فتح باب التصالح مع رموز نظام مبارك الباب أمام كثيرين أقدموا علي اتخاذ خطوة جادة لغلق ملفات نزاعاتهم القضائية, تصدرت المشهد قضية رجل الأعمال الهارب حسين سالم. باعتبارها نموذجا لأحد أهم وأخطر ملفات التصالح كونها تحتوي علي تفاصيل كثيرة ومعقدة. أشاع طلب التصالح الذي قدمه لنيابة الأموال العامة العليا حالة من الغموض في الموقف والتردد من جانب الحكومة وأصبحت خطوات التسوية تسير وئيدة. وأسهم النزاع الدائر بين النيابة العامة والكسب غير المشروع علي قضاياه وقواعد التسوية وأمور أخري, وموقف متعنت تقوم عليه الخارجية, مما طرح ظلالا كثيفة علي قضية التصالح مع رموز النظام السابق. وفق الأوراق الرسمية يعد الدكتور صالح الطيار رئيس الفريق القانوني لرجل الأعمال الهارب حسين سالم, المفوض الوحيد لإنهاء إجراءات المصالحة مع الحكومة, وفي ضوء ما يقوله طرحت رؤيتي ووضعت الأساس الذي يمكن البناء عليه بشأن عملية المصالحة, وعرضت التنازل عن50% من ممتلكات حسين سالم وأفراد أسرته بالكامل في داخل وخارج مصر, وتقدمت بقائمة تتضمن كل الأرصدة البنكية والعقارات والسيارات والأراضي والمصانع وغيره, وهي في حوزة نيابة الأموال العامة العليا لتفحصها وتجري عليها التحريات اللازمة للتأكد من مصداقيتها. وإمعانا في حسن النيات نص أحد بنود اتفاق المصالحة علي أنه في حالة ثبوت ظهور ممتلكات وأموال لحسين سالم وأفراد أسرته قد أخفاها عن السلطات المصرية فإنها تصبح تلقائيا ملكا للحكومة المصرية, وقد اتخذ النائب العام خطوة في هذا الشأن وخاطب البنك المركزي ليرشح له ثلاث شركات لتتولي عملية التقويم, وأنهت بالفعل مهام عملها من تقييم الممتلكات داخل مصر وتحملنا تكاليفها بالكامل, وتقدر بأكثر من مليون جنيه, في حين أن الممتلكات في الخارج لا تحتاج إلي لجان تقويم علي اعتبار أنها تنحصر في أصول عقارية, والعقارات في تلك الدول تقديرها يأتي من حكوماتها, لذلك سنأتي بشهادات معتمدة تحدد القيمة السعرية باستثناء مصنع وقطعة أرض في أذربيجان فيمكن الاتفاق علي تحديد وسيلة لتقويم سعرها. هناك إجراءات عديدة اتخذتها نيابة الأموال العامة العليا لنقف علي حقيقة ما قدم إليها في شأن مصالحة حسين سالم, حيث يوضح المستشار مصطفي حسين المحامي العام الأول أبعاد الموقف قائلا: جري فحص الوكالة المقدمة وتبين مصداقيتها وأن كل ما قدم في هذا الشأن موثق ولا غبار عليه, وقد أنهت الشركات الثلاث المكلفة بعملية تقويم أصول ممتلكات سالم وأفراد أسرته أعمالها, وسلمت التقرير وقدرت الموقف المالي لها بقيمة إجمالية مليار دولار, ونتخذ إجراءات أخري للكشف عن حقيقة الممتلكات التي حصرها وأقر بملكيته لها, وأظن أن الأجهزة الرقابية المعنية أوشكت علي كتابة تقريرها هي الأخري, ولست أتصور أنها ستكشف عن جديد, المعضلة الأساسية في ممتلكاته وأفراد أسرته في الخارج لأننا نعلم أن معظمها هناك, وقد حصلنا للتأكد من مصداقية ما يقوله وسيتحمل تكاليف ذلك, مسألة تقدير الحكومات في الدول التي توجد فيها ممتلكاته, قضية لن نعتد