مرة أخري يعود قانون الصكوك إلي واجهة المشهد الاقتصادي بعد أن أقره مجلس الشوري الذي يسيطر علي سلطة التشريع , رغم أنه قد تم انتخابه كمجلس استشاري لا يحق له سن القوانين, ومنحه الدكتور محمد مرسي سلطة التشريع من خلال إعلانه' الدستوري' الذي شكل انقلابا علي الدولة في نوفمبر الماضي. وكما هي عادة د. مرسي وجماعته وحزبه في تجاهل أصحاب الاختصاص فإنه تم تجاهل الأزهر ومجمع البحوث الإسلامية في إصدار قانون الصكوك الإسلامية مما قد يؤدي إلي الحكم بعدم دستورية من هذه الزاوية بغض النظر عن مخاطره الموضوعية. والصكوك هي في التحليل الأخير أداة للاقتراض, سواء كانت في صيغتها المستخدمة في النظام المالي الغربي من سنوات طويلة, أو في الصيغة التي يتم إطلاق مسمي الإسلامية عليها والتي تحاول حكومة د.مرسي تمريرها عبر مجلس الشوري الذي تسيطر عليه القوي اليمينية المتشددة بمسمياتها الإسلامية. والصكوك بهذا المعني هي بديل للتنمية المعتمدة علي الذات عبر برنامج إصلاحي قوي وفعال لتحقيق التوازن المالي الداخلي في الموازنة العامة للدولة والتوازن الخارجي في ميزان المدفوعات. ولو تم قصر إصدار الصكوك علي المؤسسات الخاصة المحلية وفقا لضوابط صارمة لضمان جدارة وأهلية تلك المؤسسات, لتمويل بناء مشروعات مرهونة علي تلك الصكوك, أو لتمويل عمليات تجارية, فإن ما يعني المجتمع والدولة في هذه الحالة هو ضمان حقوق حملة الصكوك ونزاهة وكفاءة إدارة الأصول والعمليات التي تم تمويلها من خلال الصكوك, وضمان توجيه الأموال التي جمعتها المؤسسات المصدرة للصكوك للمجالات الأكثر أهمية للتطور الاقتصادي وللوفاء بالاحتياجات الاجتماعية في مصر, باعتبار أن تلك الصكوك هي سحب من رصيد المدخرات المحدودة في مصر. أما الصكوك التي تصدرها الجهات العامة مثل الحكومة والمحافظات والإدارات المحلية والهيئات العامة ومؤسسات الوقف والبنوك العامة وكل الجهات العامة التي من حقها إصدار الصكوك, فإن المجتمع يصبح معنيا فوق كل ما تمت الإشارة إليه بشأن الصكوك الخاصة, بثقل الديون التي يمكن أن يتم تكبيل الدولة بها من خلال الصكوك التي تصدرها كل الجهات العامة والتي سيتم تصدير عبء سدادها للحكومات والأجيال القادمة وفقا لأجل كل صك. وإذا كانت حكومة د. محمد مرسي ترغب في جمع أموال قدرتها بعض التصريحات الرسمية بنحو15 مليار دولار سنويا من خلال الصكوك, فإن ذلك يشير إلي أن مديونية الدولة, أو حقوق الغير لديها سوف تصل لمستويات غير مسبوقة في تاريخ مصر في نهاية حكم د. مرسي إذا قدر له أن يكمل فترته الرئاسية, مما سيكبل الأجيال والحكومات القادمة بديون هائلة. كما أن أوجه إنفاق أموال الصكوك التي ستصدرها الجهات العامة ما زال أحد الموضوعات المثيرة للجدل, فلو تم استخدامها في بناء مشروعات إنتاجية قادرة علي سداد الصكوك المستحقة عليها وعوائدها, فإن ذلك يمكن أن يضيف إلي طاقة الاقتصاد, أما لو تم استخدامها لتمويل العجز الحكومي وتغطية الأداء الضعيف والفاشل للحكومة في مجال الاقتصاد, فإن ذلك يصبح شرا مطلقا وإهدارا لمستقبل الاقتصاد والأجيال القادمة لصالح تعويم وتغطية سلطة فاشلة اقتصاديا. كما أن ربط الصكوك العامة بأي أصول قائمة