أسعار الأسماك والخضروات والدواجن اليوم 22 ديسمبر    سلاح الجو الأمريكى يعترض طائرة فوق مقر إقامة ترامب فى فلوريدا    ويتكوف: روسيا لا تزال ملتزمة تماما بتحقيق السلام فى أوكرانيا    نيجيريا: تحرير 130 تلميذا وموظفا خطفهم مسلحون من مدرسة الشهر الماضي    طائرة مسيرة روسية تقصف خزانا مليئا بزيت عباد الشمس في أوكرانيا    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد اليوم 22 ديسمبر 2025    التعمير والإسكان العقارية تتعاون مع شركة إي للكهرباء والطاقة لإدارة شبكات الكهرباء والمياه بمشروعاتها    محمود الليثي يشعل رأس السنة بحفل عالمي في فرنسا ويعيش أقوى فتراته الفنية    طريقة عمل شوربة العدس بالكريمة في خطوات بسيطة للتدفئة من البرد    بحضور أبطاله.. انطلاق العرض الخاص لفيلم «خريطة رأس السنة» في أجواء احتفالية    «المهن التمثيلية» تكشف تطورات الحالة الصحية للفنان إدوارد    شهداء لقمة العيش.. أهالي معصرة صاوي بالفيوم يودعون 7 من أبنائهم في حادث أليم| فيديو    المتهم بقتل زميله وشطر جثمانه 4 أجزاء ودفنهم ووضعهم بالقمامة يمثل الجريمة في الإسكندرية    مفوضي القضاء الإدارى: استلام الزمالك للأرض منذ 2004 ينفى وجود عوائق    منتخب مصر يستهل مشواره اليوم بمواجهة زيمبابوي بكأس الأمم الأفريقية    مفوضى القضاء الإدارى: ادعاءات وجود عوائق أمام تنفيذ مشروع الزمالك قول مرسل    مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 22 ديسمبر 2025 في القاهرة والمحافظات    نقيب المحامين يترأس جلسة حلف اليمين القانونية للأعضاء الجدد اليوم    بحضور عضوي مجلس إدارة الأهلي، محمود بنتايك يحتفل بزفافه على سندس أحمد سليمان    متحدث الكهرباء: 15.5 مليار جنيه خسائر سرقات واستهلاك غير قانوني    وزير الاتصالات: مصر تقفز 47 مركزًا عالميًا بمؤشر جاهزية التحول الرقمي    بوتين يصف اتفاقية الحدود بين دول آسيا الوسطى ب"التاريخية"    تصعيد أمريكي جديد ضد فنزويلا عبر ملاحقة ناقلات النفط    ضبط سورى بجنسية مزورة يعمل داخل وزارة الدفاع الكويتية.. اعرف التفاصيل    السلفية والسياسة: التيه بين النص والواقع.. قراءة في التحولات الكبرى    ريهام عبد الغفور: خريطة رأس السنة محطة استثنائية في مسيرتي الفنية    أحمد العوضي: مدمنون كثير تعافوا وذهبوا للعلاج من الإدمان بعد مسلسلي «حق عرب»    شركة العاصمة الإدارية: لا ديون علينا.. وحققنا 80 مليار جنيه أرباحًا خلال 3 سنوات    عماد الدين أديب: ترامب ونتنياهو لا يطيقان بعضهما    سفيرة مصر بتايلاند تؤكد التزام القاهرة بدعم الجهود الدولية لمكافحة الجرائم الإلكترونية    اعترافات المتهم بقتل زميله وشطر جثمانه 4 أجزاء في الإسكندرية: فكرت في حرق جثته وخشيت رائحة الدخان    إخلاء عاجل لفندقين عائمين بعد تصادمهما في نهر النيل بإسنا    سائق يقتل زوج شقيقته إثر نزاع عائلي على شقة ميراث بالخانكة    مصرع فتاة إثر تناول قرص غلال سام بالمنيا    من حقول الطماطم إلى مشرحة زينهم.. جنازة مهيبة لسبعة من ضحايا لقمة العيش    أبناؤنا أمانة.. أوقاف بورسعيد تطلق خارطة طريق لحماية النشء من (مسجد لطفي)| صور    