«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الغربة‏!‏

سيدي‏..‏ لا أدري ما جعلني أفكر في الكتابة اليك‏..‏ عندما أنظر لحالي‏..‏ أراني أحيانا أتعس الناس‏,‏ وأحيانا أراني في نعم لا أحسن شكرها‏.‏ إليك سيدي.. أنا شاب في عشرينات العمر.. يقولون إن تلك المرحلة هي أجمل سني الحياة, وقد التمست كل السبل لأفهم ما الذي يجعلها أجمل المراحل فلم أدر.
عشت طفولة سعيدة ملؤها حنان أمي وعطف أبي, واعتدت منذ صغري النزاهة في كل شيء واختيار أدق تفاصيل حياتي, ولأنني من أحد الأقاليم البعيدة عن العاصمة فقد كانت طفولتي هادئة جميلة, وكانت أقصي مشكلة يمكن أن أواجهها عندما أتغيب خارج المنزل فيقلق والدي علي ويوبخني لذلك.
مرت الأيام والسنون وكبرت وصار لي الحق في الخروج والتأخر كيفما شئت دونما مساءلة, وعلي عكس أخي الكبير فقد كنت مرحا بطبيعتي واستطعت أن أكون صداقات ومعارف, وكنت محبوبا من كل من يعرفني وكان الجميع يتنبأ لي بمستقبل باهر.
وهكذا سارت الأيام رتيبة إلي أن جاء ذلك اليوم الذي تعلن فيه نتائج الثانوية العامة, فقد حصلت والحمد لله علي مجموع كبير جدا حتي إنه قارب المائة بالمائة, وهكذا قررت الالتحاق بتلك الكلية العريقة, ومن ثم السفر الي القاهرة وترك بلدي البعيدة الهادئة.
لم يكن عندي شك في أن مستقبلي سيكون باهرا, وكيف لا فأنا لاعب كرة قدم موهوب, كما أنني طالب بإحدي كليات القمة, ومن ثم فلن يخرج مستقبلي عن هذين الاطارين.
انتظرت حتي ذلك اليوم الذي غادرت فيه بلدتي الهادئة وحياتي القديمة وسط دموع أمي التي ودعتني بحنانها المعهود, وجاء أبي ليشيعني الي الحافلة التي ستحملني الي العالم الجديد علي حد اعتقادي.
سيدي لقد كانت تلك هي نهاية حياتي.. بالطبع لا أعني أنني مت وانقلبت بي الحافلة أو شيء من هذا القبيل, ولكن كانت تلك اللحظة هي بالفعل نهاية حياتي الجميلة الهادئة لتبدأ مرحلة أخري, ما أقساها علي.
لقد غادرت الي القاهرة وهناك وجدت حياة مختلفة تماما, وحينها أدركت قيمة النعمة التي كنت فيها, وعرفت ان بلدي التي كنت أمل منها هي أجمل بلاد الدنيا, وأن هؤلاء الناس الذين عرفتهم هم أطيب الناس علي الإطلاق.
عشت في القاهرة طوال سنوات الدراسة, وهناك قدر لي أن أري نوعيات مختلفة من البشر, واعتدت علي التلوث الذي لم أكن أعهده في بلدتي الجميلة, وأنا لا أعني فقط تلوث المكان فقد عرفت كل أنواع التلوث حتي التلوث الأخلاقي, ومع ذلك فقد كنت والحمد لله ثابتا متمسكا بأخلاقي ومبادئي, ولم أتأثر بكل ما يحيطني من انحلال, ولم أدخن كما فعل أغلب زملائي بمجرد أن ابتعدوا عن أعين والديهم.
كونت صداقات كثيرة والحمد لله بفضل طبيعتي الاجتماعية.. ولم يكن قط يشغلني حينها أن أجد فتاة لأشاركها مشاعري كما يفعلون, فقد كنت أعلم تماما أن كل ما أراه حولي من علاقات ما هي إلا مشاعر عابرة سرعان ما تتحطم علي أول صخرة من المواقف الصعبة الحقيقية.
وللحقيقة فأنا أعلم تماما أن لي طبيعة طيبة ولله الحمد سرعان ما تنفذ في قلوب كل من يعرفها لذا فقد كنت علي يقين أن هناك عيونا كثيرة تراقبني وترغب لو شاركتني مشاعري, لكنني لم أعر ذلك أي اهتمام, ولم أفكر قط في أي علاقة من هذا النوع ولو علي سبيل التسلية.
