كتبت في باب الانتخابات والترشيح عن النائب الذي يريده الشعب نشر في هذا المكان أول ديسمبر الحالي.. فلا يكون سعيه إلي النيابة بقصد الحصانة.. وأن يكون فاهما لمعناها ومقتضيات مسئوليتها. وهي في حقيقتها, حقوق وضمانات مقررة دستوريا لأعضاء البرلمان, وبالأدق فهي حصانة مقررة في الأصل للبرلمان وحمايته من العبث به أو التنكيل بسلطانه أو العصف به, لهذا كان النص عليها بمواد دستورية عالية القدر, ومنها ماورد في الإعلان الدستوري في ثلاث مواد تحديدا وردت بعد النص علي حلف اليمين, وقبل مباشرة عضو البرلمان أعماله, وقد ورد النص عليها في المواد 45,44,43 وهي ذات المواد التي كان منصوص عليها من قبل في كل الدساتير المصرية وآخرها دستور 1971, بالإضافة إلي مادة أخري سقطت من الإعلان الدستوري, إذ يجري حكمها بغير نص, وهي عدم مؤاخدة أعضاء المجلسين عما دونه من آراء وأفكار في أداء عملهم بالمجلس أو في لجانه. هذه الحصانة اللعوبة, التي اصطلح علي تسميتها بأنها حصانة عضو البرلمان قد أثارت اللعنات.. والصراعات بين المرشحين للوصول إلي مقعد بالبرلمان, عن فهم خاطئ أن العضو يمكنه أن يتحصن بها لتستر أفعاله حتي ولو كانت من الموبقات, وهو فهم خاطئ من جانب السادة المرشحين, وبدت الصورة مفزعة أمام الرأي العام.. فكيف للنائب عن الشعب, الذي اقسم علي احترام الدستور والقانون ورعاية مصالح الشعب رعاية كاملة, كيف له ان يرتكب المخالفات والجرائم باسم القسم وتحت ستار الحصانة؟. وكيف له أن يلوذ بها؟! وكيف للحصانة أن تحميه من التحقيق أو المساءلة والملاحقة؟!وحتي يفر من البلاد؟!وكأن الحصانة تأذن له بارتكاب الجرائم في أمان وسلام, وتقف السلطات عاجزة عن اتخاذ الإجراءات ضد العدوان والهروب والاستيلاء والتربح إلا بعد الإذن لها, وبالجملة مخالفة القوانين التي اقسم العضو المحصن علي احترامها!! لهذا بدت هذه الصورة أمام الرأي العام وفي أذهان الكثيرين من أبناء هذا الوطن, قاسية وشديدة الوطأة, عندما تقف الحصانة عقبة في سبيل اتخاذ الإجراءات الجنائية أو التأديبية ضد النائب لمساءلته, بناء علي طلب مواطن عادي أو سلطة أو شخص اعتباري يطلب اتخاذ الإجراءات الجنائية ضد النائب الذي ارتكب احدي الجرائم.. شيكات دون رصيد.. أو جريمة النصب.. أو القذف والسب.. أو القتل الخطأ.. أو غيرها من جرائم العدوان علي المال العام أو الخاص, أو علي الأشخاص.. كيف لها أن تعصمه من المساءلة أو تقف الحصانة في وجه العقاب, وتبدو هذه الحصانة أيضا ملاذا للمسئولين الذين يتذرعون بها إذا امتنعوا عن تنفيذ الأحكام القضائية, أو أي جرائم أخري تتصل بالسلطة العامة أو غيرها, إذ يبدو المواطن عاجزا عن مباشرة الإجراءات بسبب صفة النائب الوظيفية والتي لحقت به عمدا لحمايته من جرائم استغلال النفوذ!! وبدت فكرة الحصانة ذاتها غاية أخاذة, تدفع الكثيرين إلي خوض الانتخابات البرلمانية, وإلي التضحية الجنونية بالأموال والإنفاق, واستخدام البلطجة لتحقيق الوجاهة الاجتماعية ثم وصولا إلي الحصانة, والتي ترتكب باسمها وتحت مظلتها الموبقات والجرائم, بدءا من المعارك الانتخابية, وخلال مدة العضوية لخمس أو ست سنوات.. وحتي يقضي الله امرا!! هذه الحصانة حضرات السادة بريئة من كل هذا الذي يجري.. فالأصل أنها ليست ميزة للعضو, وليست حقا له وحده, وإنما هي حق للمجلس, وحماية لأداء رسالته أو مباشرة مسئولياته في إقرار السياسة العامة للدولة, والتشريع والرقابة علي أعمال السلطة التنفيذية, لمصلحة الشعب كله, ولهذا كانت السوابق البرلمانية كلها تؤيد أن العضو ليس من حقه أن يتنازل عن الحصانة لأنها ليست ملكا له, وأنها أي الحصانة تقف عقبة ضد أي محاولة لمنع العضو من أداء واجباته ومسئولياته البرلمانية عندما تريد السلطة التنفيذية أن تنكل بالعضو.. أو تختطفه من بين أحضان المجلس, لأنها تخشي انتقاداته وآراءه التي قد تكشف المستور.. ولهذا أيضا كانت السوابق البرلمانية تؤكد لنا أن نطاق الكيدية في طلب رفع الحصانة يجب أن يكون في أضيق الحدود.. وأن تكون ظاهرة, ولهذا كانت النيابة العامة عندما تطلب رفع الحصانة منزهة عن الكيد بالعضو. أو أن تكون ستارا لتحقيق هذا الغرض, لأنها هي الأمينة علي الدعوي العمومية وعلي المجتمع.. افتحوا الطريق أيها السادة لحكمة الحصانة ومعناها, وليسارع المجلس في نظرها والبت فيها ورفعها عن العضو في العلن, وليبادر النواب الأفاضل بالسعي إلي الكشف عن براءة ساحتهم, والبعد بها عن مظنة الشبهات في كل وقت, بل وقبل معرفة المجلس أو الرأي العام بها, ولايخشي النائب سعيه إلي النيابة العامة أو المحاكمة, لأنها الطريق إلي ساحة العدالة, ويا أيها المشرع المنزه عن السهو والخطأ.. عليك أن تعيد النظر فيدائرة الحصانة, لتؤكد أنها حماية مطلقة إذا كانت تحت القبة لإبداء العضو آراءه بحرية والنهوض بمسئوليات النيابة, أما خارج القبة فهي مقيدة بمسئولياته النيابة, فلا تحمي عدوانا علي المال العام أو الخاص, أو الاشخاص, أو التهرب أو الاستيلاء أو غيرها من الافعال والجرائم التي يرتكبها, لأن ذلك كله وغيره لاصلة له بالعضوية ولابمقتضياتها, ولهذا فلا تلحقها الحصانة!! المزيد من مقالات د . شوقى السيد