تنسيق الثانوية العامة 2025 ..شروط التنسيق الداخلي لكلية الآداب جامعة عين شمس    فلكيًا.. موعد إجازة المولد النبوي 2025 في مصر و10 أيام عطلة للموظفين في أغسطس    رسميًا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الجمعة 1 أغسطس 2025    5 أجهزة كهربائية تتسبب في زيادة استهلاك الكهرباء خلال الصيف.. تعرف عليها    أمازون تسجل نتائج قوية في الربع الثاني وتتوقع مبيعات متواصلة رغم الرسوم    إس إن أوتوموتيف تستحوذ على 3 وكالات للسيارات الصينية في مصر    حظر الأسلحة وتدابير إضافية.. الحكومة السلوفينية تصفع إسرائيل بقرارات نارية (تفاصيل)    ترامب: لا أرى نتائج في غزة.. وما يحدث مفجع وعار    الاتحاد الأوروبى يتوقع "التزامات جمركية" من الولايات المتحدة اليوم الجمعة    باختصار.. أهم الأخبار العالمية والعربية حتى منتصف الليل.. مستندات المؤامرة.. الإخوان حصلوا على تصريح من دولة الاحتلال للتظاهر ضد مصر.. ومشرعون ديمقراطيون: شركات أمنية أمريكية متورطة فى قتل أهل غزة    مجلس أمناء الحوار الوطنى: "إخوان تل أبيب" متحالفون مع الاحتلال    حماس تدعو لتصعيد الحراك العالمي ضد إبادة وتجويع غزة    كتائب القسام: تدمير دبابة ميركافا لجيش الاحتلال شمال جباليا    عرضان يهددان نجم الأهلي بالرحيل.. إعلامي يكشف التفاصيل    لوهافر عن التعاقد مع نجم الأهلي: «نعاني من أزمة مالية»    محمد إسماعيل يتألق والجزيرى يسجل.. كواليس ودية الزمالك وغزل المحلة    النصر يطير إلى البرتغال بقيادة رونالدو وفيليكس    الدوري الإسباني يرفض تأجيل مباراة ريال مدريد أوساسونا    المصري يفوز على هلال الرياضي التونسي وديًا    انخفاض درجات الحرارة ورياح.. بيان هام من الأرصاد يكشف طقس الساعات المقبلة    عملت في منزل عصام الحضري.. 14 معلومة عن البلوجر «أم مكة» بعد القبض عليها    بعد التصالح وسداد المبالغ المالية.. إخلاء سبيل المتهمين في قضية فساد وزارة التموين    حبس المتهم بطعن زوجته داخل المحكمة بسبب قضية خلع في الإسكندرية    ضياء رشوان: إسرائيل ترتكب جرائم حرب والمتظاهرون ضد مصر جزء من مخطط خبيث    عمرو مهدي: أحببت تجسيد شخصية ألب أرسلان رغم كونها ضيف شرف فى "الحشاشين"    عضو اللجنة العليا بالمهرجان القومي للمسرح يهاجم محيي إسماعيل: احترمناك فأسأت    محيي إسماعيل: تكريم المهرجان القومي للمسرح معجبنيش.. لازم أخذ فلوس وجائزة تشبه الأوسكار    مي فاروق تطرح "أنا اللي مشيت" على "يوتيوب" (فيديو)    تكريم أوائل الشهادات العامة والأزهرية والفنية في بني سويف تقديرا لتفوقهم    تمهيدا لدخولها الخدمة.. تعليمات بسرعة الانتهاء من مشروع محطة رفع صرف صحي الرغامة البلد في أسوان    النزول بالحد الأدنى لتنسيق القبول بعدد من مدارس التعليم الفني ب الشرقية (الأماكن)    الزمالك يهزم غزل المحلة 2-1 استعدادًا لانطلاقة بطولة الدوري    اصطدام قطار برصيف محطة السنطة وتوقف حركة القطارات    موندو ديبورتيفو: نيكولاس جاكسون مرشح للانتقال إلى برشلونة    مجلس الشيوخ 2025.. "الوطنية للانتخابات": الاقتراع في دول النزاعات كالسودان سيبدأ من التاسعة صباحا وحتى السادسة مساء    «إيجاس» توقع مع «إيني» و«بي بي» اتفاقية حفر بئر استكشافي بالبحر المتوسط    مجلس الوزراء : السندات المصرية فى الأسواق الدولية تحقق أداء جيدا    فتح باب التقدم للوظائف الإشرافية بتعليم المنيا    رئيس جامعة بنها يصدر عددًا من القرارات والتكليفات الجديدة    أحمد كريمة يحسم الجدل: "القايمة" ليست حرامًا.. والخطأ في تحويلها إلى سجن للزوج    فوائد شرب القرفة قبل النوم.. عادات بسيطة لصحة أفضل    متى يتناول الرضيع شوربة الخضار؟    