عرفت في تلك المرحلة أشياء كثيرة.. عرفت المعني الحقيقي لأن تكون انسانا متحجرا بلا قلب.. كنت أعيش لا أدري لماذا؟ ولن أخدعك وأقول ان المذاكرة شغلتني.. لا, فقد كانت أيام الدراسة كلها مرحا ولعب كورة الي جانب قليل من المذاكرة, وأيام الإجازات شغلا, وبالطبع فقد كنت أسافر لأماكن بعيدة بحثا عن عمل صيفي أشغل به اجازاتي.. ومع اني والحمد لله من أسرة ميسورة الحال لكن قوانيننا تفرض عدم المكوث بالمنزل أيام الإجازات..
كنت أقضي شهورا طويلة دون أن أري أمي.. وصدقني سيدي لم يتعبني شيء في حياتي أكثر من ذلك.. لقد آلمني ذلك كثيرا, بل انني عندما كنت أعود للبيت أشعر بأنني في غربة.. فقد كبر أخوتي الصغار, وصار لكل منهم مكانه.. فهذا يجلس علي مكتبي الذي طالما لازمني في مذاكرتي.. وتلك احتلت سريري, وكنت لذلك لا أطيل المكوث في المنزل.. حتي الايام التي آتي فيها الي البيت لأنعم بحضن أمي كنت أقضيها خارج المنزل مع أصحابي القدامي.. لا أقصد البيت الا عند النوم فقط.
وهكذا انتهت اجازتي التي لم استمتع بيوم واحد فيها, ولم أشعر أصلا بأنها إجازة.. وعدت الي القاهرة لأنتظم في السنة الأخيرة بالجامعة.. كانت سنة ما أثقلها علي قلبي.. مكثت ليالي أفكر لم أعيش؟ وما هو الهدف من تلك الحياة الجافة... ربي انا علي يقين أن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لك يارب العالمين.. لكني مللت من تلك الحياة الجافة أريد شيئا من الحنان.
لقد سئمت تلك الحياة وأعياني ذلك ولم أعد ذلك الشاب الوسيم المتميز بين أقرانه.. صرت أطلق لحيتي لا أدري هل كان هذا ضربا من الورع, أم لأنني ما كنت آبه لنفسي؟.. فكرت كثيرا أن أترك الجامعة وأعود للمنزل حيث أمتهن أي شيء أعيش منه, وأكون بجوار والدتي, لكني أدركت أن ذلك أمر من الحماقة, كنت أعزي نفسي وأقول ما هو إلا عام وبعدها سأتخرج وأعمل وهناك لن أشعر بتلك الوحدة.. لكن هيهات.
صرت أحسد من حولي من أصدقائي علي تلك العلاقات الطائشة التي يعيشونها, ويخيل اليهم أنها ستكلل بالنهاية السعيدة, ولكني كنت أوقن انها لتمضية الوقت ليس إلا.. لكن كنت أحسدهم فهم علي الأقل يجدون من يشاركهم مشاعرهم.. كان بإمكاني الدخول في علاقات كثيرة لكني لم أخرج عن مبادئي فهذا الأمر مرفوض تماما بالنسبة لي..
كان لدي اعتقاد قوي.. هو أنني عندما أقع في الحب الحقيقي فلن أبحث عنه وإنما هو من سيجد طريقه إلي.. لا أخفيك سرا لقد أخفق قلبي لرؤيتها وبدأت أتابعها من بعيد.. لقد أدركت من الوهلة الأولي أنها من أبحث عنها أو تبحث عني قل ما شئت.
لقد كانت فتاة هادئة.. مهذبة.. جميلة.. متدينة.. ولا أريد أكثر من ذلك.. وأهم من ذلك كله أنها كانت مختلفة تماما عن هؤلاء الفتيات, فقد كانت عاقلة رزينة.. لم تكن خفيفة كمعظم البنات.
لم أكن أعرفها ولم يكن لي من سبيل اليها.. حاولت كثيرا التعرف عليها, ولكن باءت كل المحاولات بالفشل, فقد كنت أتراجع وأخجل بمجرد القرب منها, وقلت لنفسي لا تتعب نفسك فكل شيء مقدر ومكتوب.. أوشكت السنة الأخيرة علي الانتهاء وبقي أقل من اسبوع وهنا أيقنت انني لابد أن أنساها فلن يجدي ذلك, ولو استمررت في تعلقي بها لن أزداد إلا جرحا وهما.
لقد تعرفت اليها سيدي في تلك الأيام القليلة ولا أعرف كيف تم ذلك.. تحدثت اليها وكأني أعرفها من الآف السنين, وحدثتني بنفس الإحساس, فشعرت لو أنها تعرفني منذ زمن بعيد.. لقد كان كلانا يشبه الآخر تماما حتي وجدنا بيننا مفارقات لا متسع لذكرها.