بيان عاجل من المتحدث العسكري ينفي صحة وثائق متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي| تفاصيل    أمم إفريقيا - محمود صابر: نهدف الوصول لأبعد نقطة في البطولة    خالد الغندور: توروب رفض التعاقد مع محمد عبد المنعم    لعبة في الجول – أمم إفريقيا.. شوت في الجول واكسب البطولة بمنتخبك المفضل    تعرف على جوائز الدورة ال7 من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي للفيلم القصير    "بنتي بتقولي هو أنت كل سنة بتموت"، تصريحات قوية من عمرو زكي عن حالته الصحية    أستاذ بالأزهر يوضح فضائل شهر رجب ومكانته في ميزان الشرع    دوميط كامل: الدول المتقدمة تُقدّم حماية البيئة على المكاسب الاقتصادية مهما بلغت    الصحة توضح آليات التعامل مع المراكز الطبية الخاصة المخالفة    عصام الحضرى: مصر فى مجموعة صعبة.. والشناوى سيكون أساسيا أمام زيمبابوى    تامر النحاس: سعر حامد حمدان لن يقل عن 50 مليونا وصعب ديانج يروح بيراميدز    هاني البحيري: يد الله امتدت لتنقذ أمي من أزمتها الصحية    نجاح عملية معقدة لتشوه شديد بالعمود الفقرى بمستشفى جامعة كفر الشيخ    بدون تدخل جراحى.. استخراج 34 مسمارا من معدة مريضة بمستشفى كفر الشيخ العام    سلوكيات خاطئة تسبب الإصابة بالفشل الكلوي    الصحة توضح أسباب اعتداء الطلاب على زميلهم في أكتوبر    دعاء أول يوم في شهر رجب.. يزيد البركة والرزق    تعليم الغربية: عقد لجنة القيادات لتدريب 1000 معلم لقيادة المدارس كمديرين    برلمانية المؤتمر: تعديلات قانون الكهرباء خطوة ضرورية لحماية المرفق    مواقيت الصلاه اليوم الأحد 21ديسمبر 2025 فى المنيا    بعد رؤية هلال رجب.. ما هو موعد شهر شعبان ؟    الإفتاء: الدعاء في أول ليلة من رجب مستحب ومرجو القبول    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التفكير خارج الصندوق
نشر في الأهرام اليومي يوم 10 - 03 - 2013

ليس المقصود من هذا العنوان الاشارة, بوجه خاص, الي صندوق النقد الدولي, وانما المقصود هو التفكير عن حلول غير تقليدية لمشكلاتنا والبحث عن أفكار جديدة ابتكارية وخارجة عن المألوف.
فهناك اتهام, صريح أو ضمني, بأن المسئولين ينتهجون عادة أساليب تقليدية مستقرة بلا خيال أو ابداع. وهو اتهام, وان كان في أحيان كثيرة, مبررا, فانه في أحيان أخري لا يخلو من المبالغة. ولا شك أن التفكير الابداعي هو أحد أهم عوامل التقدم. فقدرة الانسان علي الخيال, وعلي التفكير خارج الصندوق, بالمعني المتقدم, هو السبب في ظهور الحضارات وتقدم الأمم. كل هذا صحيح ولا اعتقد ان هناك خلافا حوله. اذن أين المشكلة؟
المشكلة أن هناك عددا غير قليل من الكتاب, وقد زادت أعدادهم في الفترة الأخيرة, الذين ينتقدون العديد من السياسات القائمة مطالبين بضرورة التفكير خارج الصندوق, دون تقديم أي بدائل مبتكرة واقتراحات محددة بدلا من تلك الأفكار التقليدية. وقد كان موضوع الاقتراض من صندوق النقد الدولي ومحاولة جذب الاستثمارات الأجنبية من أكثر الموضوعات التي أثارت اعتراضا, باعتبارها نوعا من التفكير من داخل الصندوق في حين أن المطلوب هو البحث عن أفكار جديدة مبتكرة.