بها, وسنلجأ إلي آليات جادة يمكن الاعتداد بها. لم يمانع الدكتور صالح الطيار رئيس الفريق القانوني لحسين سالم من الاتفاق علي إجراءات تضمن شفافية الموقف, وعلي حد قوله اتخذت موقفا واضحا من عملية المصالحة منذ اللحظة الأولي للشروع فيها, وأكدت تحمل موكلي لجميع الأعباء المالية والتكاليف التي تترتب علي إنهاء كل ما يتعلق بها برغم ظروف حسين سالم المالية الصعبة التي يستدين فيها أموالا من أصدقائه للإنفاق علي أمور حياته, إلا أنه عازم علي تحمل كل المصروفات لغلق الملف كاملا, كل ما تطلبه نيابة الأموال العامة بشأن عملية تقويم الممتلكات في الخارج لن نمانع فيه, وسنكون علي قدر المسئولية. الإجراءات المؤشرات الصادرة من الحكومة المصرية تكشف في ثناياها عن اتجاه يقضي بعدم قبول التسوية علي أساس تنازل سالم عن50% من ممتلكاته في الداخل والخارج, وتحمل عبارات المستشار مصطفي حسين المحامي العام الأول لنيابة الأموال العامة العليا بعضا من الموقف الرسمي, حيث قال: التسوية ستكون فوق ما عرضه سالم, وسنزيد عن ذلك ونحدد نسبتها عندما نصل إلي التصور النهائي للمصالحة. تقبل الدكتور صالح الطيار الموقف بصدر رحب قائلا: ليس هناك مانع من زيادة النسبة المخصصة للحكومة في أملاك حسين سالم وأفراد أسرته, ولكن عليها أن تراعي قوة الموقف القانوني لموكلي بعد رفض السلطات الإسبانية تسليمه إلي مصر, ويتعين الوضع في الاعتبار أن عقوده المبرمة قانونية ويمكن علي أساسها اللجوء إلي الهيئة الدولية لفض منازعات الاستثمار الأجنبي, وسيكون موقفه أكثر قوة في ظل ما تعرض له القضاء المصري من أحداث عنيفة, وتشكيك في أحكامه, وهناك إصرار من موكلي علي إتمام المصالحة وأتصور أن الحكومة المصرية لديها الرغبة نفسها, ولم أجد ما يقضي بعكس ذلك. بزغ في طريق إنجاز ملف المصالحة عقبة تتعلق بكيفية حصول الحكومة علي ممتلكات حسين سالم, حيث رفضت مشاركته أو إدارتها للأصول وطالبته بأموال سائلة, ويوضح المستشار مصطفي حسين أن الحكومة لن تحصل علي ممتلكات سالم التي تنازل عنها بموجب الاتفاق لتديرها أو لتبيعها, وإنما تريد أموالا سائلة, وسينص الاتفاق علي ذلك, ويتعين عليه إيجاد صيغة تتفق مع هذا التوجه. ويكشف الدكتور صالح الطيار عن وضعه في الاعتبار لهذا المطلب الحكومي, وقد عمل بالفعل لإيجاده علي أرض الواقع, واتفق مع شركات عالمية لشراء ممتلكات حسين سالم التي تنازل عنها للحكومة المصرية بالأسعار التي حددتها لجان التقويم, وعلي حد قوله, توقعت ذلك وكنت أضعه في اعتباري, لذلك عملت من أجله طوال االفترة الماضية وعثرت علي ثلاث شركات عالمية أبدت موافقتها علي شراء حصة الحكومة, وأن سالم ليست لديه رغبة في الاحتفاظ بمتلكاته في مصر, كونه يريد الحياة فيها بعيدا عن صراع عالم البزنس, أما موقفه من الأموال السائلة في البنوك فهي واضحة وتقدر ب178 مليون دولار, ومجمدة لا يتعامل عليها وليس فيها أدني مشكلة لحصول الحكومة علي حصتها. يملك رئيس الفريق القانوني لحسين سالم ثمة مشاعر يؤكد عبرها موقفا غير مفهوم يتخذه جهاز