وفي آخر يوم لنا بالجامعة قدر لنا أن نغادر معا, فقد كنا نسلك نفس طريق العودة.ظللت طوال الوقت أفكر في أن أعترف لها بمشاعري لكني لم استطع, وأخيرا جاء مفترق الطرق وعندما تفرقنا بكيت بشكل هيستيري.. لا أعرف ما الذي فعلته, لقد كانت فرصتي الأخيرة للاعتراف لكني لم أفعل.. عندها تذكرت ما كان يطمئنني دائما, تذكرت ان كل شيء مقدر ولو اراد الله لي أن أراها ثانية فلن يمنعني شيء ولو وقفت الدنيا أمامي.
وسبحان الله فقد قدر لنا أن نلتقي مرات عديدة, وكنت في كل مرة أشعر بقلبها يقول لي تكلم.. حتي جاء ذلك اليوم ووجدت نفسي أقول لها.. أنا أحبك.. لقد سكتت طويلا فلابد أن الكلام أخجلها وأربكها.. وبعد دهور من الصمت استطردت قائلة, أعرف اني كنت من الجبن ان اقولها لكن الان لم أعد احتمل كتمانها, ولا أعرف كيف قلتها.. فردت: لا أعرف ما أقوله لك.. فقلت لا تقولي شيئا فقط اصمتي.. فتساءلت: وبعدين؟ قلت لها ان كنت ترينني شخصا مناسبا لك فساعديني حتي أصبح جاهزا ونتزوج بإذن الله.
سيدي لقد كانت طوق النجاة الذي أنقذني من الغرق, صارت الحياة لها معني.. أحببتها بكل ما تحمل الكلمة من معني.. ولأننا أردنا لحبنا أن يخرج الي النور فقد أخبرنا أمهاتنا واتفقنا علي الخطوط العريضة للأمور.
قد تتعجب سيدي إذا أخبرتك أنها علاقة من نوع خاص مختلف تماما, فنحن لا نلتقي الا نادرا ويكون بعلم أهلينا ولا نتحادث هاتفيا كما معظم الشباب اليوم.. إنني أثق فيها تماما كما أثق في نفسي وهي كذلك.
انها تعني الكثير بالنسبة لي خاصة وقد سافر ابي الي الخارج واصطحب معه أمي. فقد اصبحت هي ذلك الجانب الرقيق في حياتي.. انها أمي الأخري.
سيدي لقد تخرجت واصطدمت بالواقع المرير..فلا فرص عمل مناسبة لي, وبالتالي انا عاجز عن اتخاذ أي خطوات في سبيل تحقيق حلمي بالزواج منها.. ونظرا لأن العمل في مجال دراستي يقتصر علي القليلين من أبناء الصفوة ويعتمد بشكل كبير علي الوساطة والمحسوبية فقد مللت البحث وأعياني ذلك.
تنقلت للعمل في عدة أماكن كلها قطاع خاص ولا تمت لمجال دراستي بصلة, وكل مكان يكون أسوأ من الذي يسبقه.. استغلال من اصحاب العمل ولا مقابل مادي معقول.. إنني أتعجب.. أتذكر ذلك اليوم عندما كنت افتخر بمجموعي في الثانوية العامة والذي يقارب100% لكن هل هذه هي النهاية؟ لا أجد حتي فرصة للحصول علي منصب محترم أثبت فيه كفاءتي.
لا أدري من ألوم؟ هل ألوم نفسي علي أني اخترت دراسة ذلك المجال الذي أحبه والذي تندر فرص العمل فيه؟.. أم ألوم ذلك الواقع الذي نعيشه.. أم تلك الحياة التي نحياها؟؟
أنا الآن بين نارين.. لو اني فكرت المضي للبحث عن عمل في نفس المجال الذي أحببته ودرسته, فبالطبع لن أهدر من عمري أقل من خمس سنوات علي الأقل لأضع قدمي في الطريق الصحيح, وعندها لا أظن أني سأحظي بذلك القلب الذي أحببته, ووجدت سعادتي معه.. ولو أنني مضيت قدما في اتباع حبي سأركز فقط في الحصول علي المال اللازم لتهيئة نفسي للزواج, وسأمتهن مجالات أراها دونية بالنسبة لي, ومن ثم فقد ذهبت هباء تلك السنون التي قضيتها في دراسة حقل لن أعمل فيه أبدا.
سيدي لو خيرت بين هذين الأمرين.. بالطبع سأختار الحب فسعادتي ومستقبلي مع من أحب.. حتي لو ابتعدت عن ذلك المجال الذي تمنيت العمل فيه.. ولكن للأسف حتي العمل في المجالات الأخري لا يسمن من جوع.
سيدي إن الوضع العام لمجمل الشباب في مصر يرثي له.. انني أري الحسرة والضياع في عيون كل زملائي في تلك المهن التي أتنقل بينها من يوم لآخر.. لا أدري لماذا صارت سنوات الشباب أسوأ سنوات العمر.
