ها هو المشهد المصري في صورته الآنية, يبدو وفقا للمنظور الجمعي التركي, مفعما بالاثارة والغرابة والغموض كل هذا في آن واحد! فمع الخامس والعشرين من يناير وكذا الايام التالية له, ظهر الاتراك وقد أصابهم الذهول, وهم يرون الملايين الهادرة. وهي تزحف علي الميادين تطالب في صوت واحد برحيل النظام. وفي خطوة جريئه, لم يعبأ رجب طيب اردوغان رئيس الحكومة, بالمعايير والقواعد الدبلوماسية, إذ راح يوجه نقدا لاذعا للرئيس حسني مبارك ناصحا إياه ك' أخ' بالتنحي, ولم تكن الامور في المحروسة قد أنجلت بعد. صحيح أن اردوغان لم يكن علي وفاق مع الرئيس السابق إلا أنه في المقابل بدا لسان حال مواطنيه الذين لم يخفوا سعاداتهم من طوفان المصريين الذين أحدثوا زلزالا هائلا أطاح بواحد من أكثر الانظمة الديكتاتورية بطشا. وعقب نجاح الثورة تصدرت مصر العناوين الرئيسية لكافة الادبيات السيارة كبيرة كانت أم صغيرة, ومعها انطلقت التعليقات من قبل الخبراء والمتخصصين والتي تمحورت جميعها حول مرحلة ما بعد مبارك. كان المستقبل إذن هو هاجس وريثة الامبراطورية العثمانية, وكيف سيشكل ؟ وما هي القوي المرشحة لتبؤ مقاليد السلطة في البلاد ؟ وللحق لم تخرج رؤي الاناضول التحليلية كثيرا عن نظيرتها الغربية والاوروبية والتي كانت تميل إلي الاعتقاد بأن التيارات الاسلامية سيكون لها الغلبة. وهكذا نسجت المفرادات لتهيئ الرأي العام التركي لاستقبال نماذج ناطقة بلغة الضاد ذات مرجعية دينية, لتكون علي غرار حزب العدالة والتنمية الذي يقود بلادهم منذ نهاية عام2002, وكان هناك شعور بالفخار أن تكون تركيا العلمانية في ثوبها الاردوغاني نموذجا يحتذي. وكانت الجماعة المرشحة للقيام بهذا الدور هي' الأخوان المسلمين' كونها من وجهة نظرهم الأكثر تنظيما رغم ما عانته من قهر وقمع طوال العقود الثلاثة الماضية وربما أكثر, ليس ذلك فحسب بل أنهم استطاعوا تخطي كل العقبات التي وضعها أمامهم النظام' البائد' وتمكنوا من تحقيق نجاح لافت في انتخابات عام2005, وحصولهم علي88 مقعدا كمستقلين. ونظرا لأن صانعي القرار خصوصا في الباشباكللنك مقر السلطة التنفيذية, ذو مرجعيات دينية, فقد بدوا أكثر ترحيبا بهذا المد الديني في العالم العربي بصفة عامة ومصر بصفة خاصة, ولانهم من تلاميذ الراحل نجم الدين اربكان مؤسس الاحزاب الاسلامية في تركيا الكمالية, والذي كان يحتفظ في ركن بمكتبه بصورتين إحداهما ل' سيد قطب' والثانية ل' الشيخ حسن البنا', وقيل إنه خلال زيارته للقاهرة ولقائه بمبارك قبل خمسة عشر عاما أثني علي الاخوان واصفا إياهم بأنهم' ناس طيبون' فما كان من المخلوع أن رد ساخرا' سوف ابعتهملك'! لكل هذا احتفظوا بصورة طيبة عن هذا الفصيل السياسي مقابل كراهية شديدة للحزب الوطني المنحل وزعيمه!! وفي حي بلجت بالعاصمة أنقرة, وتحديدا بمقر العدالة والتنمية والعهدة هنا علي صحيفة وطن عقدت ورش عمل شهدها وشارك فيها قيادات إخوانية من أجل التشاور بين أخوة الدين, ولا باس من انتهال بعض من جوانب تجربة الحزب في دغدغة مشاعر آلاف البسطاء التي تبتلعهم عشوائيات وأطراف معظم المدن التركية, وبالتوازي تلقي جزءا من التكتيك السياسي في كيفية الظفر بالانتخابات البرلمانية. المثير في هذا الصدد هو أن عصام العريان القيادي البارز في جماعة الاخوان سبق وكتب مرارا معارضا بشدة تجربة العدالة التركي التي لا يمكن أن تجد لها مكانا علي أرض الكنانة! وقد تأكد ذلك أثناء زيارة اردوغان للقاهرة في يوليو الفائت. فما أن عاد الأخير إلي بلاده إلا وبدا يطفو علي السطح بدايات تغير سلبي في المزاج العام لدي الاتراك عكسه سيل من التلميحات انطلقت جميعها من ميديا مسموعة ومرئية ومقروءة علي السواء: مصر إلي أين ؟ ثم جاءت جمعة التاسع والعشرين الشهر ذاته ليصبح السؤال أكثر تحديدا هل تتجه مصر إلي الشريعة ؟ والأخيرة في الترجمة الشعبية تعني أن حركة طالبان في أفغانستان وباكستان فهل سيكون هذا هو المصير ؟