الكسب غير المشروع من قضية التصالح كونه يضع عراقيل ويرفض تسليم ملفات قضايا موكله لنيابة الأموال العامة, في وقت أنفق فيه الجهاز ملايين الدولارات علي مكاتب المحاماة الأجنبية من أجل استرداد الأموال المهربة واعادة المطلوبين ومنهم حسين سالم الذي أنفق عليه وحده ما يزيد علي6 ملايين دولار ولم يتمكن من تحقيق عائد يذكر. تهرب المستشار يحيي جلال رئيس جهاز الكسب غير المشروع من الكشف عن أبعاد وتفاصيل الخلاف الدائر مع النيابة العامة وطوي الصفحة حتي لا يطلع الرأي العام علي ما يدور فيها, واعتبر ذلك شأنا خاصا وتعامل مع الواقعة بنوع من العناد والتجاهل. لم تشأ نيابة الأموال العامة العليا استمرار التفاوض مع حسين سالم عن بعد أو من خلال وسيط وفي ضوء ما يذكره المستشار مصطفي حسين تم الاتفاق علي ارسال وفد قضائي إلي اسبانيا للجلوس إلي سالم ووضع التصور النهائي لاتفاق المصالحة ومناقشته في بعض الأمور وتكوين صورة محددة وواضحة لكن لم يتحدد بعد التوقيت الذي يسافر فيه الوفد إلي اسبانيا.. حيث يرتبط ذلك بإنهاء بعض الاجراءات المتعلقة بالحصر النهائي لأملاكه في الداخل والخارج والتأكد من مصداقية ما احتوته أوراق التسوية وأتصور أن ذلك ينتهي خلال أسابيع قليلة. وسيكون سالم الموقع بذاته علي الاتفاق وحيث كان اقترحنا السفارة المصرية باسبانيا كمكان للتوقيع لكنه رفض خشية اتخاذ اجراءات تحفظية عليه.. عموما المكان لن يكون نقطة خلاف.. المهم سريان أمور المصالحة في مجراها الطبيعي. أبدي الدكتور صالح الطيار استعداده لتحمل نفقات سفر الوفد القضائي إلي اسبانيا للاطلاع علي كل تفاصيل الاتفاق عن قرب ومناقشة سالم في التفاصيل التي يحتاج إليها وعلي حد قوله.. ليس لدينا ما يمنع من ذلك لكن لابد من التنسيق في هذا الشأن حتي يتسني دعوة فريق المحامين بالكامل لحضور اللقاء والاجابة علي التساؤلات المطروحة.. أما مسألة توقيع الاتفاق داخل السفارة المصرية باسبانيا. فذلك أمر مرفوض وقد وضعت تصوري في هذا الشأن بأن يتم داخل احدي القاعات بفندق في اسبانيا ويمكن توجيه الدعوة للسفير المصري هناك لحضور الاتفاق.. القضية برمتها في ملعب الحكومة المصرية وعليها اتخاذ الاجراءات علي وجه السرعة لإنجاز ملف التسوية وتحديد من ينوب عنها في التوقيع عليها.. حتي لا نجد آثارا تترتب عليه بعد ذلك إذا ما تغيرت الأنظمة السياسية.. من حق سالم التأكد من القواعد القانونية التي تضمن له عدم وقوعه في مشاكل قانونية مستقبلا. نزاع قضائي الواضح في عمق الصورة أن هناك نزاعا بين الكسب غير المشروع والنيابة العامة في شأن تسوية كاملة لملف تصالح حسين سالم,.. حيث رفض الكسب اعادة ما لديه من قضايا إلي نيابة الأموال العامة ووفق ما يؤكد عليه المستشار مصطفي دويدار المتحدث الرسمي للنيابة العامة أنه الجهة الأصيلة في التعامل مع كل هذه القضايا والمفترض أن تئول إليه جميع القضايا ليقر ما يراه مناسبا فيها.. نحن لدينا مشكلة ولابد من التعامل معها بجدية تتجسد في عدم وجود جهة مختصة يناط بها عملية التصالح. عندما