قرأت رسالة الفرصة الأخيرة عن زوج يتمني كلمات قد تصلح أموره مع زوجته, وقد عاني كثيرا من قسوة أبيه, حيث كان يعامل أمه بقسوة ويهينها أمامه وأخوته. وكان يشعر دائما بالحسرة, ويعترف بأن هذه السلوكيات زرعت فيه آلاما لا تنسي, وتركت جرحا كبيرا غائرا, لم تستطع الأيام أن تداويه, وللأسف ورث بعض صفات أبيه, كالعصبية والتي يحاول أن يعالجها في نفسه, لذلك عانت زوجته والتي طلبت الطلاق وهو مازال يراها بكل الصفات التي يتمناها المرء في الفكر والتربية والخلق, يكن كل الاحترام لأسرتها, يعترف بأنه صار دائم الخلاف مع زوجته, بسبب وبدون سبب, ويعترف أيضا بأنه هو المسئول الأول والأخير عن هذا الخلاف, كان صاحب الصوت العالي وكان يرميها بكلمات نارية تهينها حتي وصل بها إلي طريق مسدود تصر علي الطلاق, لكنه يريدها كي يعوضها عن الجرح والألم اللذين سببهما لها, ولكل من حولها, ولا أدري لماذا نعذب أنفسنا بأنفسنا ولا أدري لماذا لا يحقق الأزواج التعايش السلمي بينهما, الزوج يعترف ويعد بإصلاح نفسه وهي تصمم علي موقفها ومن حقي أن أتساءل وأين الحب الذي جمع بينكما؟ الكل يعاني لا يوجد أحد لا يعاني, هناك أزمة من نوع شبيه بالحرب الباردة, أو لنقل التعايش السلمي بين الزوج والزوجة, وهي أزمة لا تعبر عن نفسها بالطلاق, ومع ذلك فالطلاق يهون أمامها, وخصوصا إذا ما استفحلت وطال بها الزمن, وكم هي عديدة تلك العلاقات الزوجية, التي يبدي كل طرف فيها اهتماما بأشياء عديدة في هذا العالم, لكنه لا يكترث بأقرب الناس إليه شريكه في الحياة الزوجية, هذا مظهر من مظاهر المصيبة التي يطلق عليها خبراء العلاقات الاجتماعية. ظاهرة الاغتراب الزوجي وهي نفسها التي وصفها أحد الكتاب بقوله: إن الزوجين يكونان فيها كسفينتين تمران من أمام بعضهما بعضا في ظلام دامس, حتي لكأن إحداهما لا تشعر بوجود الأخري. إن غياب الحب والاحترام يفقد العلاقة حيويتها, ويعرض الكيان الزوجي إلي هجوم فيروسي مدمر, يضرب العصب المركزي المتمثل في التوافق, حيث يغيب الفهم والتفاهم, وتتباعد الاهتمامات والميول, والاتجاهات, وتتباين المبادئ والقيم الخاصة بكل طرف, ويقال إن الرجل الدكتاتور يوصل الأمور إلي ذلك المنزلق, ويقال أيضا إن المرأة العنيدة تفعل الشيء نفسه, وكثيرا ما يقال إن الزوجين اللذين لا يهتمان علاقتهما وتنقيتها من الشوائب اليومية, مذنبان بحق نفسيهما وبحق أبنائهما, إذ يوصلان الأمور إلي حالة من الجمود القاتل. والمشكلة أن نسبة كبيرة من العلاقات الزوجية يعاني طرفاها, أو أحدهما علي الأقل, الأمية العاطفية, ومع ذلك فهما يرفضان اللجوء إلي طرف ثالث لطلب المشورة, ولم تكن هذه المشكلة موجودة في الماضي البعيد, إذ إن العلاقة الزوجية كانت مشروعا عائليا تتكفل بإنجاحه الأسرة الكبيرة التي تتابع كل انتكاساته ونجاحاته, وتعالج الخلل فيه كلما طرأ, وفي ظل عصر الفردية المطلقة الذي نعيشه الآن, يتوجب علي كل شخص أن يقتلع أشواكه بيديه وأحد السبل, لذلك يتمثل في اللجوء إلي ذوي الاختصاص, ولم لا ما دام العائد علي ذلك خيرا. وما دام صاحب الرسالة عاد إلي صوابه وأدرك أنه لا يطيق البعد عن رفيقة حياته وعرف قيمتها فيجب عليه أن يغلق الطريق إلي نقطة اللاعودة, وينهي الأزمة بأن يلجأ إلي الله أولا داعيا المولي عز وجل أن يعينه علي نفسه ويهدي ويرقق إليه قلب حبيبته, زوجته, وبعد الله سبحانه وتعالي يلجأ إلي أهل زوجته أولئك الناس المحترمين جدا كما قال صاحب الرسالة وليكونوا الطرف الثالث بينه وبين زوجته وليدرك الجميع أن مصر تعيش الآن أوقاتا حرجة, ولا تحتمل جرحا أو نزفا جديدا بتحطيم أسرة مستقرة فليراجع كل منا نفسه وليتق الله ربه ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي القدير. محمد حلمي السلاب [email protected] أستاذ اللغة الإنجليزية المنصورة