تكريم ذوي الهمم بالصلعا في سوهاج.. مصحف ناطق و3 رحلات عمرة (صور)    حركة فتح ل"إكسترا نيوز": ندرك دور مصر المركزى فى المنطقة وليس فقط تجاه القضية الفلسطينية    أمين الفتوى يوضح أسباب إهمال الطفل للصلاة وسبل العلاج    الداخلية: مصرع عنصر إجرامي شديد الخطورة خلال مداهمة أمنية بالطالبية    الإفتاء توضح كفارة عدم القدرة على الوفاء بالنذر    الشيخ خالد الجندى: من يرحم زوجته أو زوجها فى الحر الشديد له أجر عظيم عند الله    الوطنية للصلب تحصل على موافقة لإقامة مشروع لإنتاج البيليت بطاقة 1.5 مليون طن سنويا    وزير الخارجية الفرنسي: منظومة مساعدات مؤسسة غزة الإنسانية مخزية    ممر شرفى لوداع لوكيل وزارة الصحة بالشرقية السابق    رئيس جامعة بنها يشهد المؤتمر الطلابي الثالث لكلية الطب البشرى    حملة «100 يوم صحة»: تقديم 23 مليونًا و504 آلاف خدمة طبية خلال 15 يوماً    تنسيق الجامعات 2025.. تفاصيل برنامج التصميم الداخلي الإيكولوجي ب "فنون تطبيقية" حلوان    وزير الصحة يعلن تفاصيل زيادة تعويضات صندوق مخاطر المهن الطبية    طارق الشناوي: لطفي لبيب لم يكن مجرد ممثل موهوب بل إنسان وطني قاتل على الجبهة.. فيديو    أمانة الاتصال السياسي ب"المؤتمر" تتابع تصويت المصريين بالخارج في انتخابات الشيوخ    حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة اليوم الخميس 31-7-2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الغربة‏!‏

سيدي‏..‏ لا أدري ما جعلني أفكر في الكتابة اليك‏..‏ عندما أنظر لحالي‏..‏ أراني أحيانا أتعس الناس‏,‏ وأحيانا أراني في نعم لا أحسن شكرها‏.‏ إليك سيدي.. أنا شاب في عشرينات العمر.. يقولون إن تلك المرحلة هي أجمل سني الحياة, وقد التمست كل السبل لأفهم ما الذي يجعلها أجمل المراحل فلم أدر.
عشت طفولة سعيدة ملؤها حنان أمي وعطف أبي, واعتدت منذ صغري النزاهة في كل شيء واختيار أدق تفاصيل حياتي, ولأنني من أحد الأقاليم البعيدة عن العاصمة فقد كانت طفولتي هادئة جميلة, وكانت أقصي مشكلة يمكن أن أواجهها عندما أتغيب خارج المنزل فيقلق والدي علي ويوبخني لذلك.
مرت الأيام والسنون وكبرت وصار لي الحق في الخروج والتأخر كيفما شئت دونما مساءلة, وعلي عكس أخي الكبير فقد كنت مرحا بطبيعتي واستطعت أن أكون صداقات ومعارف, وكنت محبوبا من كل من يعرفني وكان الجميع يتنبأ لي بمستقبل باهر.
وهكذا سارت الأيام رتيبة إلي أن جاء ذلك اليوم الذي تعلن فيه نتائج الثانوية العامة, فقد حصلت والحمد لله علي مجموع كبير جدا حتي إنه قارب المائة بالمائة, وهكذا قررت الالتحاق بتلك الكلية العريقة, ومن ثم السفر الي القاهرة وترك بلدي البعيدة الهادئة.
لم يكن عندي شك في أن مستقبلي سيكون باهرا, وكيف لا فأنا لاعب كرة قدم موهوب, كما أنني طالب بإحدي كليات القمة, ومن ثم فلن يخرج مستقبلي عن هذين الاطارين.