تعرضت النيابة العامة لعملية التصالح فإنها تضع في اعتباراتها مقتضيات المصالحة العامة واعادة كامل حقوق الدولة لذلك تتم عملية تسوية موقف حسين سالم القانوني بكل جدية ودون أدني مواربة. يضع رئيس الفريق القانوني لحسين سالم علامة استفهام أمام موقف الخارجية المصرية تجاه عدم تصديق سفارتي مصر في السعودية واسبانيا علي وكالة سالم له للتفاوض مع الحكومة علي ملف التصالح, وبحسب قوله لم أجد تعاونا يقضي بحصولي علي تصديق السفارتين علي توكيل الذي منحه لي سالم وأفراد أسرته لإنهاء عملية المصالحة دون ابداء أسباب واضحة رغم أن ذلك اجراء روتيني لا يترتب عليه أثر.. فموكلي متهم ومن حقه تفويض من يدافع عنه.. موقف غريب وغير مفهوم. لم يجد السفير علي العشيري مساعد وزير الخارجية للشئون القنصلية والمصريين في الخارج ما يستطيع به ايجاد مبرر قانوني يستند عليه ويؤكد صحة ما حدث بشأن رفض سفارتي مصر في السعودية واسبانيا التصديق علي توكيل الذي حرره حسين سالم وأفراد أسرته لرئيس الفريق القانوني الخاص بهم.. كانت هناك أسئلة ملحة تحتاج لإجابة.. لكنه تحصن بالصمت وآثر عدم الخوض في تفاصيل الموقف. يبدي محمد سعيد طوسون رئيس اللجنة التشريعية بالشوري تحفظه علي عملية المصالحة في ملف حسين سالم قائلا: لابد أن تكون هناك ضوابط واضحة لعملية المصالحة وتخضع برمتها لضمانات تكفل اعادة كامل الأموال المنهوبة لكونه قريبا من نظام مبارك وحصل علي تسهيلات كبيرة جمع منها ثروة طائلة وإذا كانت القواعد التي تحكم التصالح ستعيد ما حصل عليه سالم فلا بأس من اتمامها.. أما إذا احتوت علي مغالطات فإنه من الأفضل محاكمته. يملك المستشار أحمد مكي وزير العدل وجهة نظر مغايرة بعض الشيء في ملف تسوية قضايا حسين سالم يعرضها في قوله لابد من اخضاع تلك العملية لدراسة وافية نقف فيها علي ظروف وملابسات كل قضية حتي نضمن حقوق الدولة وأتصور أن تصدي نيابة الأموال العامة العليا لموقف التصالح سيكون مقصورا علي القضايا المنظورة أمامه ولن تتعرض لتلك التي توجد في حوزة الكسب غير المشروع. وبإعتباري رئيسا للجنة فض منازعات الاستثمار الوزارية.. فإن هذه التسوية لن يتم الانتهاء منها دون قيام اللجنة علي تفاصيلها واتخاذ موقف واضح بشأنها وكوني أيضا وزيرا في الحكومة فلن أتخذ موقفا محددا دون الوقوف علي تفاصيل وأبعاد كل قضية لمعرفة ملابساتها ومدي الانحراف الواقع فيها. وعلي حد تقدير وزير العدل فإن عمليات التصالح مطلوبة ويجب أن تسير في خط مواز مع جهود استرداد للأموال المهربة ويعد بروتوكول التعاون الذي وقع مؤخرا مع دول الاتحاد الأوروبي دفعة قوية في هذا الشأن كونه يتضمن نقاطا قوية تتعلق بوجود خبير انجليزي لمدة عام يعاون بخبرته الفنية علي كيفية استعادة الأموال مرة أخري وكذلك اعادة الأموال التي يشتبه في كونها غير مشروعة دون صدور أحكام قضائية وتحقيقا لذلك سنجري تعديلات تشريعية وفوق كل ذلك لن تتحمل الحكومة المصرية أعباء مالية نتيجة لجهود البحث عن الأموال المهربة وستتكفل بها دول الاتحاد الأوروبي.