعاظم مشاعر اليأس والاحباط وغياب أي بصيص أمل في آخر نفق المعاناة الطويل, وهذا الواقع السييء يجعل من المخيمات وسكانها مادة خصبة لتنامي العنف ويحولها الي مصدر عدم استقرار ليس في لبنان فحسب بل أيضا للدول العربية والغربية المستهدفة من الارهاب. ويبقي التحدي من القيادات الفلسطينية في المحافظة علي الأمن والاستقرار ومسيرة السلم الأهلي, وعدم الزج بالعنصر الفلسطيني في المشاكل اللبنانية الداخلية, وتحييد المخيمات, ومنع الفتنة بكل أشكالها, وإعطاء الأولوية لدعم القضية الفلسطينية ومدينة القدس. العديد من النازحين الفلسطينيين اتجهوا إلي المخيمات الفلسطينية حيث قاموا بإيجار غرف بلا خدمات, أو شاركوا البعض في غرفهم, عدا المعتصمين منهم أمام الأونروا( وكالة الأممالمتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين) في بيروت للمطالبة بمزيد من المساعدات الإغاثية والإنسانية. بيد أن المخاوف تزداد اتساعا بسبب الأوضاع في لبنان, وعدم وجود استقرار في أكثر من مكان خاصة طرابلس في الشمال وعرسال والهرمل في الجنوب, حيث لم يستطع لبنان طيلة سنتي الأزمة أن يطبق سياسة النأي بالنفس التي أعلنها, وتبين أنها سياسة هشة لا ظل لها علي أرض الواقع, وكانت أحد أسباب استقالة الحكومة اللبنانية برئاسة نجيب ميقاتي. فأزمة النازحين الفلسطينيين ومعهم السوريون إلي لبنان ليست في توفير الغذاء والمأوي, الأزمة الحقيقية هي استخدامهم حين تزداد كرات اللهب المشتعلة في أكثر من مكان في لبنان, فالشيخ أحمد الأسير( زعيم طائفة سنية في صيدا) ومنذ اشتعال الأزمة السورية وهو يهدد ويتوعد حزب الله المناصر لنظام بشار, وقد سعي منذ فترة قريبة إلي ضم بعض العناصر الفلسطينية من مخيم عين الحلوة القريب علي مدينة صيدا معقله, فضلا عن تودده لباقي النازحين مستفيدا من عدم إقامة مخيمات لهم من قبل الدولة. إضافة إلي ما سبق فإن مخيمي نهر البارد والبدواي يقعان بالقرب من مدينة طرابلس ثاني أكبر المدن اللبنانية بعد بيروت وتقطنها أغلبية سنية, وتدور فيها اشتباكات متواصلة منذ بداية الأزمة اللبنانية خاصة منطقتي جبل محسن العلوية وباب التبانة السنية, وبرغم أن مخيم نهر البارد شهد معارك منذ ست سنوات بين تنظيم فتح الإسلام ذات الأصول الفلسطينية وبين الجيش اللبناني, خلف مئات القتلي في الجانبين علي مدي ثلاثة أشهر, فإن تأثير ما يحدث في طرابلس ليس بعيدا من هذين المخيمين خصوصا بعد اتجاه عدد كبير من النازحين الفلسطينيين إليهما.