يحكي أن الرئيس الصيني الراحل ماو تسي تونج رد علي أحد الرؤساء الأمريكان الذي هدد باجتياح القوات الأمريكية لبلاده بأن رد فعل الصين لن يزيد علي إصدار الأمر إلي مئات الملايين من أبناء الشعب بإلقاء أنفسهم في المحيط وساعتها ستصبح القارة الأمريكية بأكملها مغمورة بالمياه!. وعندما تهور الوزير الإسرائيلي المتطرف أفيجدور ليبرمان بالتصريح بأن بلاده لن تتواني عن قصف السد العالي في مصر بالطائرات أو الصواريخ نصحه الكثيرون بالتريث لأن ذلك قد يؤدي إلي تحرك ملايين المصريين من سكان وادي ودلتا نهر النيل, ممن ستغمر أراضيهم بالمياه تجاه الشرق فيحدث في الأراضي المحتلة مثل ما حدث في أنحاء المحروسة يوم الحادي عشر من فبراير عام2011 وعصف بحكم مبارك ومن معه بعد تسلط دام عقودا من الزمن. أردت بهذه المقدمة أن أوضح أن حركة الماء من الصعب أن تقاوم لذلك فإن مصممي المنشآت المائية قديما وحديثا من ذوي العلم والمعرفة والخبرة العملية يحذرون علي الدوام من الاستهانة بهذه الحركة بل ويضعون عوامل السلامة والأمان نصب أعينهم ويفضلون إحكام هذه العوامل علي معدلات الانفاق والتدفقات المالية للمشروعات والتمويل اللازم لتنفيذها. ظهر ذلك جليا في إقامة منشأ عظيم مثل السد العالي.. وقد راهن اليابانيون علي أن تمام امتلاء بحيرة السد سيشهد حدوث الزلازل المدمرة التي يسببها ضغط هائل من الاحمال المائية التي تزيد عن مائة وخمسين مليار طن علي القشرة الأرضية إلا أن البحيرة امتلأت وبدأت المياه في الانخفاض دون أي تأثير يذكر, وحين حدث الزلزال والبحيرة نصف فارغة من المياه وقف السد شامخا كالطود ولم يتأثر بالزلزال أي جزء منه لأن التصميم راعي احتمال حدوث مثل هذه الزلازل وتحسب لآثارها. وحين اكتشف المهندس المصري بعد سنوات من اكتمال بناء السد أن المفيض الموجود في جسم السد قد لا يكون كافيا إذا تضاعف حجم الامداد الوارد من المياه كان القرار بإنشاء مفيض حر مكمل علي بعد يزيد عن مائتي كيلو متر جنوب موقع السد ينتهي بفائض المياه إلي منخفضات توشكي التي يمكنها استيعاب المليارات من الأمتار المكعبة عند الحاجة. طافت كل هذه الخواطر بمخيلتي وأنا أسمع بأذني وأري بعيني رأسي تفشي ظاهرة إنشاء السدود في جميع ربوع حوض النيل دون أي تنسيق وبلا ترتيب ولا مشاورة كل مل نسمعه مبررات بعضها يستحق الدراسة والانتباه والبعض الآخر من قبيل الشعارات الحماسية التي يلقي بها الساسة ليحصلوا من عامة شعوبهم علي الاستحسان والتأييد والدعم في مآدب الانتخابات والاستفتاء, إن ما يثير الشك والريبة بل وما يثير الخوف والفزع أننا ننام ونصحو ونجد من يخبرنا أن سدا شاهقا قد أقيم في هذا البلد أو ذاك. وعندما تسأل عن أسس التصميم أو أسباب اختيار الموقع أو عناصر السلامة والأمان أو علامات الجودة والاتقان أو اختبارات الصلاحية والقدرة فلن يكون إلا الرد المبهم أن كل ذلك تم أخذه بعين الاعتبار, أما إذا سألت عن جهة التمويل ومقاولي التنفيذ والتصميم فتكون المفاجأة أنك لن تسمع اسما عالميا أو إقليميا مشهودا له بالكفاءة والخبرة والمعرفة ولكن ستجد علي العكس أسماء عرف عنها ضحالة المعرفة