علمت الكهول يقولون ليت الشباب يعود يوما.. لكني أقول ليتني شبت الان فلم تعد الحياة تطاق.. كل ما أخشاه أن أفقد ذلك القلب الذي أحببته واطمأننت اليه بسبب سخافات ذلك الزمن المادي الذي نحياه.. فعندها لا قدر الله ستدمر حياتي وسأفضل الموت علي العيش في زمن أعجز فيه عن تحقيق أبسط أحلامي وهو الزواج ممن أحب.
رحم الله عمر بن عبد العزيز خامس الخلفاء الراشدين.. ملأ الدنيا عدلا حتي جاءوه يوما بالزكاة فقال انفقوها علي الفقراء والمساكين فقالوا ما عاد في أمة الإسلام فقراء ولا مساكين, قال فجهزوا بها الجيوش, قالوا جيش الإسلام يجوب الدنيا, قال فزوجوا بها الشباب, فقالوا من كان يريد الزواج زوج, وبقي مال فقال اقضوا الديون علي المدينين, قضوه وبقي المال, فقال انظروا في أهل الكتاب من كان عليه دين فسددوا عنه ففعلوا وبقي المال, فقال اعطوا أهل العلم فأعطوهم وبقي مال, فقال اشتروا به حبا وانثروه علي رؤوس الجبال, لتأكل الطير من خير المسلمين.
سيدي.. لا أعرف لماذا زارك الإحباط واليأس مبكرا..
ليس فقط بعد تخرجك, ولكنه بدأ منذ اصطدامك بواقع المدينة الكبيرة, بقيمها وأخلاقياتها المختلفة تماما عما عشته في قريتك الدافئة.
نعم المدن الكبيرة تكون قاسية, بلا قلب, خاصة لمن لم يخبرها, ولكن مثلك ليس أمامه إلا التعامل والتصالح معها مستندا الي ما رسخته القرية وعائلتك الطيبة في سني عمرك الأولي.. وهذا ما حدث عندما صنت نفسك من الانحراف أو الانجراف مثل زملائك, ولكن ما استوقفني هو رفضك لقانون المدينة القاسي وانفصالك في نفس الوقت عن واقعك الذي نشأت فيه وأحببته, ووقعت في دائرة الإحساس الدائم بالغربة.
الحب يغير الانسان ويجعل لحياته هدفا ومعني, لذا عدت إلي نفسك بعد أن تعددت اسئلتك عن جدوي وجودك واهمالك لذاتك دون مبرر واضح, هل لم تكن متفوقا في الجامعة كما كنت في الثانوية العامة؟
ما دفعني الي هذا السؤال أنك ترتكن دائما الي المرحلة الثانوية وتفوقك بها دون أي إشارة الي درجاتك العلمية في الجامعة.
سيدي.. تضع نفسك بين خيارين لا ثالث لهما, وفي الحياة خيارات لا تكون بين شيئين فقط وإلا لفشل الكثيرون وجلسوا في بيوتهم.
لم تقل لي في رسالتك رائعة الاسلوب ما هو مؤهلك, أي ما هي كلية القمة التي تخرجت فيها, فلربما أمكنني مساعدتك في توفير فرصة عمل, وإن كان هذا صعبا الان في ظل الظروف الصعبة التي تعيشها مصر وترتفع فيها نسب البطالة بين الشباب.. هذا الشباب الذي يرثي له منذ زمن وليس الآن فقط. فهل في مثل هذه الظروف القاسية علينا أن نستسلم إذا لم نعمل ما نحب وما نستحق وما نحن مؤهلون له؟
لا ياسيدي.. العالم كله يعاني فيه الشباب الآن من البطالة, والمحب الناجح مثلك عليه ان يحب ما يعمل الان حتي لو كان لا يليق به, فوجود فرصة عمل أيا كانت أفضل من المكوث في البيت, أعمل حتي تحافظ علي من تحب وبوجودها بجوارك ستعمل ما تحب في المستقبل.
النجاح لا يأتي إلا بالإصرار, وسيأتي يوم تتذكر فيه مع زوجتك وأبنائك هذا الكفاح, وثق بأن الله لا يضيع من أحسن عملا, وأن قدرك سيأتي اليك.
استفز في نفسك القوي الايجابية ولا تسلمها للإحباط واليأس, فالقوي السلبية لا تؤدي الا الي الفشل, فتذكر نجاحك في صغرك واستمد منه صلابتك في مواجهة قسوة الحياة التي لا تخصك وحدك بقسوتها, فالإنسان ياصديقي خلق في كبد, وليس لنا خيار الا ان نحياها,وبالإيمان والرضا والاصرار نحياها بسعادة ونجاح بالقدر الذي نسعي اليه وكتبه الله لنا. ولا تجعل انتظارك يطول فلم يكن في التاريخ البعيد والقريب الا عمر بن عبد العزيز واحد!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.