الأرض التي يقف عليها المصريون أمام صندوق الانتخابات القادمة, يضم طميها رفات ملايين من فلاحين وفلاحات موشومة ظهورهم بأثار كرابيك الولاة والمحتسبين والأغاوات, وعصي رجال الأمن وهراوتهم. وبرغم أنهم عملوا بكد ومهارة وصنعوا أعظم حضارة, إلا أهم عاشوا شظف العيش, يقتاتون علي لقيمات خبز البتاو والبصل, ويسترون عوراتهم بخرقة من الكتان, وليتحول ناتج عملهم الي نهر يصب بالغلال والياقوت والزبرجد في عواصم الإمبراطوريات الغازية, وخزائن القياصرة والخلفاء والسلاطين والملوك والرؤساء, هذا هو أديم وادي النيل خليط من طين وعرق وشقاء وأحزان وأفراح وأمتداح, فالقهر والظلم والأستغلال والأستبداد تحتل القاسم الأعظم في تاريخ الفلاحين, لهذا ونحن علي مشارف تأسيس الجمهورية الثانية, ينبغي علينا عندما نقف أمام صندوق الانتخابات ان ننظر إلي الأرض التي نقف عليها بإجلال واحترام ومسئولية. لأول مرة يذهب الفلاح المصري الي صندوق الانتخابات, وهو يقف تحت سماء الحرية, لا تسيطر عليه دولة أجنبية, ولا حكومة استبدادية, ولا دولة بوليسية قمعية, تجبره بكل أشكال التهديد والتزوير والتعذيب والعنف المفرط, أن يختار عنوة أو عن جهل, ما يخالف مصالحه ومستقبل وطنه وأبنائه. ذلك واقع غير مسبوق للمصري الذي كانت قيمته في وطنه أقل من الأنعام, عدا من التحق بالأزهر الشريف أو الكنيسة, أو من عمل لحساب السلطة, وساط بكرابيكها أبناء وطنه, فالحقيقة أن مبارك ودولته القمعية, لم يكونا سوي تلميذ ذكي متبلد الحس في مدرسة لتاريخ طويل من القهر والذل. وهبت ثورة 25 يناير المصريين الحياة تحت سماء حرة, لكن الحرية ليست تاجا يلبسه العبيد, الحرية تاج لا يعلم قيمته سوي الأحرار. الحرية ليست رفاهية من المتع والأنحلال الأخلاقي كما يروج بعض السلفيين, وهي ليست حرية استغلال الفقراء ونهب ثروات الوطن, الحرية ليست مجرد مسئولية فردية تقف عند حدود الآخرين, وإنما الحرية تكمن أيضا في قدرة الجماعة علي إدارة شئون حياتهم السياسية والأقتصادية, بصورة لا تنفي التنوع واختلاف الرؤي والأفكار والمذاهب. الحرية بحث عن مجتمع العدالة والرفاة, وهو طريق لا يملك اي مذهب أو فكر أو جماعة سياسية مهما اختلف أيدلوجياتها; نظرية جامعة مانعة لبلوغ المرامي والأهداف, فتاريخ البشرية هو تاريخ التغير والتبديل والتطور. الحرية مغامرة في بحر التجربة والخطأ كي يتعلم الأنسان السباحة, الحرية مسئولية تبدأ بخروج كل مواطن للمشاركة, وتنتهي بالحساب والعقاب لكل من أساء لهذا الشعب واستهان بكرامته, وحقوقه الأنسانية. ولهذا ولأول مرة سيكون الفلاح مسئولا بنفسه عن السنوات الخمس القادمة, فهو السيد وصاحب السيادة علي الجميع, فإذا اختار ممثلين ينوبون عنه في السلطة التشريعية, يكرسون لدولة مدنية ديمقراطية, تؤمن بتداول السلطة, سيجد نفسه بعد خمس سنوات يجلس علي جسر غيطه أو مصطبته, سلطان في موقع الحكم والحساب والمفاضلة, فإذا خدم من أعطاهم صوته في انتخابات 2011 مصالح الوطن, وبذلوا طاقتهم في بناء دولة التنمية الحديثة, أعاد انتخابهم, أما الجاهلون والفاسدون والمرتشون والانتهازيون وتجار الأراضي والسموم, ومن يعملون لصالح كل سلطة فاسدة, والذين غالبا ما ينتهي بهم الأمر ليصبحوا عملاء للمصالح الأجنبية والإسرائيلية. سيكون لديه الفرصة والحق في دورة الانتخاب التالية أن يلقي بهم إلي المزبلة, أو يحاكمهم بقدر ما ارتكبوا من جرائم خانوا بها مسئوليتهم أمام الشعب. أحد أهم معالم الحيرة هي المعرفة, فبعد خمسين عاما من الحياة في مجتمع سياسي مظلم, بدت شمس الحرية وكأنها تعمي الأبصار, لهذا يبدو الناس في حيرة, وتشعر الغالبية بأنها في حالة توهان, ويتساءلون عمن يختارون؟ والأجابة أنه من غير المعقول أو المنطقي أن يصبح المصريون فجأة في حالة رفيعة من النضج السياسي, وإلي حين تنضج الحياة السياسية في مصر وتستقر, فأن علينا جميعا أن نناضل ونكافح لترسيخ سلوكيات أخلاقية رفيعة. فعلينا أولا: أن يذهب كل مواطن إلي صندوق الأنتخابات. ثانيا: أن نرفض التزوير رفضا قاطعا, وألا نشارك فيه, بل ونواجه كل مزور. ثالثا: رفض كل أنواع الرشاوي الانتخابية, فكل رشوة نقبلها كالشحاذين, بدءا من كيلو مكرونة أو موبايل, او عدد من مئات الجنيهات, هي ملاليم نخسر نحن مقابلها حياتنا, ويكسبون هم ملايين بل مليارات. رابعا: أن نقاوم بحزم ظاهرة بلطجة الانتخابات, والتدخل التعسفي لوزارة الداخلية لصالح مرشحين بعينهم, وأهم من ذلك إلا نمارس نحن البلطجة, وألا نمنع أو نثير الفزع والتهديد ضد كل من يريد أن يختار مرشحا أخر. من جهة أخري يجب أن تمتلك قوة الإرادة وحسن البصيرة, والعزم لعدم إعطاء صوتك لأي مرشح من الحزب الوطني, ولأي من اتباعهم القدامي والجدد, فهذه خيانة للثورة ودماء الشهداء. ثانيا علينا أن نتخلي عن الوقوف خلف العصبيات, والانتخابات العائلية. وألا يخدعنا من يبيع لنا الدنيا بالدين, فالمصريون ليسوا في حاجة لمن يدلهم علي دينهم, أنظر حولك ستجد المصري يمتلك تدينا نبيلا خاليا من التطرف, أفضل من أي مجتمع يحيط بمصر. مؤسس علي القيم العظيمة التي ينشدها كل مجتمع متحضر. ثالثا عليك أن تختار من يقدم برنامجا تفصيليا خلال الخمس سنوات العشر القادمة, يعبر عن مصالح الشعب, ويحقق أماله وطموحه, خاصة الطبقات الفقيرة. وأخيرا يبقي القول أن ثورة 25 يناير نزعت الخوف من قلوب الناس, وجعلت مستقبل الوطن أمانة بين أيدي أبنائه, فعلينا أن نتحلي بالحكمة والمسئولية, والشجاعة اللازمة كي نكون بحجم التحديات المقبلة. المزيد من مقالات فتحى امبابى