الخيط الرفيع الذي ربط أحداث العام هو هذا التناقض بين المد الديمقراطي ضد النظم المستبدة وانزلاق نظم ديمقراطية راسخة إلي حالة من الجمود أحدثت اختلالا في توازنات ظلت ثابتة طويلا. الثورات العربية في تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن أثبتت أن النزعة الفردية من أجل الحرية والكرامة الإنسانية وضد استبداد الدولة وتراجع العدالة الاجتماعية والقمع الشرطي قادرة علي زلزلة نظم ديكتاتورية استمرت عقودا. ولكن التجربة أثبتت أيضا أن الثورات لا تصنع وحدها نظما ديمقراطية, وأنها جزء من عملية شاملة تستند إلي بنية قانونية صلبة, والقبول بالتعدد السياسي والديني والعرقي, واحترام خيارات الناخب, وتحمل التضحيات, والتحلي بالمرونة والقدرة علي المساومة حتي تصل المجتمعات إلي الموازنة الصحيحة بين نزعتها الدينية الفطرية ومقتضيات الدولة المدنية. مقولة أخري سقطت وهي إمكان نجاح الرأسمالية في كنف نظم سلطوية وتعايشها مع ممارسات الفساد واحتكارت القلة. فرياح التغيير والاحتجاج امتدت إلي عمق الصين وأقلقت قادتها بشأن تراخي قبضتها علي حالة السخط في ظل تراجع النمو السريع, وإلي موسكو حيث وجه المحتجون ضربة موجعة إلي طموحات بوتين في انتقال سلس إلي مقعد الرئاسة, وفي نيودلهي حيث احتشد الآلاف حول حملة آنا هزاري للاضراب عن الطعام رافضين أن تقترن ديمقراطيتهم بالرائحة العفنة للفساد الحكومي. النظم الديمقراطية الغربية المستقرة واجهت أيضا موجات من السخط الشعبي ضد مؤسسات سياسية واقتصادية ظنت نفسها راسخة. فما بدأ باحتجاج ضد التقشف في اقتصاد يوناني صغير محمل بديون سيادية فوق احتماله تحول بفعل الفشل السياسي للقادة الأوروبيين إلي أزمة تهدد بقاء اندماج أوروبي استغرق بناؤه نصف قرن. وحالة الاستقطاب السياسي الحاد في الكونجرس وغطرسة رجال المال كانت كافية لإحداث أول عملية تخفيض في تاريخها للمصداقية الائتمانية لسندات الخزانة الأمريكية, وفجرت ينابيع الغضب في مسيرات حركة احتلوا وول ستريت ضد مجتمع ال1%. وسواء كان العطب في النظام أو في القيادات فمن المؤكد أن الفشل ثمنه تمحور القوي الديمقراطية حول مشاعر الخوف والتعصب يمينا ويسارا. تسونامي اليابان ترك أيضا بصمته وأسقط مقولة الاعتماد علي المفاعلات النووية كمصدر بديل للطاقة, وفضيحة التنصت التي هزت أركان امبراطورية ميردوخ الصحفية أحدثت تسونامي آخر في الفضاء الإعلامي. هدية 2011 الحقيقية هي أنها جعلت كل مستبد ينظر وراءه في خوف ولكن وصول العالم لنقطة ارتكاز وتوازن جديدة يحتاج إلي القفز فوق حواجز خطرة لسنوات عديدة. المزيد من أعمدة سجيني دولرماني