أنتشرت في الآونة الاخيرة شائعات عن وجود كميات هائلة من المعادن النفيسة مثل الذهب والبلاتين عائمة في مياه السد العالي. حتي ذهب احدهم الي أن خطأ هندسيا في تصميم جسد السد هو السبب في تراكم تلال من هذه المعادن والتي يقدر ثمنها بمليارات من الدولارات. سألنا الدكتور حمدي سيف النصر خبير التعدين العالمي ورئيس مشروع الرمال السوداء في مصر حاليا عن حقيقة هذه الشائعات فقال معظم المعادن التي يتكون منها طمي النيل القادم مع الفيضان غير ذات قيمة, ولكن تتواجد فيها نسب بالغة التدني من مجموعة المعادن ذات القيمة مثل الذهب والبلاتين ومعادن التيتانيوم وخام الحديد وغيرها وتبلغ هذه النسب الأجزاء في المليون واستخراجها من الصخور يتكلف أضعاف قيمة المعادن المستخرجة, ولذلك تعتبر غير اقتصادية. ولكن هذه الصخور في أعالي النيل( عند منابعه) يتفتت بعض سطحها عند سقوط الأمطار عليها وتسير مع تيارات الروافد السريعة الي أن تتجمع في تيار نهر النيل حيث يحملها النهر مع التيار مارا بالسودان ثم مصر وفي هذه المسافة تتعرض هذه الفتاتات المعدنية المختلطة بباقي مكونات الطمي لبعض التركيز بين الخفيف والثقيل منها أثناء المسار مسببة بعض التركيز للمعادن الثقيلة واضاف لقد جمعت بعض العينات من هذه المكونات من بعض الجزر التي يكونها نهر النيل بالصعيد وأثبتت تحاليل هذه المكونات أن مجموع تركيزات كافة المعادن قد ارتفعت من بعض الأجزاء في المليون عند المنابع( في افريقيا) الي بعض أجزاء في الألف في الجزر النيلية بمصر. وهذه التركيزات في جزر النيل بمصر لا تسمح اطلاقا باستغلال معادنها اقتصاديا اذ إن الحد المطلوب للاستغلال الاقتصادي لهذه المعادن( أقل حد لاستغلالها اقتصاديا)كان يقدر بحوالي2% عند انشاء السد العالي وانخفض الآن الي حوالي1% بعد ارتفاع سعرها حديثا. ولكن بعدما يتم النيل مساره الي البحر, عند فروع الدلتا الحالية أو القديمة المندثرة عن البحيرات علي البحر المتوسط تحدث العملية الكبري لتركيز تلك المعادن. ويقول عندما يحمل النيل هذا الطمي في مساره فإن سرعة التيار تكون قادرة علي حمل حمولته من الطمي الي البحر وعند التقائه بالبحر يفقد سرعته في مواجهة الأمواج وعندها يلقي النيل حمولته في العمق الضحل أمام المصب وهناك تحدث عمليتان لتركيز المكونات. الأولي أن المكونات المعدنية الثقيلة نسبيا لا تكون بعيدة عن الساحل بينما المركبة الخفيفة من الطفلة والطين تندفع بعيدا نسبيا عن الساحل. العملية الثانية وهي الأهم فإنه عندما تتجه الأمواج القادمة من البحر نحو الساحل تكون قوية بما يكفي لحمل المكونات الخفيفة والثقيلة معا الي الساحل وعند عودة الأمواج الي البحر تكون ضعيفة جدا فلا تحمل عند عودتها الا المكونات الخفيفة. وهذه العملية ينتج عنها أكبر تركيز للمعادن الثقيلة وتكون نسبتها في المتوسط بين1% الي10% من المترسب من الأمواج علي الشاطئ. وهذه العملية الجيولوجية التفصيلية توضح لنا أن تركيز المعادن الثقيلة(والتي يطلق عليها عالميا اسم معادن الرمال أو الرمال السوداء) في حوض النيل لا يكون استغلاله اقتصاديا إلا عند مصبات النيل الحالية أو القديمة( المندثرة) علي ساحل البحر المتوسط, وقال إن التحاليل المعدنية له أثبتت أن نسبة الذهب الموجود في ركاز المعادن بالخامات لا يتعدي واحدا في البليون وهي نسبة قليلة جدا. كما أثبتت التحاليل أيضا أن نسبة المعادن الأخري تختلف عنها في الخامات المستغلة بدول المصبات للأنهار الأخري بل وتتواجد معادن في بعض مصبات الأنهار, ولا توجد في مصبات أخري. ويعزي السبب الي اختلاف نوعيات الصخور المتواجدة عند المنابع لكل نهر عن الآخر. وإن أول مشروع اقتصادي بحجم كبير في مصر يقع علي ساحل بحيرة البرلس( بوغازها يمثل مصبا قديما من مصبات دلتا النيل) قد تمت دراسته بنجاح ويجري الآن إنشاء شركة لاستغلال معادنه وتصنيعها. وعودة الي الطمي المترسب أمام السد فإن نسبة المعادن الموجودة فيه قليلة جدا لأنها لم تتعرض إطلاقا الي عمليات التركيز الكبري التي تحدث عند المصب في البحر ولذلك فإن تركيزات كافة المعادن بها غير اقتصادي بالمرة بما فيها الذهب الشحيح جدا في هذه الرواسب التي تنحدر أصلا من منابع أواسط افريقيا والحبشة والتي لا يوجد فيها مناطق لاستغلال الذهب أصلا, كما أن الترسيب يبلغ ذروته في موسم الفيضان ويقل في باقي العام وبذلك تتكون في كل سنة طبقة رقيقة من الطمي تعلوها طبقة ثانية في السنة التالية فكيف تخترق حبيبات الذهب في سنة ما الطبقات التي تكونت في السنوات السابقة وتصل للقاع, أما الموضوع العجيب هو موضوع وجود البلاتين فلا جبال المنابع في الدول الافريقية تحتوي علي البلاتين ولا حتي المسار ولكنني أعتقد أن اعتقاد وجود البلاتين يأتي من وجود معدن الكاسيتيريت( أكسيد القصدير) والقصدير يستخدم في خامات الدوائر الالكترونية ويلاحظ الجميع أنه له شكل مشابه للبلاتين تقريبا وقد يكون اختلط الأمر( مثل الذين كانوا يعثرون علي الكالكوبيريت قديما ويظنونه ذهبا للتشابه بينه وبين الذهب وسمي في السابق بذهب الفقراء). أما ما ذكر عن الولاياتالمتحدة ووجود الذهب وغيره أمام السدود فهذا ممكن فمثلا سد هوفر وهو أكبر سد في الولاياتالمتحدة تتواجد منابعه قرب غرب الولاياتالمتحدة في جبال تحتوي أصلا علي خامات الذهب وكلنا يعرف بالاطلاع أو من مشاهدة الأفلام القديمة المغامرون الذين كانوا يذهبون للبحث عن الذهب في هذه الجبال, كما أن فيها مواقع لاستغلال الذهب فعلا. وبالتالي فان فتاتيات هذه الصخور التي يحملها النهر تحتوي في بعض أجزائها علي الذهب. ولكن هذا لم يرصد في ركازات المعادن( الرمال السوداء) في كل من نهر الأمازون( البرازيل) أو في نهر الجانج( الهند) أو في استراليا, وكلها دول منتجة للمعادن التي تحملها الأنهار.