ولا يستطيع أحد أن ينكر أن الاعتماد علي مصادر خارجية مثل صندوق النقد الدولي أو الاستثمارات الأجنبية لا تخلو من العديد من القيود والأعباء, ولكن البدائل اذا كانت موجودة لا يخلو هي الأخري من قيود واعباء أخري قد تفوقها ألما وصعوبة. فنحن دائما ازاء خيارات ولكل منها مزايا وأعباء, ولا يوجد خيار واحد بلا تكلفة أو تضحية. والسؤال هو كيفية الاختيار لتقليل الأعباء والتكاليف وليس الغاءها. فلا شيء في الحياة بلا تكلفة, وليس هناك وجبات مجانية! فالخيار عادة ليس بين الحسن والسييء, بل هو غالبا خيار بين المر والأمر منه.
كذلك فليس الأمر دائما مجرد وجهات نظر يمكن أن تختلف بين كاتب وآخر, بل هناك أحيانا قيود حديدية علي القرارات ولا يمكن تجاوزها. فكما أن عمليات الحساب من جمع وطرح أو ضرب وقسمة, ليست مجالا لاختلاف الأراء بل هي قيود حديدية علي قواعد الحساب, فكذا العديد من العلاقات الاقتصادية. فكما أنه ليست هناك وجهات نظر متعددة حول حاصل ضرب عددين, فلا تستطيع دولة أو فرد أن تنفق أكثر من دخلها الا بالاستعانة بالغير, وفي هذه الحدود فقط. كذلك فان انتاج الدولة يوزع علي الاستهلاك والاستثمار, ولا يمكن زيادة الاستثمار دون ضغط علي الاستهلاك. وبالمثل فان النمو الاقتصادي وزيادة الانتاج وحدها هي التي تسمح بزيادة الاستهلاك والاستثمار معا, ولكن زيادة الانتاج لا تتحقق في التو واللحظة وانما تتطلب فترة زمنية يزيد فيها الاستثمار ويضبط معها الاستهلاك. كذلك لا يمكن بيع سلعة بأقل من تكلفتها, واذا حدث وأن بيعت بثمن أقل, فان الفارق في التكلفة لابد وأن يتحمله آخرون. واذا كانت بعض السلع المدعمة تباع في السوق بأسعار أقل من تكلفتها, فليس معني ذلك أن هذه التكلفة قد انخفضت علي المجتمع في مجموعه مع الدعم, وانما معناه أن فرق التكلفة قد تم تحميله علي آخرين في المجتمع في شكل ارتفاع في الأسعار, أو نقص في الاستثمارات الممكنة أو الخدمات المقدمة, أو باهدار في صيانة المرافق العامة. فالتكلفة يدفعها دائما المجتمع. كذلك فانه ليس من الضروري أن يصل الدعم في أغلبيته للمستهلك بل أن أغلبه يبدد لمصلحة الوسطاء. فالدعم ليس دائما نعمة علي المستهلكين بل قد تكون له تكلفة عالية علي مستقبل المجتمع باهدار موارد مهمة علي الوسطاء وحرمان المجتمع من موارد كان يمكن تخصيصها للاستثمار وتحسين آفاق المستقبل. وأخيرا, وبصرف النظر عن فوائد وعيوب الدعم, فان هناك استحالة في استمرار عجز الموازنة الي مالا نهاية. هذه كلها حقائق أشبه بالمعادلات الحسابية, وليست مجرد وجهات نظر يمكن الاختلاف حولها.