أو موارد طبيعية معدنية أو محجرية أو نفطية أو غازية, أيا كانت صيغة هذا الارتباط, ينطوي علي مخاطر حقيقية علي تلك الأصول العامة المعرضة للخصخصة لصالح حملة الصكوك إذا عجزت أي حكومة قادمة عن رد قيمة الصكوك وعوائدها عندما يحل أجلها. ورغم أن الصيغة النهائية لقانون الصكوك قد تم تنقيحها, إلا أن الثغرات الرئيسية المتعلقة بدور الأجانب تظل باقية, حيث يحق للمؤسسات المالية الدولية والإقليمية التي توافق عليها الهيئة العامة للرقابة المالية والبنك المركزي المصري, أن تصدر الصكوك لتمويل مشروعات في مصر, وبالتالي يبقي للمستثمرين العرب والأجانب حق جمع الأموال من المصريين وإصدار صكوك بقيمتها, بدلا من أن يضخوا هم الأموال والاستثمارات في الاقتصاد المصري!! ويبدو الأمر نكتة حقيقية أن يكون للمؤسسات المالية الأجنبية التي قد يكون ملاكها من المسيحيين أو اليهود, حق إصدار هذه الصكوك التي يشير القانون إلي أنها الصكوك التي تصدر علي أساس عقد أو أكثر من العقود الشرعية, أي المتوافقة مع الشريعة الإسلامية!! كما أن القانون يغلق الباب أمام أي عمليات إصدار للصكوك العادية, حيث ينص علي أنه لا يجوز إصدار أي وثيقة أو ورقة مالية تحت مسمي صك بالمخالفة لأحكام قانون الصكوك الخاضع لإشراف الهيئة الشرعية, رغم أن الصكوك هي إحدي آليات التمويل غير المرتبطة بأي دين والموجودة في النظام المالي الغربي بشروط وضوابط مختلفة. كما أن الثغرات المتعلقة بتزايد مديونية الدولة ونقل أعبائها للأجيال والحكومات القادمة, والمخاطر علي الأصول والموارد العامة, وإنفاق جانب كبير من إيرادات الصكوك العامة في تمويل عجز الموازنة بدلا من إقامة مشروعات إنتاجية, وتجاهل مؤسسة الأزهر ومجمع البحوث الإسلامية, تظل قائمة وتستنهض الرفض لهذا القانون ليس بين القوي اليسارية والليبرالية وفقط, بل يمتد لقوي اليمين المتشدد ذي المسميات الإسلامية مثل حزب النور والقوي السلفية. وفضلا عن الثغرات العامة في القانون, فإنه يعطي لوزير المالية حق إجراء أو إرساء التعاقدات اللازمة مع المكاتب والبنوك لإعداد نشرات الاكتتاب في الصكوك بالأمر المباشر وبدون قيود, وهو مدخل صريح للفساد ولمجاملة من ينتمون لتياره السياسي. وتنص المادة(6) من قانون الصكوك علي أن الشركات التي تقوم بإصدار الصكوك مستثناة من شرط الدفع المسبق لرأسمالها, أو حتي أي نسبة منه, مما يسمح للمغامرين الذين لا يمتلكون أية جدارة مالية بدخول هذا المجال, بما ينطوي عليه ذلك من مخاطر علي حملة الصكوك. كما أن الغالبية الساحقة من أنواع الصكوك مثل المرابحة والسلم والمضاربة وإجارة الخدمات وملكية الأصول القابلة للتأجير والمشاركة والمزارعة والمساقاة, هي في جوهرها تمويل لعمليات تجارة وسمسرة لا يمكنها أن تبني وتطور اقتصادا هو في أمس الحاجة لعمليات التصنيع التي يمكنها أن تغير وجه الاقتصاد المصري وتخلق فرص العمل للعاطلين وتحسن مستويات المعيشة وترفع القيمة المضافة عبر تصنيع السلع الزراعية والخامات المعدنية والمحجرية والنفطية والغازية, فضلا عن الصناعات الهندسية والصناعات عالية التقنية المعتمدة علي العقول البشرية بالأساس. لمزيد من مقالات أحمد السيد النجار