عرفت أرض سيناء بمكانتها السامية حيث ذكرها الله تعالي في القران الكريم بسم الله الرحمن الرحيم والتين والزيتون وطور سنين وهذا البلد الأمين لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون فما يكذبك بعد بالدين أليس الله بأحكم الحاكمين وقال بعض الأئمة: هذه محال ثلاثة بعث الله في كل واحدة منها نبيا مرسلا من أولي العزم أصحاب الشرائع الكبري فالأول: محلة التين والزيتون وهي بيت المقدس التي بعث الله فيها عيسي ابن مريم عليه السلام. والثاني: طور سنين وهو طور سيناء الذي كلم الله عليه موسي ابن عمران والثالث: مكة وهو البلد الأمن الذي من دخله كان آمنا وهو الذي أرسل فيه محمدا صلي الله عليه وسلم. وقد شهدت هذه الأرض المباركة مفاجأة موسي عليه السلام لربه, ونزل بها عدد من المرسل وصلي فيها سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم ليلة الاسراء, وفيها تأكيد علي محبة الأوطان. فحب الوطن من الايمان, وأول من أعطي الدرس في حب الوطن هو رسول الله صلي الله عليه وسلم الذي بين وجوب الوفاء والحب للأوطان فعند هجرته من مكة قال: والله يامكة أنك لأحب ارض الله إلي وأحب أرض الله إلي الله ولولا أن أهلك أخرجوني منك ماخرجت وعندما كان خارجا بشره الله أنه سيعود لمكة فاتحا ونزل عليه قول الحق تبارك وتعالي: إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلي معاد وعندما فتح الله عليه مكة دخلها بخضوع وخشوع وتواضع حتي إن ذؤابة عمامته تكاد تلمس ظهر دابته من انحنائه خشوعا وشكرا لله. ولما خاف الأنصار أن يبقي في مكة بعد الفتح ويتركهم وكان الله قد أعلمه بما تحدثوا به قال لهم ماقاله بلغتني عنكم فقالوا: والله يارسول الله إنما هو الضن بك, أي لحينا ألا تفارقنا فقال: إن الله ورسوله يصدقانكم ويعذرانكم المحيا محياكم والممات مماتكم, فاستبشروا وفرحوا وكانت المدينة وطنه مثل مكة ودعا لها قائلا: اللهم اجعل بالمدينة ضعفي ماجعلت بمكة من البركة. يا أكرم الكون بي شوق لرؤياك نهوي مدينتك الزهراء يدفعنا والقلب بالحب والاخلاص ناجاك وجد وشوق وتحنان للقياك وكما في أرض سيناء تأكيد محبة الوطن فإن فيها تأكيدا سماحة الاسلام, وتضامن جميع بني آدم مسلمين وغير مسلمين إذ وصي القرآن بذلك لاينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم ان الله يحب المقسطين وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: ألا من ظلم معاهدا أو انتقصه أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس أو كلفه مالا طاقة له به فأنا حجيجه يوم القيامة وهو الذي أبرم أول وثيقة عرفتها البشرية لحقوق الانسان بين المسلمين وغيرهم تأكيدا للوحدة الوطنية... وقد تجلت هذه الوحدة علي أرض سيناء غداة دخول الفتح الاسلامي فيها, فكانت سيناء بوابة الفتح في عهد الخليفة عمر بن الخطاب وكان أهل مصر ينتظرون هذا الفتح لما سمعوا عن الاسلام من التسامح والعدالة والخير ولما قاسوه من الرومان من ظلم وعسف لدرجة أن البطريرك بنيامين ذهب فارا بنفسه من ظلم الرومان فما إن استقر المقام بعمرو بن العاص إلا وأرسل من ينادي: إن بنيامين آمن علي نفسه وإن عمرو يود أن يجيء إليه ليسلمه ذمام إدارة شئون ملته فلما جاء سلمه عمرو إدارة شئون ملته وقال له: اذهب فارع شئون أهل ملتك وكن حرا مطمئنا آمنا في كتيبتك آدم والد الجميع فحمق: وضلال تفاخر الأبناء