حتي لحظة كتابة هذه السطور في ساعة مبكرة من صباح أمس' الجمعة' لا أحد يدري ماذا حملته' جمعة الكرامة' من تفاصيل قد تعيد مصر إلي البكاء مجددا نتيجة أحداث نتمني أن تكون قد مرت بسلام دون أن تراق فيها دماء شباب وأبرياء- بسبب حالة' الصراع علي السلطة' بين فرقاء شتي اختاروا أن يكون هدفهم' كرسي الحكم' ومن بعده الطوفان وهو الصراع الذي بات يشكل الملامح الرئيسية لبدايات الجمهورية الثانية لمصر!! لم يكن أحد من تلك الملايين من الشباب- الذين هبطوا من عالمهم الافتراضي' النت' وهدموا بحناجرهم الهادرة فقط نظاما فرض علي آبائهم' صمت الحملان' طيلة30 عاما أن ما خرجوا من أجله وعاد عشرات المئات منهم إلي السماء' أحياء عند ربهم' هذه المرة يتوقع أن تكون نتيجة ثورتهم' حتي الآن علي الأقل' مجرد' كيكة يتخاطفها الجميع دون أن يراعي أحد منهم تلك الفئة التي انفجرت الثورة من أجلهم سواء من كان يبحث عن' العيش والعدالة الاجتماعية' أو من كانت تشغل' الكرامة والحرية' كل مساحة تفكيره بل ومجمل حياته!! الأهل والعشيرة اعتبروا أن مصر باتت' غنيمة حرب' لهم دامت نحو84 عاما فراحوا يعيدون ترتيب أوضاعها لمصلحتهم فقط.. وأفراد جماعة المتعاطفين معهم من مختلف التيارات الدينية أفاقوا من' حلم المشاركة' علي' واقع الإقصاء'.. وممثلو' مؤسسة المعارضة' إن كانت مؤسسة بالفعل تناوبوا الاصطفاف أمام كاميرات التليفزيون في حرب علي الهواء بحثا عن نصيبهم في' تركة الحكم'.. ومواطنون يتهددهم' شبح المجاعة' انشغلوا بالبحث عن' صفيحة جاز' أو رغيف خبز يتقاسمونه بعد أن أجبرهم الحكم علي التنازل عن' حلم' الحياة الآدمية الكريمة'!! الكل انشغل ب' همه الخاص' وأصبح الجميع يفتي بالحق' بعض الوقت' و بالباطل' دائما'.. وباتت أقدم دولة في التاريخ' ضعيفة للغاية'.. وأصبحت' السلطة' أضعف وجري تجريف هيبتها.. وتحول الجميع دون استثناء إلي مجرد عجزة وفشلة في مواجهة مشاكل الحياة اليومية فما بالك بحلم سدد مئات الشباب فاتورته بدمائه أو بنور عينيه وإن كان الأهل والعشيرة يتحملون' الذنب الأكبر' في هذا المشهد المأساوي نتيجة حرصهم علي الاستعانة' بأهل الثقة' دون الخبرة باعتبارهم' صمام أمان' لاستمرار الاحتفاظ' بالغنيمة'!! في النهاية أصبح لكل فريق' مصر' التي في خاطره.. يعيش في حدودها التي يرسمها بنفسه.. يخضع لقوانين يعكف علي تشريعها هو.. ويمتثل لدستور يسنه بأيديه.. حتي مواطنيها يختارهم هو بنفسه!!.. فبالفعل هناك مصر' المقطم' التي اختزلت في مرشدها الذي يري أن' الوحي والسماء' قد أمراه بألا يرد علي من يوجه إليه أي انتقاد له أو للجماعة.. مصر التي كانت' موالية' واكتشفت خداع' الأحبة' الذين لا يحكمون بشرع الله'.. مصر' النخبة التليفزيونية' التي يبحث أعضاء فريقها عن نصيبه من' كعكة الحكم'.. مصر' المرهقة' التي يحتاج مواطنوها خبيرا اقتصاديا لمعاونتهم في مواجهة احتياجاتهم الضرورية لمدة اسبوع واحد فقط من الشهر بسبب الموجات المتلاحقة من ارتفاع الأسعار.. مصر' المقاهي' التي أصبحت محلا مختارا لملايين من أبنائها نتيجة البطالة.. مصر' المعاشات' التي تعاني مأساة يومية في كيفية تدبير ثمن دواء واحد من قائمة طويلة فرضتها عليهم ظروفهم الصحية.. مصر' المريضة' التي تصطف أمام مايسمي بالمستشفيات العامة في انتظار ليس العلاج أو الدواء بل التوقيع علي شهادة وفاتها..!! كل ذلك بسبب أن الثورة تحولت إلي مجرد صراع علي السلطة والحكم.. ولك الله يامصر. http://[email protected] لمزيد من مقالات عبدالعظيم درويش