1- غاية ديمقراطية المواطنة! هناك قيم عليا تحرص عليها المجتمعات البشرية المتحضرة وهي: الحرية, والعدل, والكرامة الإنسانية. وهي بالضبط الغايات التي قامت ثورة شعب مصر, ثورة الفل, لنيلها في مطلع العام الحالي. وديمقراطية المواطنة هي, بإيجاز, نظام حكم يضمن نيل هذه القيم الإنسانية العليا من خلال ضمان الوفاء بالحقوق, والقيام بالمسئوليات, المقررة دستوريا لجميع المواطنين علي قدم المساواة, من دون أي تمييز, أي بغض النظر عن الجنس أو اللون و المعتقد أو المكانة الاجتماعية. كيف تتحقق ديمقراطية المواطنة؟ يتطلب تحقق ديمقراطية المواطنة شروطا ثلاثة: جهاز حكم ديمقراطي صالحا. ومجتمعا مدنيا حرا, وحيويا, وفعالا. وقيما مجتمعية متوافقة مع المطلبين الأول الثاني. ولنتمعن قليلا في كل من هذه المفردات, والعلاقات التي تقوم بينها. الحرية: هي القيمة الإنسانية الأعلي علي سلم الطيبات. ولهذا فإن أحد الجوانب المضيئة في التاريخ البشري هي التوق الدائب للتمتع بالحرية, والنضال من أجل نيل تلك الغاية السامية. لا يتوقف مفهومنا للحرية عند حرية الفرد, ولا يكتفي في حرية الفرد باحترام الحريات المدنية والسياسية. الحرية مطلوبة للوطن كما للمواطنين جميعا. وحرية الوطن بمعني ضمان التحرر الوطني وتقرير المصير. وعلي مستوي الفرد, نطلب الاحترام الكامل للحريات المدنية والسياسية, خاصة علي صورة المساواة في حقوق المواطنة كافة. ولكننا نصر إضافة علي القضاء علي جميع أشكال الانتقاص من الكرامة الإنسانية مثل الفقر والجهل والمرض والظلم. الحرية الفردية لا تكتمل إلا بالعدل والاحترام آليات للكرامة الإنسانية. وفي القلب من الحريات المدنية والسياسية تقع الحريات المفتاح الثلاث: الرأي والتعبير والتنظيم (التجمع السلمي وإنشاء المنظمات في المجتمعين المدني والسياسي). ويأتي علي رأس حقوق المواطنة حقا الترشح والاقتراع في انتخابات حرة ونزيهة. وحيث تغري السلطة بالاستبداد والتسلط, خاصة لوكانت مطلقة, تهدف أنظمة الحكم الصالح لوضع ضوابط علي ممارسة القوة. فالقاعدة أن السلطة مفسدة والسطة المطلقة مفسدة مطلقة. في أنظمة الحكم الصالح يتسم توزيع القوة بالعدالة وتمارس القوة لتحقيق الصالح العام, عبر مؤسسات شفافة تحكمها قواعد ثابتة ومعروفة للجميع. أما في أنظمة الحكم السيئ فتحتكر قلة القوة, وتمارس القوة, بواسطة ثلة أو حتي فرد واحد متسلط, لضمان مصالح الثلة القابضة علي مقاليد القوة وأهمها استمرار قبضتها علي مقاليد القوة. وفي أنظمة الحكم السيئ عادة ما يتزاوج وجها القوة: السلطة والثروة, بما يتيح المناخ المواتي لنشأة متلازمة الفساد/الاستبداد. وعادة تسعي أنظمة حكم الاستبداد والفساد إلي إطالة أمد استبدادها بالقوة ومغانمه الضخمة, بحرمان الغالبية من مصدري القوة, من خلال إفقارها وإقصائها من السياسة عن طريق خنق المجال العام عن طريق تقييد التمتع بالحرية, خاصة الحريات المفتاح للتعبير والتنظيم (التجمع السلمي وإنشاء المنظمات في المجتمعين المدني والسياسي). ولا يخفي علي حصيف أن هذه هي بالضبط حالة مصر. فإلي أين سينتهي التوتر بين الحرية والقوة بمصر؟ جهاز الحكم الديمقراطي الصالح: يتميز بالسمات الثلاث الرئيسية التالية: يحمي الحرية, فانتقاص الحرية, علي أي من مستوياتها, يعني عدم صلاح الحكم حتي لو قامت مؤسسات ديمقراطية في الشكل- وهذه نقيصة تعاني منها للأسف نظم الحكم العربية, وفي هذا المجال, فإن من حق مجلس الشعب القادم, بل واجبه, فور انتظامه, أن يلغي حالة الطوارئ. تمثيل الشعب بكامله, بما يضمن التعبير عن الإرادة الشعبية من خلال انتخابات حرة ونزيهة. الحكم, أي اتخاذ القرارات في شئون المجتمع, بما يضمن المصلحة العامة, من خلال مؤسسات تتسم بالشفافية والإفصاح عما مايجري بها, وتخضع للمساءلة, فيما بينها, وأمام الناس كافة. ويأخذ هذا في المجتمعات المتحضرة شكل الدولة (السلطة التشريعية السلطة التنفيذية السلطة القضائية) في ظل مبدأ الفصل بين السلطات ومساءلة بعضها البعض, وخضوعها كلها في النهاية للمساءلة أمام الشعب. ما يسهم في تأسيس منظومة قوية للنزاهة في المجتمع. في