في الوقت الذي نجد فيه إجماعا من الباحثين والمراقبين السياسيين علي أن المجتمع المصري يمر عقب ثورة25 يناير بحالة ثورية, إلا أننا علي العكس- نجد اختلافات شتي حول توصيف هذه الحالة, وتحديد قسماتها البارزة, وأهم من ذلك التنبؤ بمآلها التاريخي. وليس أدل علي ذلك من الاختلاف حول توصيف ما حدث في25 يناير هل كانت مجرد انتفاضة جماهيرية, أم كانت ثورة متكاملة الأركان انضمت فيها الملايين من أفراد الشعب المصري إلي طلائع الشباب الثوري الذي بحماسه الفائق أشعل الفتيل, مما جعل الصيحة الأساسية في ميدان التحرير هي الشعب يريد إسقاط النظام؟ غير أنه حتي بالنسبة للباحثين الذين تحدثوا عن25 يناير باعتبارها ثورة وقاموا بتحليل ملامح المرحلة الانتقالية علي أساس ذلك, ذهب بعضهم إلي أن الحالة الثورية التي رصدت في الفترة التي أعقبت25 يناير تحولت- لأسباب شتي ونتيجة لسلوك فصائل سياسية متعددة- إلي فوضي عارمة يكشف عنها في الوقت الراهن الانقسام السياسي الحاد بين الجبهة الليبرالية والتيارات الدينية إخوانية كانت أو سلفية. بالإضافة إلي المظاهرات التي تشتعل في كل مكان. وأيا ما كان الأمر فيلفت النظر إلي أنه بعد كتب متعددة متعجلة كتبت عن الثورة, بدأت تظهر كتابات أكاديمية رصينة, من أهمها كتاب الصراع من أجل نظام سياسي جديد: مصر بعد الثورة الذي قام بتأليفه أستاذ علم السياسة المرموق الدكتور علي الدين هلال مع اثنين من تلاميذه هما الدكتور مازن حسن والدكتورة مي محب. والدكتور هلال- بغض النظر عن تاريخه السياسي الذي قد يكون مثيرا للخلاف- صاحب مدرسة علمية كبري في علم السياسة لأنه يمكن اعتباره رائد الدراسات العلمية عن النظام السياسي المصري. وقد تخرج علي يديه عشرات الباحثين فمن أتموا أطروحاتهم للماجستير والدكتوراه تحته إشرافه. وهذا الكتاب كما يقول الدكتور هلال يطمح إلي تحقيق ثلاثة أهداف. الهدف الأول توثيقي وهو رصد وتوثيق أهم التطورات التي شهدتها مصر من اندلاع مظاهرات25 يناير2011 في الأول من ديسمبر.2012 والهدف الثاني تحليلي ويتمثل في فهم وتفسير الأحداث التي شهدتها مصر في إطار مفاهيم علم السياسة, المتصلة بموضوعات الثورة والتصميم ووضع الدساتير والنظم الحزبية والحركات الاجتماعية في سياق عملية الانتقال. والهدف الثالث والأخير مقارن, يتمثل في الإشارة إلي تجارب الدول الأخري التي سبقتنا في عملية التحول الديموقراطي. ويمكن القول إن المقدمة التي كتبها الدكتور هلال للكتاب تقدم نظرية متكاملة في مجال توصيف الحالة الثورية التي مر بها المجتمع بعد25 يناير. وتقوم هذه النظرية علي أساس تحديد التحديات المختلفة التي واجهت الثورة منذ قيامها حتي الآن, وهي- كما يحددها- تحديات خمس. التحدي الأول تحدي الأزمة الاقتصادية ففي ظروف التغير السياسي السريع بما يرافقه من نشوب صراعات سياسية واجتماعية وفئوية وعدم استقرار سياسي وفراغ سلطة تحدث تأثيرات سلبية علي أداء الاقتصاد, وأخطر هذه التأثيرات تدني نسبة نمو الناتج القومي, وازدياد الفجوة بين تدني الحالة الاقتصادية وازدياد توقعات الناس. والتحدي الثاني يتعلق بالريبة وعدم الثقة. ذلك أنه مع سقوط النظم السلطوية تبدأ المنافسة بين الفاعلين السياسيين من أجل النفوذ, حيث يزعم كل فصيل سياسي أنه كان الأكثر