في جو سياسي مضطرب ومشحون, ووسط حالة من التشرذم والانقسام جرت انتخابات نقابة الصحفيين يوم الجمعة الماضي , بعد حالة من الشد والجذب القضائي حول مدي مشروعية إجراء الانتخابات في موعدها الحالي طبقا لقانون النقابة القديم رقم67 لسنة0791, الذي يشير في مادته الثالثة الي أن نشاط النقابة يجري في إطار السياسة العامة للاتحاد الاشتراكي العربي, ذلك التنظيم الذي لا يعلم عنه أبناء العشرينيات والثلاثينيات شيئا سوي من كتب التاريخ, وأنه كان التنظيم السياسي الوحيد الموجود آنذاك. هذا القانون أيضا, أشار في مادته23 الي أن الجمعية العمومية للنقابة تعقد اجتماعها العادي يوم الجمعة الأول من شهر مارس من كل سنة( حسب النص الموجود), وقد تم وضع هذه المادة في وقت لم يكن يتجاوز فيه عدد الصحفيين005 صحفي في أحسن الأحوال, وفي ظروف اقتصادية وسياسية مختلفة حتي ظهر القانون001 الموحد للنقابات المهنية ليلغي ذلك النص, إلا أن الحكم بعدم دستوريته أعاد القانون القديم إلي الوجود مرة أخري بكل ما يحمله من نصوص تجاوزها الزمن والظروف ولم تعد تتسق مع الأوضاع الراهنة من قريب أو بعيد. في ظل هذا الاضطراب السياسي والقانوني, جرت انتخابات النقابة مما أدي الي إحجام أكثر من نصف عدد أعضاء الجمعية العمومية عن الحضور أول مرة, لتتأجل الجمعية أسبوعين لتنعقد مرة أخري بربع عدد الأعضاء, وحتي نهاية اليوم لم يتجاوز عدد المشاركين أكثر من2642 صوتا بفارق006 صوت تقريبا عن نصف عدد أعضاء الجمعية العمومية.. أي أن عدد المتغيبين عن المشاركة بلغ نحو0073 صحفي بما يقارب الثلثين تقريبا, نتيجة إجراء الانتخابات يوم الجمعة باعتباره يوم أجازة لأغلبية الصحفيين, كما أنه تحول الي يوم مزعج للكثيرين بسبب ما ارتبط به من أحداث ومظاهرات وأعمال عنف جعلت أغلبية المواطنين ومنهم الصحفيون لا يفضلون الخروج يوم الجمعة إلا لظروف العمل أو الظروف الاضطرارية, الي جوار حالة الإحباط المسيطرة الآن علي كل أفراد المجتمع بشكل عام, والصحفيون بشكل خاص, نتيجة حالة التربص بالصحافة والهجوم علي الحريات. أيضا فإن محاولة الاعتداء علي نقيب الصحفيين السابق ممدوح الولي, وتطور الأمر الي اشتباك بالأيدي, في مشهد مرفوض جملة وتفصيلا, ولا يمت لأصحاب الفكر والرأي بصلة, جعل العديد من الزملاء يتخوفون من الذهاب الي الانتخابات والمشاركة خشية وقوع أحداث عنف مرة أخري في الانتخابات, وقد تعرضت شخصيا أكثر من مرة للعديد من تساؤلات الزميلات والزملاء حول ضمانات عدم حدوث عنف, وفي كل مرة كنت أؤكد سلامة بنيان الكيان الصحفي, وأن ما حدث هو مجرد أزمة عابرة, إلا أن هناك الكثير من الزميلات والزملاء تخوفوا من تكرار هذا المشهد العبثي وفضلوا عدم المشاركة. علي الجانب الآخر, فإن أخطر ما حدث في تصوري, هو محاولة البعض تزييف الديمقراطية عن طريق استغلال المناخ المشحون والمتوتر وإطلاق شائعات ليس لها أساس من الصحة, في محاولة لتحويل انتخابات النقابة الي خناقة حزبية, وبرغم أنني لم أكن أبدا طرفا في الصراع الحزبي ولن أكون, حيث إنني لا أنتمي الي أي حزب أو تيار حاليا, وسوف أظل محتفظا باستقلاليتي, إلا أنني فوجئت بإطلاق حملة منظمة من الشائعات الكاذبة هدفها تحقيق مكاسب انتخابية باطلة وبما يعرف في العرف السياسي والانتخابي بتزييف الديمقراطية, لأنها تمثل انتهاكا صريحا وواضحا لقواعد وأصول الديمقراطية, وللأسف فإن هناك من ظل يردد هذه الأباطيل حتي وقت إجراء الانتخابات في محاولة واضحة للتأثير علي وعي الناخبين وتزوير إرادتهم. عموما انتهت الانتخابات بحلوها ومرها, وكلي أمل أن تتوحد نقابة الصحفيين لتحقيق مصالح أبنائها بعيدا عن الصراع الحزبي والتشرذم السياسي ولتصبح نقابة لكل الصحفيين وليست فرعا لهذا الحزب أو ذاك, سواء أكان حزبا حاكما أم معارضا, وعاشت وحدة الصحفيين. لمزيد من مقالات عبدالمحسن سلامة