الأرقام تتحدث عن15 ألف منطقة عشوائية في مصر, والأرقام تتحدث عن أكثر من15 مليون نسمة يقطنون هذه العشوائيات, والواقع يشير إلي حياة يخيم عليها البؤس, وتنهكها الأمراض ، والواقع يؤكد معاناة يومية مع تلوث مياه الشرب, وافتقاد الصرف الصحي, والحقيقة المرة هي أوكار البلطجة وتجار المخدرات, مع الخارجين علي القانون, والهاربين من تنفيذ الأحكام. وعلي الرغم من خطورة الأزمة التي طرحت نفسها علي موازنات الدولة وخطط المحليات علي مدي أكثر من نصف قرن, فإنها لا تجد طريقها إلي الحل, بل علي العكس تتزايد حدتها, وتتفاقم المأساة, ويتزايد عدد العشوائيات, وبالتالي القاطنون فيها عاما تلو الآخر, مما يرفع من حالات المرضي في المستشفيات العامة, وعدد الخطرين علي الأمن العام, ناهيك عن الكثير من الجوانب. مراسلو الأهرام في المحافظات يرصدون المشكلة بجميع جوانبها, في محاولة لإلقاء الضوء من جديد علي هذه المأساة المتفاقمة لعلها تجد طريقها إلي الحل, ونحن علي أعتاب مرحلة جديدة من حياتنا. كانت الإسكندرية منذ عشرات السنين مقصد الشعراء, والبيت الكلاسيكي الكبير لجموع المصريين, فيقصدها القاصي والداني, والمحب والعاشق الولهان, ليتمتع بأحيائها النظيفة, وشوارعها المنمقة, وأشجارها الوارفة, ومياهها الفضفاضة, ونسماتها التي قال عنها الشعراء: إنها تشفي العليل, إذ أطلق عليها الجميع عروس البحر الأبيض المتوسط. أما الآن, وخلال حقبة زمنية قصيرة تبددت أحوالها, وتغير وجهها التاريخي, واستنشق أهلها تبخر عبقها التاريخي القديم, لتصبح كالعجوز الشمطاء التي سقط شعرها, وامتلأ وجهها بتجاعيد السنين, واكتست بالغبار, وتساقطت أسنانها, وأصبح أهم ملمح في وجهها الآن العشوائيات التي أصابتها في مقتل, لتنال المقعد الأول بين محافظات مصر انتشارا للعشوائيات. فمن يصدق أن تتحول الإسكندرية التاريخية إلي أكبر محافظة بها عشوائيات, وإذا تنقلت بأقدامك من شرق المدينة إلي غربها فستجد ما يتملك قلبك حزنا علي هذه المحافظة التي كانت جميلة. فعشوائيات حي المنتزه تطل برأسها لتعبر عن قبح المكان, وعشوائية قاطنيه, الكل تسابق علي إقامة العشوائيات بالقري والنجوع وتعدي علي الأراضي الزراعية بهذه المنطقة التي ارتبط مسماها في يوم من الأيام بالأسرة الملكية الحاكمة في مصر, وكانت من أفضل أحياء مصر علي الإطلاق, فحاصرت العشوائيات منطقة المنتزه, وحي القصر الملكي لم يسلم من التعديات علي الأراضي المجاورة له ليتخذوه مطلا رئيسيا لتلك العشوائيات التي لم تجد من يقف ضدها بالمرصاد, وتعالت العشوائيات, وتزاحمت الأقدام لتتحول تلك المنطقة لأكبر بقعة عشوائية في الإسكندرية بفعل فاعل مع غياب كامل لأجهزة الدولة. كما لم تسلم المعمورة الشهيرة بطبيعة مبانيها المخططة من عبث العابثين, فتم تطويقها بكردون عشوائي كبير, وحاصرتها العشوائيات من كل جانب, وامتدت تلك العشوائيات في وسط وأطراف المدينة حتي أصبحت موضة