وكما تجلي علي سيناء حب الوطن والوحدة الوطنية تجلي علي أرضها الجهاد وصور البطولات والشهادة حتي ارتوي ترابها الطهور بدماء الأبرار.. فقد جاء تحريرها نتيجة جهاد واستشهاد من أبطال ضحوا بأرواحهم, واقتدوا بأسلافهم في التضحية والفداء فها هو ذا أحدهم حين يقسم له الرسول صلي الله اليه وسلم العطاء يقول: ما علي هذا اتبعتك, ولكن اتبعتك علي أن أرمي ها هنا ويشير إلي حلقه فأستشهد فأدخل الجنة فقال له الرسول صلي الله عليه وسلم إن تصدق الله يصدقك, فلما كان الجهاد وحمل شهيدا الي رسول الله صلي الله عليه وسلم: قال: أهو هو؟ قالوا: نعم قال: صدق الله فصدقه الله ثم كفنه بجبته وصلي عليه وقال: اللهم هذا عبدك خرج مهاجرا في سبيلك فقتل شهيدا وأنا شهيد علي ذلك رواه النسائي. لقد تأكد لدي أبطال قواتنا المسلحة هذه المعاني البطولية التي ارتشفوا رحيقها من الهدي النبوي, وعرفوا قيمة الجهاد والشهادة في سبيل الوطن فكانوا سباقين ومضحين حتي تحقق النصر بإذن الله رب العالمين. وكيف لايوقن أبطالنا بذلك وأمامهم الهدي النبوي الذي يوضح لهم حقيقة أمرهم, وعظمة مكانتهم حيث قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: ستفتحون مصر وهي أرض يذكر بها القيراط فاستوصوا بأهلها خيرا فإن لهم ذمة ورحما وفي رواية: فإن لهم ذمة وصهرا أما الرحم: فلأن أم سيدنا اسماعيل عليه السلام من مصر وهي هاجر, وأما الصهر: فلأن أم ابراهيم بن رسول الله صلي الله عليه وسلم من مارية وهي منهم. ومن أجل ذلك قامت الوحدة الوطنية علي أرض مصر يقين راسخ أنهم جميعا أهل وطن واحد, تقلهم أرض واحدة, وتظلهم سماء واحدة, واختلطت دماؤهم في الدفاع عن الوطن. وكيف لايوقن أبطالنا برسالتهم دفاعا عن وطنهم وجهادا في سبيله واستشهادا وقد سمعوا التوجيه النبوي العظيم الذي يقول فيه الرسول صلوات الله وسلامه عليه: إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا فيها جندا كثيفا فذلك الجند خير أجناد أهل الأرض, فقال أبوبكر رضي الله عنه: ولم كانوا كذلك يارسول الله؟ قال: لأنهم وأزواجهم في رباط إلي يوم القيامة فشهدت أرض سيناء نماذج للبطولات التي عبرت عن وفائها لعقيدتها وأمتها وهويمتها, ولم تتهاون سيناء ولاأهلها في القيام برسالتها وفي الجهاد في سبيل الله وفي الشهادة. وهي تمثل أحد خطوط الدفاع الأولي عن أمتها. ولقد قامت اليوم علي أرض سيناء الحبيبة انجازات حضارية, وشهدت نهضة في التنمية والعمل, وفي السعي لتحقيق آمال أبنائها وأجيالها الصاعدة. وإذا كانت الانجازات مع قاطرة التنمية تسير يخطي علمية من عهد إلي عهد ومن محافظ إلي محافظ حتي وصلت الأمانة لأهلها فإنها فصول كفاح متواصلة من السابقين إلي اللاحقين, ولأنها منطقة يجب أن تزداد فيها كل أشكال التنمية. وبهذه المناسبة التي تحيي فيها مصر عيد سيناء القومي ندعو إلي إقامة جامعة اسلامية علي أرضها لأنها أولي المواقع بذلك فهي بوابة الفتح الاسلامي وحق علينا لأبنائها أن يقوم التعليم الديني الوسطي الهادف ولو بإحدي الكليات الاسلامية بصفة مبدئية. وأدعو الله تعالي أن يكلل كل الجهود المبذولة بالتوفيق والسداد, وأن يكتب لأمتنا وحدة صفها وجمع كلمتها وأن يحفظ مصر من كل معتد أثيم, وأن يديم عليها نعمة الأمان والرخاء, إنه سميع قريب مجيب, وبالله التوفيق وصلي الله علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه أجمعين.