ظل قانون حام للحرية ومنصف, يطبق علي الجميع علي حد سواء, ويقوم عليه قضاء كفء ونزيه ومستقل قطعا. نسق الحكم الصالح هذا, بالإضافة إلي حماية الحرية بمفهومها الشامل, يضمن حقوق المواطنة غير منقوصة لجميع المواطنين دون أي تفرقة. ويضمن, علي وجه الخصوص, التداول السلمي للسلطة السياسية, ويقلل من فرصة استبداد أغلبية باللأقليات في المجتمع. المجتمع المدني: المقصود بمصطلح المجتمع المدني هنا المعني الواسع الذي يتضمن منظمات المجتمعين المدني والسياسي بالتعريفات المعتادة, ويتسع ليشمل الأشكال التنظيمية الجنينية ذات الجذور الشعبية التي تحتل موقعا مهما علي ساحة التغيير المجتمعي مثل حركات الاحتجاج الشعبي. والمجتمع المدني بهذا المعني الشامل يجمع بين: الجمعيات الأهلية, والتنظيمات النقابية, ووسائل الإعلام, والأحزاب السياسية. وفي ظل ديمقراطية المواطنة يجب أن يكون حرا في الإنشاء, بمجرد إخطار القضاء, وحرا في النشاط, في ظل القانون والقضاء المستقل. القيم المجتمعية المتوافقة: احترام الاختلاف والتعددية. والتسامح واحترام الآخر. وتلعب في ترسيخها في المجتمع وسائل الإعلام والتعليم دورا أساسيا؟ المواطنة: تعني التمتع بجميع الحقوق والحريات الأساسية, والقيام بالمسئوليات, وفق الدستور, لجميع المواطنين علي حد سواء, أي بغض النظر عن الجنس أو اللون أو المعتقد أو الموقع الاجتماعي. ومن المهم هنا تأكيد أن قصر المواطنة علي محاربة التميز الديني فقط يخل بشمول المفهوم الذي يرفض جميع أشكال التمييز أيا كان المعيار (الجنس, أو اللون أو المعتقد, أو الموقع الاجتماعي, الخ). العدل: هناك ثلاثة محاور للعدل في المجتمعات البشرية المتحضرة: الوفاء بالحقوق للجميع علي قدم المساواة, والعدالة التوزيعية, والإنصاف في المنازعات. الوفاء بالحقوق للجميع علي قدم المساواة حقوق الإنسان: تمتع الإنسان بجميع الحقوق المقررة في منظومة حقوق الإنسان, لمجرد كونه إنسانا. وهي غير قابلة للتجزئة ومستحقة لجميع البشر من دون أي تمييز (وتضم حقوقا اجتماعية واقتصادية وثقافية إضافة إلي الحقوق المدنية والسياسية). ب- حقوق المواطنة: تمتع المواطن بجميع الحقوق المدنية والسياسية المقررة في منظومة حقوق الإنسان, لمجرد كونه مواطنا. وهي غير قابلة للتجزئة ومستحقة لجميع المواطنين. ويأتي علي رأس حقوق المواطنة, الحريات المفتاح الثلاث: الرأي والتعبير والتنظيم (التجمع السلمي وإنشاء المنظمات في المجتمعين المدني والسياسي). وحقوق المشاركة السياسية (الترشح, والانتخاب), في انتخابات حرة ونزيهة. 2- العدالة التوزيعية في المجتمع بمعني توزيع الدخل وتوزيع الثروة (ما ينعكس علي توزيع القوة حال تزاوج السلطة والثروة) علي الفئات المختلفة في المجتمع. توزيع الدخل:- بين عوائد العمل( الأجور والمرتبات) وعوائد الثروة (الأرباح والفوائد علي رأس المال بأشكاله المختلفة). عند تزاوج الثروة والسلطة تسود قلة( شلة) تتركز في أيديها السلطة والثروة, وتصبح الثروة وسيلة للسلطة, وبالعكس, وينتهي الأمر باستقواء الشلة وإضعاف الفقراء. ما ينطوي علي نقض شروط الرأسمالية الناجحة وهي: ضمان التنافسية= ضرب الاحتكار بما يضمن أعلي كفاءة إنتاجية, وأقل أسعار للمستهلكين. العدالة التوزيعية= تقتص الدولة من خلال الضرائب التصاعدية من الأغنياء لمساندة الفقراء المستضعفين, وهذا النظام يتفادي فشل السوق الطليق( الذي حتما يحابي الأغنياء والأقوياء ويعاقب الفقراء والضعفاء). 3-الإنصاف في المنازعات: تتضارب المصالح في المجتمعات البشرية مما ينتهي بقيام نزاعات بين أفراد أو هيئات, أو حتي أفراد وهيئات في مواجهة مؤسسة من مؤسسات الحكم. ويتمثل أهم أساليب ضمان الإنصاف في المنازعات في وجود قانون يحمي الحرية والعدل والكرامة الإنسانية, يطبق علي الجميع علي حد سواء علي أيدي قضاء نزيه كفء ومستقل تمام الاستقلال. ويلاحظ أن هذا المتطلب مكون أساسي في جهاز الحكم المؤسسي الصالح. الاستخلاص الرئيسي هو أن ديمقراطية المواطنة تضمن تحقق العدل في المجتمع, علي المحاور الثلاثة المشار إليها هنا. المزيد من مقالات د . نادر فرجانى