انتظرت حتي ذلك اليوم الذي غادرت فيه بلدتي الهادئة وحياتي القديمة وسط دموع أمي التي ودعتني بحنانها المعهود, وجاء أبي ليشيعني الي الحافلة التي ستحملني الي العالم الجديد علي حد اعتقادي.
سيدي لقد كانت تلك هي نهاية حياتي.. بالطبع لا أعني أنني مت وانقلبت بي الحافلة أو شيء من هذا القبيل, ولكن كانت تلك اللحظة هي بالفعل نهاية حياتي الجميلة الهادئة لتبدأ مرحلة أخري, ما أقساها علي.
لقد غادرت الي القاهرة وهناك وجدت حياة مختلفة تماما, وحينها أدركت قيمة النعمة التي كنت فيها, وعرفت ان بلدي التي كنت أمل منها هي أجمل بلاد الدنيا, وأن هؤلاء الناس الذين عرفتهم هم أطيب الناس علي الإطلاق.
عشت في القاهرة طوال سنوات الدراسة, وهناك قدر لي أن أري نوعيات مختلفة من البشر, واعتدت علي التلوث الذي لم أكن أعهده في بلدتي الجميلة, وأنا لا أعني فقط تلوث المكان فقد عرفت كل أنواع التلوث حتي التلوث الأخلاقي, ومع ذلك فقد كنت والحمد لله ثابتا متمسكا بأخلاقي ومبادئي, ولم أتأثر بكل ما يحيطني من انحلال, ولم أدخن كما فعل أغلب زملائي بمجرد أن ابتعدوا عن أعين والديهم.
كونت صداقات كثيرة والحمد لله بفضل طبيعتي الاجتماعية.. ولم يكن قط يشغلني حينها أن أجد فتاة لأشاركها مشاعري كما يفعلون, فقد كنت أعلم تماما أن كل ما أراه حولي من علاقات ما هي إلا مشاعر عابرة سرعان ما تتحطم علي أول صخرة من المواقف الصعبة الحقيقية.
وللحقيقة فأنا أعلم تماما أن لي طبيعة طيبة ولله الحمد سرعان ما تنفذ في قلوب كل من يعرفها لذا فقد كنت علي يقين أن هناك عيونا كثيرة تراقبني وترغب لو شاركتني مشاعري, لكنني لم أعر ذلك أي اهتمام, ولم أفكر قط في أي علاقة من هذا النوع ولو علي سبيل التسلية.
عرفت في تلك المرحلة أشياء كثيرة.. عرفت المعني الحقيقي لأن تكون انسانا متحجرا بلا قلب.. كنت أعيش لا أدري لماذا؟ ولن أخدعك وأقول ان المذاكرة شغلتني.. لا, فقد كانت أيام الدراسة كلها مرحا ولعب كورة الي جانب قليل من المذاكرة, وأيام الإجازات شغلا, وبالطبع فقد كنت أسافر لأماكن بعيدة بحثا عن عمل صيفي أشغل به اجازاتي.. ومع اني والحمد لله من أسرة ميسورة الحال لكن قوانيننا تفرض عدم المكوث بالمنزل أيام الإجازات..
كنت أقضي شهورا طويلة دون أن أري أمي.. وصدقني سيدي لم يتعبني شيء في حياتي أكثر من ذلك.. لقد آلمني ذلك كثيرا, بل انني عندما كنت أعود للبيت أشعر بأنني في غربة.. فقد كبر أخوتي الصغار, وصار لكل منهم مكانه.. فهذا يجلس علي مكتبي الذي طالما لازمني في مذاكرتي.. وتلك احتلت سريري, وكنت لذلك لا أطيل المكوث في المنزل.. حتي الايام التي آتي فيها الي البيت لأنعم بحضن أمي كنت أقضيها خارج المنزل مع أصحابي القدامي.. لا أقصد البيت الا عند النوم فقط.
وهكذا انتهت اجازتي التي لم استمتع بيوم واحد فيها, ولم أشعر أصلا بأنها إجازة.. وعدت الي القاهرة لأنتظم في السنة الأخيرة بالجامعة.. كانت سنة ما أثقلها علي قلبي.. مكثت ليالي أفكر لم أعيش؟ وما هو الهدف من تلك الحياة الجافة... ربي انا علي يقين أن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لك يارب العالمين.. لكني مللت من تلك الحياة الجافة أريد شيئا من الحنان.