كذلك كثر الجدل في اطار الحديث عن ضرورة التفكير خارج الصندوق, بتأكيد ضرورة الاعتماد علي الذات. وهذه دعوة صحيحة وهامة, ولم يحدث أن تقدمت دولة الا بجهود أبنائها. فلا يمكن أن يتحقق أي انجاز كبير اعتمادا علي الآخرين فقط. ولكن الاعتماد علي الذات لا يعني الانكفاء علي الذات ومعاداة الغير, فالشوفونية والعداء للأجنبي مرض خطير وضار. لقد عرفت البشرية تاريخا مظلما وظالما للاستعمار, استغلت فيه الدول الاستعمارية( انجلترا وفرنسا بوجه خاص) مستعمريها. ولكن ليس معني ذلك أن كل معاملات العالم هي من قبيل الاستعمار والاستغلال. فكثيرا ما جاء تقدم الدول اقتصاديا من خلال التعاون الدولي. فالولايات المتحدة الأمريكية, طيلة القرن التاسع عشر وجزء من القرن العشرين, كانت تتلقي استثمارات خارجية ساعدتها علي نهضتها الصناعية. واذا نظرنا الي التاريخ الحديث نجد أن معظم الدول التي حققت نهضة صناعية منذ نهاية القرن التاسع عشر وخلال القرن العشرين قد استفادت من الاستثمارات الأجنبية. فتجارب اليابان ثم دول جنوب شرق آسيا, وأخيرا الصين وكذا الهند والبرازيل, قد اعتمدت بشكل كبير علي الاستثمارات الأجنبية ثم علي قدرتها علي التصدير. فنجاح تجربة اليابان أو النمور الآسيوية أو الصين وأخيرا الهند اعتمادها كلها علي الانفتاح علي العالم الخارجي وعلي التصدير. وحتي الاتحاد السوفيتي والذي اعتمد علي سياسة الاكتفاء الذاتي والانغلاق علي الداخل, قد استفاد هو الآخر بشكل كبير من العلاقات الاقتصادية الخارجية. ولعلنا نتذكر أن بداية برامج التخطيط الخمسية, والتي بدأت في الاتحاد السوفيتي في1928, قد تزامنت مع الأزمة الاقتصادية العالمية مما مكن الاتحاد السوفيتي من الحصول علي الكثير من التسهيلات الائتمانية من البنوك الأمريكية والتي كانت تواجه انكماشا اقتصاديا محليا مما دفعها الي زيادة التسهيلات الائتمانية للاتحاد السوفيتي. وقد ساعدت هذه التسهيلات الائتمانية علي استيراد العديد من وسائل الانتاج الحديثة الي روسيا. وبعد دخول روسيا الحرب ضد ألمانيا استفادت من قانون الاعارة والتأجير في أمريكا مما سهل عليها الحصول علي أكثر من الواردات الصناعية الأمريكية وذلك بتسهيلات ائتمانية ساعدتها علي نهضتها التكنولوجية. وهكذا فان تجارب الدول للتصنيع في القرن العشرين قد اعتمدت بشكل كبير علي التصدير وعلي الاستثمار الأجنبي.
والخلاصة أنه يجب حقا التفكير خارج الصندوق, ولكن هناك حقائق لا يمكن القفز عليها. فالدولة لا تستطيع أن تعيش بأكثر من مواردها, كما أن الدول الفقيرة تستهلك نسبة مرتفعة من انتاجها, وادخارها المحلي غير كاف, ولا يمكن تحقيق معدلات عالية من النمو دون زيادة الاستثمار المحلي, وهو ما لا يمكن تحقيقه دون ضغط علي الاستهلاك أو بالاستعانة باستثمارات أجنبية. وبهذه المناسبة, فان معدل الاستهلاك في مصر يبلغ نحو85% من الناتج القومي أي أن الادخار يدور حول15% فقط, وهو معدل غير كاف لتحقيق نهضة اقتصادية. وقد نجحت دول النمور الآسيوية ثم الصين في تحقيق مثل تلك النهضة لأنها استطاعت أن تقوم باستثمارات بمعدل يفوق30% من الناتج القومي علي مدي نحو ثلاثة عقود. فمصر في حاجة الي استثمارات خارجية. وأخيرا, فانه ينبغي التذكير بأن التقدم لا يتحقق الا بنوع من التضحيات, كما أنه لا يتحقق بين يوم وليلة, ولذا فلا بد من الصبر والمثابرة. وفي النهاية ليس هناك ما هو أكثر ضررا من الانكفاء علي الذات ومعاداة الآخرين.
مصر, أحوج ما تكون للانفتاح علي العالم. ولكن ليس معني الانفتاح التبعية والخضوع, وهذا بالضبط ما فعلته البرازيل وتركيا وكوريا ومن قبلها الصين وغيرها من الاقتصادات الناجحة. لا بأس من التفكير خارج الصندوق وانتهاج أساليب جديدة وغير تقليدية بشرط أن تكون هذه الدعوات محددة وواقعية وقابلة للتنفيذ وليست مجرد عبارات مرسلة أو تمنيات غير واقعية. والله أعلم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.