وفق الفيلسوف الألماني فيخته أن تكون حرا ليس شيئا, أما أن تصبح حرا فهذا هو الفردوس ذاته حماية الحرية من بطش القوة ينشيء الحاجة للحكم الديمقراطي الصالح لقد كرس تاريخ البشرية أن حماية الحرية من بطش القوة ينشيء الحاجة للحكم الديمقراطي الصالح. فالحرية هي القيمة الانسانية الأعلي علي سلم الطيبات. ولهذا فإن أحد الجوانب المضيئة في التاريخ البشري هو التوق الدائب للتمتع بالحرية, والنضال من اجل نوال تلك الغاية السامية. وعلي خلاف غلو الليبرالية, خاصة في صياغتها المحدثة التي جرت علي البشرية ويلات تحت شعار لا حرية إلا لرأس المال وحافز الربح في ظل ما سمي توافق واشنطون وأطلق الرأسمالية البربرية لتفترس البشر والرفاه الانساني في جميع أرجاء العالم, لايتوقف مفهومنا للحرية عند حرية الفرد ولا نكتفي في حرية الفرد باحترام الحريات المدنية والسياسية. الحرية مطلوبة للوطن كما للمواطنين جميعا. في مقابل الحرية سعي البشر دائما, في جانب أقل إضاءة من السعي للحرية, لامتلاك القوة التي تيسر قهر الآخر أو فرض إرادة من يمتلك القوة علي الآخرين, خاصة من لايمتلكون أسباب القوة. وقد تمثلت القوة عبر التاريخ البشري في جانبين: السلطة السياسية والثروة. وحيث القهر هو نقيض الحرية, فقد قام دائما توتر بين الحرية والقوة في جميع المجتمعات البشرية, اقتضت إدارة هذا التوتر قيام انظمة الحكم التي تعني في الأساس مسألتين: توزيع القوة, بوجهيها, وأسلوب ممارسة القوة. وتنوعت أنظمة الحكم علي هذين المحورين. في أنظمة الحكم الديمقراطي الصالح يتسم توزيع القوة بالعدالة وتمارس القوة لتحقيق الصالح العام, عبر مؤسسات شفافة تحكمها قواعد ثابتة ومعروفة للجميع. أما في أنظمة الحكم السييء فتحتكر قلة القوة, وتمارس القوة, بواسطة ثلة أو حتي فرد واحد متسلط, لضمان مصالح الثلة القابضة علي مقاليد القوة واهمها استمرار قبضتها علي مقاليد القوة. وفي أنظمة الحكم السييء عادة ما يتزاوج وجها القوة: السلطة والثروة, بما يتيح المناخ المواتي لنشأة متلازمة الفساد/ الاستبداد. وعادة تسعي أنظمة حكم الاستبداد والفساد الي إطالة أمد استبدادها بالقوة ومغانمه الضخمة, بحرمان الغالبية من مصدري القوة, من خلال إفقارها وإقصائها من السياسة عن طريق خنق المجال العام عن طريق تقييد التمتع بالحرية, خاصة الحريات المفتاح للتعبير والتنظيم (التجمع السلمي وإنشاء المنظمات في المجتمعين المدني والسياسي) ولا يخفي علي حصيف أن هذه هي بالضبط حالة مصر. فإلي أين ينتهي التوتر في بين الحرية والقوة تحت أنظمة الحكم التسلطي؟ في الأساس ليس إلا طريقين كما تقول الحكاية الشعبية. الأول هو طريق الندامة. والذي ينتهي إليه الناس جميعا إن استمر حكم الفساد والاستبداد قابضا علي خناق الناس عامة لمصلحة طغمة حكم فاسدة ومتغطرسة بالقوة الغشوم والإفقار المنظم, لاتسلطهما علي المواطنين جميعا إلا ثلة الحكم. اما طريق السلامة, فيمر عبر انهيار نظام حكم الفساد والاستبداد تحت وطأة التفسخ من الداخل والضغط الشعبي من الخارج, وأهم مصادر الضغط علي مثل هذا النظام هو براء عموم الشعب عن حالة الاستسلام البائس التي يعيش وتبني سبيل العصيان المدني والسياسي, وهو حق مشروع, بل فرض عين, في مواجهة حكم الفساد والاستبداد الذي يعد شرعا مغتصبا للسلطة. الحرية والتحرر في التراث العربي الإسلامي يعرض علينا التاريخ العربي والإسلامي في التجربة الواقعية والممارسة العملية وجوها متعددة لمسألة الحرية, بمضامينها التي ننسبها إلي الأزمنة الحديثة,قد لاتكون تجسيدا لمنظومة فكرية أو أيديولوجية متكاملة بقدر ماهي تجسيد لمتطلبات إنسانية حيوية مباشرة. فقد عبرت الحرية السياسية عن مطامحها باتخاذ موقف المعارضة وذلك بنبذ مبدأ الطاعة لأولي الأمر وربطه بالنص الذي يقرر أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. وأنفذت الأمر بوسائل مختلفة: النصح, والنقد, والعمل السري, والتقية, والعصيان والمقاتلة أو الثورة. والرموز هنا كثيرة: ثورة القراء, الفتنة الكبري, حركة الخوارج, حركات الزنج والقرامطة, نشاط اخوان الصفاء السري, والانقلاب العباسي. النضال