تضحية في مواجهة النظام السابق, وأن نصيبه هو الأوفر في إسقاطه. والتحدي الثالث يبدو في عدم الواقعية والوعود المبالغ فيها, وذلك كما شهدنا- أن المرشحين للانتخابات سواء كانت نيابية أو رئاسية عادة ما يميلون إلي الإسراف في بذل الوعود لاجتذاب الناخبين, بغض النظر عن واقعيتها أو مدي توافر الموارد المادية والبشرية لتنفيذها. والتحدي الرابع هو المتعلق بأخطار التفكك الاجتماعي, وذلك لأنه في ظروف عدم الاستقرار السياسي وانفجار المطالب الاقتصادية والفئوية تزيد أخطار التفكك الاجتماعي بما يصاحبه من غياب الأمن الإنساني. وينتج التفكك الاجتماعي من الانفلات من المعايير والقيم, بل والانقلاب الصريح عليها, وممارسة سلوك غوغائي من خلال رفع شعارات تنادي بالعدالة والحرية ولكن علي غير أساس. والتحدي الأخير ولعله أخطر هذه التحديات جميعا وهو تحدي نخب الإثارة والفوضي, ويشير ذلك إلي تردي تفكير وأداء جزء من النخبة التي تتصدر المشهد في مرحلة الانتقال. أردت من عرض هذه النظرية المتكاملة لتفسير الحالة الثورية في مصر أن أضيفها إلي محاولاتي السابقة في رصد أحداث الثورة وآخرها مقالتي الأخيرة عن تشريح لظاهرة الغوغائية الجماهيرية( الأهرام14 مارس2013). وقد اهتممت بتعليقات بعض قرائي الكرام التي ذهبت إلي أنه كفانا تشخيصا للمشكلة أيا كان ما هو المخرج من الأزمة الراهنة؟ هذا السؤال الذي يتردد علي ألسنة المئات من المواطنين وجدت ردا مقنعا للغاية عليه من خريطة الطريق التي اقترحتها إحدي قارئاتي المتابعات الأستاذة سوسن مصطفي علي وأنا أورده هنا بالنص لأنني تعودت علي أن أتعلم من تعليقات القراء الكرام, حتي ولو كانت تتضمن نقدا عنيفا لآطروحاتي. ا1- تكوين لجنة لمراجعة مواد الدستور المعيبة- لجنة مكونة من أساتذة الدستور إبراهيم درويش ويحيي الجمل وجميع عمداء كليات الحقوق في مصر.2- تغيير الوزارة بدون إبطاء برئاسة قامة اقتصادية بحجم الجنزوري أو فاروق العقدة لانتشال مصر من الهوة الاقتصادية السحيقة التي انزلقت إليها.3- تعديل قانون الانتخابات كما قضت الدستورية.4- ضمانات لحيدة ونزاهة الانتخابات ومنها: رقابة دولية رقابة محلية- موظفو اللجان كلهم من خارج الإخوان. الجيش إلي جانب الشرطة لتأمين اللجان. تقنين وتجريم مخالفة السقف للصرف علي الانتخابات, تجريم استخدام المنابر للدعاية, تجريم الرشاوي الانتخابية--- إلخ.5- البعد عن الأسلوب التخلفي من إصدار فقاعات هواء وبالونات اختبار وضرورة دراسة قانونية شاملة لأي قرار قبل إصداره, لأن أسلوب الإصدار ثم الإلغاء أصبح يشكل بلبلة وشائعات وعدم ثقة ويضيع هيبة الدولة.6- الكف عن الهجوم الضاري علي الإعلام المصري ومحاولة الملاحقة بالقضايا الفشنك للصحفيين والإعلاميين.7- الكف عن محاولات البحث عن أموال بأي طريقة حتي ولو كان البحث في الدفاتر القديمة, ومحاولة إيجاد مليارات عن طريق قوانين فاسدة. هذه هي خطة الطريق المقترحة, وتبدو أهميتها أنها تصدر عن تفكير عقلاني وروح نقدية للأوضاع السلبية القائمة, وليس غرضها إدانة أي طرف من الأطراف, بل الدعوة لتحرك كل الفصائل السياسية في اتجاه توافقي للخروج من المأزق. وعبور هوة الانقسام السياسي الحالية, والتمهيد لبناء ديموقراطية مصرية أصيلة. لمزيد من مقالات السيد يسين