يتمتع بها السكندريون دون غيرهم, وأصبحت جمهورية العشوائيات هي التي تحكم في هذا المجتمع, فالمواطن السكندري هو الذي يقوم بتقسيم الشوارع علي هواه, وهو الذي يمنح نفسه التراخيص, وهو الذي يحدد الارتفاعات, ولا عزاء للنظام أو التنظيم داخل أروقة المحافظة, وأصبح دور الأحياء المراقبة فقط دون أن تتخذ أي قرارات سوي قرار الإزالة الذي يصبح مصيره حبس الأدراج, حيث لا ينفذ علي الإطلاق, وأخذت رقعة العشوائيات في تزايد من شرق المدينة إلي غربها, ومن شمالها إلي جنوبها. وكان لمنطقة سيدي بشر قبلي نصيب كبير من كعكة العشوائيات, وتحولت إلي أكشاك صفيح في الطرقات والشوارع, فضلا عن المناطق المجاورة مثل حجر النواتية, والمندرة, وميامي, مرورا بالحيز المجاور للسكة الحديد, أما منطقة محطة مصر فأصبحت أكبر بؤرة عشوائية امتدت يد الإهمال لتصل إلي محرم بك ومنطقة الحضرة, مرورا بمنطقة ترعة المحمودية, فالعشوائيات في تلك المناطق تلاحمت وأصبحت كمرض السرطان الذي تفشي في أرجاء الجسد, والحل هو موت المريض, والتشافي من هذا المرض أصبح بالأمر المستحيل. أما منطقة القباري ومينا البصل ووادي القمر فحدث ولا حرج, فالمباني انتشرت في كل جانب وقرارات الإزالات بهذه المناطق أمر مستحيل, والكوارث ستظهر قريبا من جراء البناء بصورة مخيفة خالية من أي مواصفات فنية. أما الكارثة الكبري عندما تقع عيناك علي منطقة الدخيلة, خاصة القبلية, فالمباني بها أشبه بالصوف الذي علق بالأشواك فيصعب حله أو إنقاذه, الأمر أصبح في منتهي الصعوبة, أو أشبه بالكارثة, والشوارع عرضها لم يتجاوز الأمتار الثلاثة, والمباني بلا مياه أو كهرباء أو حتي صرف صحي, فتحولت تلك المناطق إلي مستنقعات موبوءة مليئة بالأمراض, والسبب تنامي هذه العشوائيات, ولم يكتفوا بوقف هذا الزحف المخيف, إلا أنهم أكملوا مسيرة العشوائية حتي بلغت الأزمة ذروتها! أما الطامة الكبري فتجدها في منطقة العجمي التي كانت في يوم من الأيام قبلة المصطافين, ومقصد الأثرياء, وراغبي التمتع بالأجواء الصحية الجيدة,. نجدها قد تحولت في أقل من عشر سنوات إلي أكبر مستنقع عشوائي, فقد تم هدم الفيلات والقصور, وتم إنشاء العمارات العشوائية عشرات الأدوار, وتلاصقت المباني, وتزاحم الناس بها حتي أطلق عليها السكندريون الصين الشعبية, فلا يخلو شبر في أرض العجمي إلا وتم البناء عليه, وأسرف الأهالي في إقامة العمارات الشاهقة المتلاصقة التي لم ترسم صورة معمارية جميلة, بل شوهت المنطقة, وزاحمت المناطق العشوائية. الأهرام رصدت تلك العشوائيات التي هي أشبه بالكارثة, أو الطامة الكبري. ورأت أن الفكر العشوائي أصبح راسخا ومتأصلا في عقول السكندريين, فلا أحد هنا يبحث عن الحل, لكن كل فرد يسهم جاهدا في تنمية الحركة العشوائية, وتأصيلها, فتوقف الحال وازدحمت الإسكندرية, وتحولت من مدينة الهناء والراحة, إلي مدينة الإزعاج والزحام.. وفقدت خصوصيتها بفعل العشوائيات.