في23 مارس1927 اهتز مبدأ العلية الذي يعني ان لكل معلول علة بالضرورة وذلك بفضل اعلان عند العالم الفيزيائي الالماني هيزنبرج مبدأ اللاتعين. وهو يعني انك لاتستطيع ان تعين موضع الجسيم وسرعته في آن واحد لان ثمة خطأ محتوما بحكم تدخل الاجهزة الالكترونية في رصد الموضع والسرعة ومعني ذلك ان ثمة تناقضا بين المبدأين, اذ الاول يستلزم القول بان الضرورة كامنة في العلاقة بين العلة والمعلول, في حين ان المبدأ الثاني ينفي الضرورة ويحل محلها الاحتمال ومن شأن هذا الاحلال ان يحدث زلزالا في مبدأ اليقين اي يحدث زلزالا في المبدأ الذي يمنحنا الامن والامان في هذه الحياة الدنيا المتغيرة. والسؤال اذن: ماذا حدث من رد فعل لمواجهة ذلك الزلزال الذي حدث لمبدأ اليقين؟ في عام1928 حدثت حركتان حفرتا في مسار الحضارة الانسانية: حركة الإخوان المسلمين والمؤتمر العالمي للارساليات المسيحية. اكتفي في هذا المقال بتناول حركة الإخوان المسلمين فأقول انها تأسست في مارس1928 بزعامة حسن البنا عندما قال لستة من مريديه العمال: نحن إخوة في خدمة الاسلام ومن ثم فنحن اخوان مسلمون وكانت الغاية من ذلك التأسيس اسلمة المجتمع المصري اولا ثم اسلمة المجتمع الدولي ثانيا وقد بدأت هذه الاسلمة بدعوة من وزير المعارف محمد حسن العشماوي لحسن البنا للمشاركة في مشروعات الوزارة, ومغزي هذه البداية ان التعليم هو المدخل الي الاسلمة علي نحو ما ارتأي حسن البنا وبعد وفاته تفرغ سيد قطب لوضع نظرية لتبرير هذه الاسلمة دينيا, استنادا الي مفهوم الحاكمية لله الذي تناوله في كتابه معالم في الطريق. والسؤال اذن: ماذا تعني الحاكمية لله؟ انها تعني التحكم في كوكب الأرض بسلطة دينية لاتنازعها اية سلطة اخري ليتحقق الانتقال من الجاهلية الي الاسلام ووسيلة تحقيق هذا الانتقال مردودة الي اجراء توحيد بين الاسلام والعمل السياسي بحيث تصبح الحياة كلها تطبيقا للاسلام ومن ثم يرجع البشر الي حكم الله ليلتزموا به. وانتهي سيد قطب من مفهوم الحاكمية لله الي تقسيم المجتمعات الي مجتمعين: مجتمع جاهلي ومجتمع اسلامي. المجتمع الجاهلي هو المجتمع الوثني في الهند واليابان والفلبين وهو المجتمع اليهودي ومجتمع النصاري بتصورهما المحرف للالوهية وذلك بان يجعل لله شركاء, وهو المجتمع الذي يزعم انه مسلم ولكنه يعلن صراحة انه علماني او يزعم انه يحترم الدين ولكنه يخرج الدين من نظامه الاجتماعي. اما المجتمع الاسلامي الحق فهو الذي يعلن تحرير الانسان في الارض من العبودية للعباد وذلك باعلان ألوهية الله وحده للعالمين ويتحقق هذا الاعلان بالجهاد بالسيف. وبناء عليه فان سيد قطب ينتهي الي نتيجة حتمية مفادها ان من ينازع حق الله في الحاكمية, اي عبودية الانسان لله وحده, ويدعو الي ان تكون جهة اخري غير الله هي مصدر السلطات فان تكفيره امر لازم. وسيد قطب, في كل ما حرره من آراء, هو تلميذ ابن تيمية, وابن تيمية علي الرغم من انه من القرن الثالث عشر, الا انه اصبح اساس الوهابية في القرن الثامن عشر, ثم اصبحت الوهابية هي ايديولوجية الإخوان المسلمين في القرن العشرين وقد التزم الإخوان في اطار ابن تيمية والوهابية اسلمة مؤسسات الدولة بلا استثناء تطلعوا الي اسلمة كوكب الارض عندما اسهمت دول الخليج في تمويلهم للعمل علي تكوين شبكة علاقات في كل دولة اوروبية في نهاية الخمسينيات من القرن الماضي وكان في مقدمة الإخوان سعيد رمضان السكرتير الخاص لحسن البنا وزوج ابنته فيما بعد, رحل الي جينيف في عام1958 والتحق بكلية الحقوق في كولونيا, ثم أسس في ألمانيا الجمعية الإسلامية الألمانية من1958 الي1968, وبعد ذلك اشترك في تأسيس منظمة العالم الإسلامي بتمويل من المملكة العربية السعودية فالتزم بالتفسير الحرفي للنص الديني وبتكفير كل من يخرج علي ذلك التفسير ومع التكفير شاع الاغتيال الذي ينطوي علي الارهاب. هذا عن الحركة الاولي التي حفرت في مسار الحضارة الانسانية فماذا عن الحركة الثانية؟ الجواب في المقال القادم. المزيد من مقالات مراد وهبة