كلنا نتذكر كلمات فولتير حول إمكانية اختلافه في الرأي مع شخص ما ولكن استعداده في نفس الوقت للموت في سبيل حق هذا الشخص في التعبير عن رأيه. هذه الكلمات الخالدة لم تعد مقصورة علي حرية الرأي, ولكن صارت صرحا كبيرا من الحقوق السياسية التي يحق لكل المواطنين التمتع بها تحت غطاء خالد أيضا من سيادة القانون الذي يقرر وحده عما إذا كان المواطن قد خرج عن المسئولية في مباشرة حق التعبير أو أي من الحقوق السياسية. هذه الأفكار, ومعها غيرها, كونت أسس الفكر الليبرالي الذي وجد فجأة سوقا رائجة عقب ثورة يناير حتي تمدد بين الشباب والشيوعيين والجماعات المدنية وحتي الإخوان المسلمين انتموا إليها ليس من خلال فولتير أو مونتسكيو, ولكن من خلال الفكر الأصيل الذي يحملون شعلته, أو هكذا قيل. الكل بات مؤمنا بالدولة المدنية وحقوق الإنسان, ولكن الإيمان لا تكتمل صحته إلا ساعة الاختبار بالغواية أو القوة أو الثروة أو التعرض لذنب أو معصية. ساعتها فإن قوة الإيمان تقاس وتختبر وتظهر أصالتها من زيفها. وجاءت هذه اللحظة في الأسبوع الماضي عندما صدر الحكم علي مرشحين في الدقهلية باستبعادهم من الانتخابات التشريعية لأنهم كانوا أعضاء سابقين في الحزب الوطني الديمقراطي. وبعدها نزلت المعاول والطعون وكلها تطالب بالاستبعاد والعزل والطرد حتي ولو كانت الشريعة والشرعية تقول بفردية الذنب والعقوبة, وإذا كان القانون يقول أنه لا عقوبة إلا بنص. وحتي جماعة الإخوان المسلمين التي كانت محظورة في زمن الطغيان شاركت كمستقلين سرعان ما يكون لهم كتلة ومتحدث رسمي حتي إنني اعتدت علي الكتابة عنها بالقول بأنها الجماعة المحظورة قانونا, ولكنها المشروعة عمليا; هذه الجماعة وحزبها لم تكن علي استعداد لقبول المستقلين من الحزب المحلول. الليبراليون الجدد علي اليمين واليسار لم يكونوا علي استعداد للتعامل مع الاختبار والغواية وفقا لمبادئ الحرية والمجتمع, الجديد الذي تحدث عنه الجميع ولكنهم في النهاية كانوا يريدون مجتمعا قديما للغاية. فقط تتغير الأسماء والعناوين والزجاجات ولكن ما بداخلها يظل واحدا, فلا كان أحد علي استعداد للموت في سبيل من يختلف معه, ولا كان أحد مهتما بالدفاع عن سيادة القانون, ولا حتي الانتظار حتي يأخذ القانون مجراه ويصل إلي حيث يوجد من لديه الشجاعة والحكمة والمعرفة للتعبير عنه. وفي المسرح, وفي الأدب عموما, هناك ما يسمي لحظة التنوير, وجاءت هذه اللحظة ولم يكن ما جاء مبشرا بالمرة!. [email protected] المزيد من أعمدة د.عبد المنعم سعيد