والخبرة فنيا وتقنيا وسوء السمعة والسلوك إداريا وماليا,مما يجعلك تقطع بأن الجزء الأكبر من هذه المشروعات يتم في خفاء في دهاليز الغرف المظلمة أو تحت طاولات المفاوضات لا أعلاها وهنا يتحول الشك والريبة إلي خوف وفزع بل إلي أقصي درجات الهلع لأن مثل هذه السدود الشاهقة إذا انهارت لا سمح الله فإن الانهيار سيكون مثل الأنهار التي أقيمت عليها عابرا للحدود يدمر أمامه الأخضر واليابس ولا يبقي أمامه علي بشر ولا شجر يقتل الإنسان والحيوان, ويقضي علي المنشآت والممتلكات ويشرد الآلاف بل والملايين من بني الإنسان. ومن اللافت للنظر حقا أن العالم يتحدث عن تغيرات مناخية متوقعة. وفي ظل مثل هذه الظواهر فإن تصميم السد أي سد يجب أن يأخذ بعين الاعتبار أقصي ما يمكن أن يتعرض له من الظروف المناخية الجامحة والمتطرفة وإلا فإن التمرير الآمن والتصريف الممنهج للمياه سيصطدم بالعقبات ولن يؤدي ذلك في النهاية إلا إلي الانهيار وحدوث الكارثة ويكون الندم في وقت لا يجدي ولا ينفع فيه الندم. إن السرعة التي تقام بها السدود في حوض النيل تستدعي التقدم بشكاوي إلي المنظمات الدولية لا لحماية الآخرين من إقامة هذه السدود ولكن لحماية مواطني الدول التي تقام فيها السدود أنفسهم من الآثار المدمرة التي يمكن أن تترتب علي إقامتها وأن تقوم الشكاوي التي تقدم لهذه المنظمات علي أساس أن علي الدول التي تقام السدود علي أراضيها أن تثبت ما يلي: 1 سلامة التصاميم وجودة مواد الإنشاء وأمن وأمان خطوات التنفيذ. 2 صحة دراسات الأثر البيئي قبل وأثناء وبعد أعمال الإنشاء. 3 عدم تأثر المواطنين من أبناء الدولة التي يقام فيها السدود أو المواطنين من أبناء الدول الأخري المتشاطئة والمشتركة معها من جراء إقامة هذا السد طبقا لقواعد منع الضرر. 4 توافق إنشاء السد مع متطلبات القوانين والأعراف والقواعد الدولية المنظمة للأنهار الدولية والعابرة للحدود. 5 إقرار الدولةالتي يقام بها السد بالوفاء بكل المتطلبات السابقة وإعلانها المسئولية الكاملة عن أي أضرار قد تحيق بالمواطنين من أبنائها أو بأي مواطنين من أبناء الدول المجاورة لها والمشتركة معها في حوض النهر. 6 إجبار الدول التي ترغب في إقامة أي منشآت في حوض نهر دولي علي الإفصاح عن هذه الرغبة لجميع الدول قبل البدء في أعمال الإنشاء والاستماع إلي وجهة نظر هذه الدول والاحتكام إلي خبراء دوليين من ذوي الخبرة والمعرفة إذا لزم الأمر للتوفيق بين وجهات النظر طبقا لمتطلبات وقواعد الإخطار المسبق المتعارف عليها دوليا. أما الدول التي تتوقع أن يحدث لها أضرار نتيجة البناء العشوائي وغير المنضبط للسدود فعليها أن تلجأ إلي المحافل الدولية بالشكوي ضد الدول المخالفة وأن تقوم في الوقت نفسه بتحريك الدعاوي القضائية ضد الشركات والمقاولين والمكاتب الاستشارية التي تشارك في أي أعمال تخالف القوانين ضد الشركات والمقاولين والمكاتب الاستشارية التي تشارك في أي أعمال تخالف القوانين والأعراف والاتفاقيات الدولية التي تنظم العلاقات بين الدول المشاركة في الأنهار الدولية أو تلك العابرة للحدود. المزيد من مقالات د. ضياء الدين القوصي