فاجأني الرئيس الصربي توميسلاف نيكوليتش حين قابلته في القصر الرئاسي في بلجراد وجها لوجه في موعد ما كان له أن يتم لولا العلاقة الوثيقة التي تربط الدبلوماسي المخضرم سفيرنا في بلجراد السفير علي جلال بسيوني بقوله: إن مصر في قلبي منذ زمن تيتو.. لقد وقعت بلادي اتفاقات للصداقة مع مصر منذ زمن طويل وسوف أظل ملتزما بها ولن أتغير ثم عرج بشكل مباشر علي القضية الأكثر حساسية لدولة صربيا في الوقت الراهن وهي قضية كوسوفو قائلا: لكني رغم الصداقة مع مصر سوف أشعر بالأسف إذا اعترفت مصر بقضية كوسوفو. قال: أن القضية لا علاقة لها بالأديان فنحن نحترم حرية العقيدة وهي ليست محاولة من جانب المسلمين في كوسوفو للانفصال ولكنها محاولة من الألبان وقد انهارت يوغوسلافيا ليس بسبب صراع الأديان فقد كانت كرواتيا في حرب مع صربيا رغم أن الاثنين مسيحيين ونحن في صربيا نمنح كافة الحقوق للأقليات في إطار الدولة الصربية. أردف: لقد نموت مع صعود علاقات الصداقة بين القاهرة وبلجراد زمن عبد الناصر وتيتو.. لقد كانت الصحف ووسائل الاعلام تتحدث ليل نهار عن العلاقات الوثيقة بين البلدين وعن سفر تيتو الي مؤتمرات دول عدم الانحياز.. لكن العالم تغير بعد عام 2000 بتغير ميزان القوي وأهملت صربيا صداقتها القديمة.. حتي حركة عدم الانحياز أصبحت عبئا علي عملية الاندماج الأوروبي. لقد أدي انتخاب الرئيس الصربي نيكوليتش في مايو الماضي الي صدمة في أوروبا والعالم الغربي إذ قالت صحيفة الجارديان البريطانية في20 مايو 2012 إن الانتصار المثير للدهشة لتوميسلاف نيكوليتش الذي يعد قوميا متشددا سوف يعوق انضمام صربيا الي الاتحاد الأوروبي.. إلا أن نيكوليتش قال منذ اليوم الأول لانتخابه: إن بلاده صربيا سوف تحافظ علي النهج الاوروبي ولكنها أيضا سوف تحمي كوسوفو وسوف تتعاون مع الجميع. كانت البداية حينما رافقني السائق إلي أقرب مكان من القصر الذي لا تبدو عليه أي إمارات تدل علي أن رئيس الدولة يعمل في هذا المكان.. المرور مسموح به من كافة الاتجاهات.. المارة يمرون حول القصر.. بعض من مصوري التليفزيون يقبعون أمام الباب الرئيسي. دلنا السائق علي باب جانبي لا تبدو عليه الأهمية. وضعت أصبعي علي جرس الباب.. انفتح أمامي.. سألتني موظفة الأمن: من تريد؟ قلت لها لدي موعد مع الرئيس.. أعطيتها جواز سفري.. أجرت عدة اتصالات هاتفية أنتهت بمنحي تصريح الدخول.. طلبوا مني أجهزة الهاتف المحمول.. ثم طلب مني أن أنتظر في الصالون الملحق الي أن ظهرت مضيفة شقراء طلبت مني أن اتبعها الي مكتب الرئيس. قلت للرئيس الصربي: بمناسبة مرور 105أعوام علي بدء العلاقات الدبلوماسية بين البلدين كيف تقيم وضع هذه العلاقات الآن ؟ قال: لقد عشت زمن تيتو حيث كانت العلاقات ممتازة بين البلدين الا أن الوضع تغير بعد عام 2000.. تغيرت السياسة في صربيا حتي حركة عدم الانحياز أصبحت عبئا علي عملية الاندماج الاوروبي لكننا لن نتراجع عن علاقتنا مع العالم الثالث في نفس الوقت الذي نتمتع فيه بعلاقات جيدة مع الاتحاد الروسي ونحن ملتزمون تجاه أوروبا, وبصراحة تامة العالم الثالث لديه تفهم أفضل لمسائل السيادة الخاصة بنا إلا أن بعض الدول الاسلامية نتيجة لضغوط دولية معروفة أضطرت إلي الاعتراف بكوسوفو رغم أن ما يحدث لا علاقة له بالدين وليست محاولة للانفصال من جانب المسلمين في كوسوفو وانما هي محاولة من الألبان للحصول علي اعتراف من الأممالمتحدة, وقد تبني برلمان صربيا قرارا بحل هذه الأزمة, ومواطنونا مستعدون لإيجاد حل لهذه القضية علي أن يتم منح الأقلية الصربية في كوسوفو الحكم الذاتي وأن يكون لهم قوات بوليس خاصة وسلطة القضاء وسلطات منتخبة والألبان لا يريدون التحدث عن ذلك لأنهم يشعرون بالضغوط من جانب المجتمع الدولي من ناحيتنا لن نمنح استقلالا لكوسوفو ولذا لا أطلب من مصر وأي بلد آخر في العالم أي شيء باستثناء احترام الأسباب وراء عدم الاعتراف بكوسوفو, وهنا أؤكد أن مصر في قلبي دائما ولن تتغير صداقة بلدي مع مصر لكن سوف أشعر بالأسف اذا اعترفت مصر بقضية كوسوفو. لكن رئيس وزراء صربيا صرح بأنه يمكن بحث مسألة حصول كوسوفو علي مقعد في الأممالمتحدة ؟ لا لم يقل ذلك ولم يكن عليه أن يذكر مسألة مقعد لكوسوفو في الأممالمتحدة والاتحاد الاوروبي لم يطلب مني الاعتراف بكوسوفو فهم يعلمون انه ليس لهم الحق في ذلك, هناك 25 بلدا عضوا في الاتحاد الاوروبي خمسة منهم لم يعترفوا بكوسوفو. سيدي الرئيس أثار استغرابي أن السعودية ليس لها تمثيل دبلوماسي في بلجراد لماذا ؟ مؤخرا أرسلت بعض السفراء غير المقيمين واستقبلت بعض السفراء غير المقيمين وحينما أسألهم لماذا ليس لديكم تمثيل دبلوماسي هنا في بلجراد يقولون بسبب الأزمة الاقتصادية وهذا لا علاقة لة بقضية كوسوفو إذ ليس لدينا سفارة في قطر أو في الامارات كما ليس لدينا سفارة في شيلي التي لم تعترف بقضية كوسوفو.. كوسوفو ليست السبب لكن لدينا سفارات في الدول الاساسية ونحن لسنا قوي عظمي ونحن نسعي الي أن يكون لدينا سفارات في كل الدول العربية والإسلامية وفي أمريكا اللاتينية. ما هو موقفكم من القضية الفلسطينية ؟ لم نغير موقفنا من القضية الفلسطينية وأخر تصويت لنا في الاممالمتحدة يؤكد ذلك.. لدينا علاقات جيدة مع الجانب الفلسطيني ومع اسرائيل وأخطط لزيارة اسرائيل والاراضي الفلسطينية والطرفين لا يربطهما اتفاق دائم ويجب أن يقدما تنازلات للوصول الي اتفاق. بالطبع سيدي الرئيس تابعتم ثورات الربيع العربي.. كيف تقيمون عملية الانتقال الي الديمقراطية فيها وصعود الإسلام السياسي? لقد تابعناها لان هذا تطور يحدث للشعوب وهي وحدها القادرة علي صنع مستقبلها وأحيانا تتخذ الشعوب قرارات ليست في صالحها ولست ملما بالإسلام لكني احترم الاسلام وكل الديانات الاخري كما احترم كنيستي ولا استطيع أن أؤثر علي من سيحكم مصر أو تونس وأتمني النجاح للشعوب في مصر وتونس مع الوضع في الاعتبار أنه لا بد أن نتابع أداء السياسيين بعد وصولهم للسلطة وأنا قومي لا أكره أحدا.. نحن نحب بلادنا لكنهم أحيانا لا يريدون منا أن نحب بلادنا ويطلبون من صربيا أن تلبي طلبات الآخرين. ما هو موقفكم من مسألة سعي إيران لامتلاك القوة النووية ؟ صربيا ليست قوة نووية ولا يمكن أن تسقط قنابل علي أحد.. وهذا الخوف يمكن أن يختفي إذا تخلصوا من الاسلحة النووية في العالم.. انهم ينفقون أموالا كان يمكن أن تنفق علي الفقراء أو أن تستثمر في تحسين الأوضاع الاقتصادية. نحن لدينا علاقات جيدة مع كل من الولاياتالمتحدةوإيران ماذا عن الوضع في سوريا كيف تري إمكانية الوصول الي حل هناك ؟ منذ7 سنوات قمت بزيارة سوريا وهو بلد رائع.. في شارع واحد تجد ممثلي كل الأديان وعندما استقبلني البطريرك الارثوذكسي قدم لي أساقفة أسمائهم محمد وموسي لكن بالطبع لديهم أسماء أرثوذكسية.. هذه هي سوريا التي تواجه تراجيديا اليوم.. لن ينتصر أي أحد هناك ولن ينتصر أي أحد والشعب وحده هو الخاسر وأتساءل كم عقدا من الزمان يحتاجونها لإصلاح كل هذا الدمار. متي ستزور مصر ؟ حينما تتم دعوتي سوف ألبي الدعوة.. نحن لدينا علاقات جيدة مع مصر والسفير المصري هنا في بلجراد ملتزم بالتعاون بين البلدين. انتهي الحوار الذي استغرق نحو الساعة من الوقت وحين التطرق الي مسألة الوقت قال الرئيس: إن مصر تستحق هذا الوقت وأكثر.