هاتفني صديق في بلد عربي ليخبرني أن رسالة بعثت بها إليه وصلت بعد تسعة أشهر! ضحكت وقلت له: لقد وصلت بعد اكتمال فترة الحمل. قبل فترة أرسلت خطابا مسجلا إلي نقيب المعلمين في القاهرة, لحل مشكلة خاصة بمعاشي الذي أهدرته النقابة لسبب غير قانوني. فإذا بي أفاجأ بعودة الخطاب, مكتوبا عليه أن مندوب النقابة لم يذهب إلي مكتب البريد لاستلامه! وقبل شهور تلقيت إخطارا من مكتب البريد يطلب دفع ستة عشر جنيها تقريبا لاستلام طرد قادم من الكويت. عرفت أن الطرد عبارة عن مجلة معها أسطوانة مدمجة, واكتشف العبقري في جمرك البريد أن هذا صيد ثمين, وينبغي إخضاعه للدفع. مع أنها توزع مجانا في القاهرة! رفضت استلامها فجاءني خطاب مسجل علي ورقة رديئة, لاستلام طرد ودفع مستحقات الجمارك.. رفضت. صديقي الأديب الكبير وديع فلسطين بح صوته وهو يكتب منذ سنوات بعيدة عن ممارسات البريد الرديئة; وخاصة مع المطبوعات القادمة من الخارج, دون أن تجد كتاباته صدي لدي المسئولين. البريد المصري, كان في الزمن البعيد يحرص علي خدمة الجمهور; ولكنه الآن يتحرك بمنطق الكسب وحده دون تقديم خدمة. لا يهتم بتوصيل الرسالة, ويحرص علي تحصيل الرسوم بأي وسيلة حتي لو كان المرسل قد دفع المطلوب من المنبع, ثم إنه قبيل شهور ضاعف الرسوم علي الرسائل والمسجلات بنسبة300% وأكثر دون إعلان, ويلقي الرسائل التي يرسلها الجمهور بالرسوم القديمة في سلة المهملات دون أن يتذكر أن في هذه الرسائل مصلحة أو انتظارا لحل مشكلة مهمة. إنه لا يفكر في جذب الجمهور بعد ظهور وسائل منافسة مثل النت وشركات الخدمات الخاصة, واكتفي بدفتر التوفير وتحصيل الرسوم علي معاشات الفقراء والبائسين. كان سعاة البريد ووكلاء المكاتب في الزمن القديم يمرون علي البيوت والمصالح يسلمون الرسائل والطرود لأصحابها, بل إنهم كانوا يبحثون عن أصحاب العناوين الناقصة حتي يصلوا إليهم بجهد شخصي. وعبارة يحفظ في شباك البريد ما زالت متداولة, وأغنية البوسطجية اشتكوا من كتر مراسيلي معروفة.