ضد الاستبداد وضد الظلم لدي المعتزلة: سعي المعتزلة إلي إعلاء مفهوم الانسان الفاعل الذي تناط به عملية تغيير المجتمع ومقاومة اظلم والباطل, من خلال تأكيد حرية الانسان وقدرته علي الفعل ومسئوليته عن أفعاله, في مقابل أهل الجبر الذين ركزوا علي تكريس الموقف السلبي للإنسان في عملية التغيير, وكانت سلبيتهم مؤازرة مباشرة وتعاونا وثيقا مع المستبدين والظالمين المغتصبين لحرية الشعوب,... فأظهر صفات الانسان عند المعتزلة أنه حي مريد. ومن ثم كان موقف المعتزلة برفض الانضواء تحت لواء السلطة المستبدة ومقاومتها تجسيدا لفكر نظري آمن به عمرو بن عبيد ورفاقه عن اقتناع, وسعوا إلي تطبيقه في حياتهم عن طريق تقرير قدرة الانسان وحريته في أعماله, ضد الجبرية وغيرها من الافكار التي تعد تكريسا للاستبداد والظلم والذي أدي الي تفشي الفساد في الأمة. وما أشبه الليلة بالبارحة! وينطلق فكر المقاومة عند المعتزلة من تبنيهم مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي رفعة المعتزلة الي منزلة الاصول الاعتقادية, وسعيهم الي تغيير المجتمع, من خلال محورين: رفض الظلم والإنكار علي الحكام الظلمة ومقاومتهم والدعوة الي الخروج عليهم. اعداد الجماهير من خلال مقاومة فكر الجبر الذي يكرس الاستبداد ويعد تكأة للحاكم وسندا له. ومن هنا التأكيد علي حرية الانسان كشخصية مستقلة لها دور إيجابي وفعال في تغيير الواقع ومقاومة الأفكار الضالة والمحرفة والتي تتناقض مع طبيعة الاسلام كدين جاء لمقاومة الباطل وتغيير المنكر والثورة علي الفساد والمفسدين. ومن هنا كان موقفهم الرافض من خلفاء بني أمية باعتبارهم مغتصبين للسلطة وملوكا, وليس خلفاء شرعيين تم اختيارهم من قبل اهل الحل والعقد, كممثلين للشعب, وحقيقة الأمر ان موقف المعتزلة من بني أمية يصل إلي درجة الاجماع في ما بينهم علي رفضهم وحجب الثقة عنهم كمستبدين قفزوا الي السلطة بصورة غير شرعية, وهذا ما اتفق عليه جميع رجال المعتزلة في جميع الطبقات والعصور. ولم يشذ من هذا الموقف سوي موقفهم من عمر بن عبدالعزيز, ويزيد الناقص, الذي لقبوه بالكامل. وتبلورت رؤيتهم السياسية في الوقوف ضد اغتصاب السلطة, والتصدي للحكام الغاصبين لها, وتجسيد هذا المبدأ عمليا بالمشاركة في الثورة علي الحكام الذين اغتصبوا الحق من اهله وما احوجنا الي تمثل المعتزلة اليوم, فكرا وفعلا! الحرية والتحرر في الفكر الغربي تحمل الحرية إرادة حرة تقف رافضة لكل ماهو غير قادر علي التعايش مع هذه الحرية كما ان الذات الواعية بذاتها هي القادرة علي إحداث فعل الحرية, وفعل الحرية يتحرك في صورة ديناميكية تجعل من الإرادة الحرة إرادة قادرة علي التمرد ومن ثم إحداث فعل المقاومة. ففي اليونان القديمة انتفت الحقوق, فالعبد بلا حق, ولكن هذه الحركة الإقصائية لم تكن لتقضي علي وعي الفرد بذاته وبوعي الفرد بفرديته, بإرادته التي لا تحكمها الإرادة العليا, وإنما تحكمها ذاتها, فكانت ثورة العبيد التي قادها سبرتاكوس فالإرادة تكون داخل الروح. وبينما يؤسس الفكر الليبرالي لمفاهيم الحرية والديمقراطية لا يولي عناية كبيرة لعملية التحرر من القهر. وليس من غرابة حيث نشأ الفكر اليبرالي في ديمقراطيات مستقرة او في طور التشكل إيجابيا. ولكن لايخلو الأمر من إشارات ذات دلالة في الكتابات الأحدث نسبيا عن ديناميات القهر وتدويمه, له رجع صدي في الأوضاع الراهنة في البلدان العربية. فينتقد إيزايا برلين أنظمة الحكم الأبوية, لأنها مهما كانت كريمة او عقلانية, تميل الي معاملة غالبية البشر كقصر, او قليلي المسئولية. ناقصي النضج, حتي لا يستحقون الحرية في المستقبل القريب, اي, حقيقة, لا يستحقونها علي الاطلاق. وهذه سياسة لاتقوم علي اساس علمي او منطقي, ب: علي تصور ممعن في الخطأ عن الحاجة البشرية الأعلي, أي الحرية ففي غياب الحرية تسود المجتمع الوسطية الرديئة, والامعات. ويحذر من أن ينجح الطاغية, او أعوانه المستترون, في حفز رعاياه علي التعامي عن رغباتهم الأصلية واحتضان نمط الحياة الذي يتيحه لهم. اذ في هذه الحالة يكون قد نجح في تزييف شعورهم بالحرية المزيد من مقالات د . نادر فرجانى