منذ أن غادرت القاهرة متجها الي بلجراد والكل يهمس في أذني: لا تنس أن تقابل مفتي بلجراد قالها لي دراجان بيسنيك' سفير صربيا في مصر.. وقالها لي أيضا الدبلوماسي المخضرم السفير علي جلال بسيوني' سفير مصر في بلجراد.. وفي يوم مشمس قادني السائق الصربي الماهر الي أحد شوارع بلجراد القديمة حيث يقبع الجامع الوحيد الذي تم بناؤه عام1575 ميلادية وبجواره المركز التعليمي الإسلامي وقد شهد المسجد والجامع أحداثا دامية حين أشعل بعض المتطرفين في المسجد والمركز عام2004 انتقاما لأعمال عنف حدثت لكنائس أرثوذكسية في كوسوفو. قابلني هناك رجل دين يرتدي ثياب شيوخ الأزهر فارع الطول بشكل لافت للنظر لدرجة أضطرتني الي أن أنظر لأعلي بشكل لم أعتده.. تقدم فضيلة المفتي محمد يوسف سباهتش لمصافحتي متحدثا بلهجة مصرية واضحة عرفت من خلالها أن والدته مصرية أزهرية تخرجت من جامعة الازهر عام1966 وأن والده البوسني والذي جاء من يوجوسلافيا التي انقسمت إلي6 دول وهناك محاولات لانفصال السابعة كان قد ذهب الي الازهر الشريف للدراسة إبان عصر تيتو وناصر وهناك التقي بالسيدة حرمه التي أنجب منها ثلاثة أبناء محمد الذي يشغل الآن موقع المفتي ومصطفي وشقيقة أسمها مني تعيش في مصر حاليا ومتزوجة من ليبي يدعي محمد المستيري.. الوالد ظل لمدة طويلة مفتيا لبلجراد. قال لي فضيلة المفتي: لقد كنت إماما لهذا المسجد ثم إماما عاما لمنطقة بلجراد تحت إشراف مفتي بلجراد حتي أصبحت المفتي. يختار كلماته بعناية فيقول: نحن ضد الإسلام السياسي الذي يضع الإنسان هدفا للسياسات الإنسانية, ومن هنا أؤكد إن لم نكن صربيين لاحترمنا الدولة الصربية فقد مرت منطقة البلقان باضطرابات عنيفة مما بلور لدينا مفهوما خاصا بالجهاد, الا وهو جهاد النفس وان نحافظ علي سلامة المجتمع الذي نعيش فيه هناك مرتبة اعلي نسعي إليها أن نعبد الله كأنما يراك وان لم تكن تراه فإنه يراك, ولذا نحن نبذل كل الجهد لكي نسلم أنفسنا لله سبحانه وتعالي. ويضيف: مهما كانت قوميتنا ولغتنا فانتماؤنا هو إلي الله, لقد اعتبر بعض المسلمين انفسهم مسلمين لأنهم يعبدون الإسلام فنحن أتباع محمد لكننا لسنا عبدة محمد وأبينا أن نكون عنصريين لا في مجال اللغة ولا في أي شئ, نحن نري مايحدث بين المسلمين من شيوع عبادة الإسلام وليس عبادة الله, ما يؤدي إلي التطرف وما يدفع أصحاب الديانات الاخري الي التطرف, فالمسلم هو مسلم لأنه منتم إلي الإسلام يعبد الله وأسلم نفسه إلي الله. حين سألته عن وضع المسلمين في منطقة البلقان حيث تبدو الصورة غائمة وغير واضحة بالنسبة لبقية المسلمين الذين يعشيون في منطقة الشرق الاوسط ؟ قال فضيلة المفتي محمد يوسف: المسلمون متنوعو الاعراق فمنهم من هو بوسني ومنهم من هو الباني او غجري او من جنوب صربيا ونسميه جوراني في حين ان الصرب الأرثوذكس سلاف وهناك ايضا مسلمون سلافيون ايضا وعدد المسلمين في صربيا يبلغ حوالي10% من تعداد السكان لكنني قلت له: ان البعض بيضع نسبة اقل من ذلك بكثير لعدد المسلمين في صربيا لأنه قال ان ما يتم ترديده ان عدد المسلمين صغير في صربيا يرجع لعدد من الأسباب منها: ضمان حرية العقيدة والخوف من إثارة النعرات الدينية ورغبة الأغلبية في تقليل عدد الأقلية إلي الأخطاء الإحصائية. سألته لماذا لا يوجد إلا مسجد وحيد للمسلمين في بلجراد مع وجود عدد معتبر من المسلمين ؟ قال إن الصرب بدأوا في هدم المسجد في مراحل مختلفة في التاريخ منذ رحيل آخر جندي عثماني عن هذه البلاد عام1912, وهذا يفسر اضمحلال عدد المساجد في صربيا. أما فيما يتعلق بمركز التعليم الإسلامي فقد بنته الجماعة الإسلامية بمساعدة دولة أذربيجان كما تلقينا مساعدة أمريكية ساعدتنا في إطلاق7 محال للطعام الحلال في بلجراد, وسوف نتوسع في أعداد هذه المطاعم قريبا. سألته عن موقفه من قضية انفصال كوسوفو عن صربيا؟ قال لي: هو نفس موقفي من انفصال جنوب السودان, لم أكن أرغب في ذلك وتشجيع الانفصال يطبق قاعدة كما تدين تدان. لقد كنا ضد انفصال كوسوفو وكنا ضد تمزيق دولة يوجوسلافيا لأننا في النهاية تحولنا إلي أقليات في الدول التي نعيش فيها, إنني أثق بأن الهدف الذي كان مطلوبا ومستهدفا من انهيار يوجوسلافيا السابقة هو تفتيت وحدة الجماعة الإسلامية وتفريقهم إلي أقليات داخل البلقان, لقد لعبت يوجوسلافيا في عهد تيتو وعبدالناصر ونهرو دورا بالغ الأهمية في دعم حركة عدم الانحياز وهي حركة لم يكن من المطلوب لها ان تستمر بسبب صراع القوي الدولية, لقد تمكن العلماء اليوجوسلاف من الدراسة في الأزهر الشريف ابان تلك الفترة ومن بينهم والدي لان يوجوسلافيا كانت تحترم مصر, وكانت العلاقات قوية وبإنهيار تلك الدولة اصبحنا مفتتين في سلوفينيا وجمهورية الجبل الاسود وصربيا ونحن من البشناق والألبانيين لا نستطيع إن نكون جماعتنا الإسلامية من عرق واحد. سألته بماذا تفسر اذن موقف بعض الدول الإسلامية التي أيدت انفصال كوسوفو؟ قال: ان تلك الدول ذات الموارد المالية الكبيرة ايدت ما تريده امريكا وانما ليست بصفتها دولا اسلامية, وانما نزولا عن رغبة القوي العظمي والكبيرة في العالم, وحتي من زاوية الدعوة الاسلامية لا اري الإسلام في تلك القرارات, وأود ان أشير هنا انه اثناء مؤتمر المجلس الاعلي للشئون الاسلامية الذي عقد منذ مدة حذرت من تأييد انفصال كوسوفو, لان هناك حالة من عدم الفهم في العالم العربي لقضايانا. فأنا اصلا من البوسنة, ووالدي من البوسنة وانتمائي لله سبحانه وتعالي لا يتنافي مع الوطن الصربي, ورسالتنا ليست اسلامية من منطلق الاسلام السياسي ولكن من منطلق السياسة الاسلامية. سألته ما رأيك في صعود الإسلام السياسي في تونس ومصر ؟ قال: الإسلام هو انتماء لله وإذا تركنا السياسة تؤثر علي الإسلام, فلن يكون الإسلام بفاعل, وإنما مفعول به, وما يحدث حاليا سوف يزول.