لقد سئمت تلك الحياة وأعياني ذلك ولم أعد ذلك الشاب الوسيم المتميز بين أقرانه.. صرت أطلق لحيتي لا أدري هل كان هذا ضربا من الورع, أم لأنني ما كنت آبه لنفسي؟.. فكرت كثيرا أن أترك الجامعة وأعود للمنزل حيث أمتهن أي شيء أعيش منه, وأكون بجوار والدتي, لكني أدركت أن ذلك أمر من الحماقة, كنت أعزي نفسي وأقول ما هو إلا عام وبعدها سأتخرج وأعمل وهناك لن أشعر بتلك الوحدة.. لكن هيهات.
صرت أحسد من حولي من أصدقائي علي تلك العلاقات الطائشة التي يعيشونها, ويخيل اليهم أنها ستكلل بالنهاية السعيدة, ولكني كنت أوقن انها لتمضية الوقت ليس إلا.. لكن كنت أحسدهم فهم علي الأقل يجدون من يشاركهم مشاعرهم.. كان بإمكاني الدخول في علاقات كثيرة لكني لم أخرج عن مبادئي فهذا الأمر مرفوض تماما بالنسبة لي..
كان لدي اعتقاد قوي.. هو أنني عندما أقع في الحب الحقيقي فلن أبحث عنه وإنما هو من سيجد طريقه إلي.. لا أخفيك سرا لقد أخفق قلبي لرؤيتها وبدأت أتابعها من بعيد.. لقد أدركت من الوهلة الأولي أنها من أبحث عنها أو تبحث عني قل ما شئت.
لقد كانت فتاة هادئة.. مهذبة.. جميلة.. متدينة.. ولا أريد أكثر من ذلك.. وأهم من ذلك كله أنها كانت مختلفة تماما عن هؤلاء الفتيات, فقد كانت عاقلة رزينة.. لم تكن خفيفة كمعظم البنات.
لم أكن أعرفها ولم يكن لي من سبيل اليها.. حاولت كثيرا التعرف عليها, ولكن باءت كل المحاولات بالفشل, فقد كنت أتراجع وأخجل بمجرد القرب منها, وقلت لنفسي لا تتعب نفسك فكل شيء مقدر ومكتوب.. أوشكت السنة الأخيرة علي الانتهاء وبقي أقل من اسبوع وهنا أيقنت انني لابد أن أنساها فلن يجدي ذلك, ولو استمررت في تعلقي بها لن أزداد إلا جرحا وهما.
لقد تعرفت اليها سيدي في تلك الأيام القليلة ولا أعرف كيف تم ذلك.. تحدثت اليها وكأني أعرفها من الآف السنين, وحدثتني بنفس الإحساس, فشعرت لو أنها تعرفني منذ زمن بعيد.. لقد كان كلانا يشبه الآخر تماما حتي وجدنا بيننا مفارقات لا متسع لذكرها.
وفي آخر يوم لنا بالجامعة قدر لنا أن نغادر معا, فقد كنا نسلك نفس طريق العودة.ظللت طوال الوقت أفكر في أن أعترف لها بمشاعري لكني لم استطع, وأخيرا جاء مفترق الطرق وعندما تفرقنا بكيت بشكل هيستيري.. لا أعرف ما الذي فعلته, لقد كانت فرصتي الأخيرة للاعتراف لكني لم أفعل.. عندها تذكرت ما كان يطمئنني دائما, تذكرت ان كل شيء مقدر ولو اراد الله لي أن أراها ثانية فلن يمنعني شيء ولو وقفت الدنيا أمامي.
وسبحان الله فقد قدر لنا أن نلتقي مرات عديدة, وكنت في كل مرة أشعر بقلبها يقول لي تكلم.. حتي جاء ذلك اليوم ووجدت نفسي أقول لها.. أنا أحبك.. لقد سكتت طويلا فلابد أن الكلام أخجلها وأربكها.. وبعد دهور من الصمت استطردت قائلة, أعرف اني كنت من الجبن ان اقولها لكن الان لم أعد احتمل كتمانها, ولا أعرف كيف قلتها.. فردت: لا أعرف ما أقوله لك.. فقلت لا تقولي شيئا فقط اصمتي.. فتساءلت: وبعدين؟ قلت لها ان كنت ترينني شخصا مناسبا لك فساعديني حتي أصبح جاهزا ونتزوج بإذن الله.
سيدي لقد كانت طوق النجاة الذي أنقذني من الغرق, صارت الحياة لها معني.. أحببتها بكل ما تحمل الكلمة من معني.. ولأننا أردنا لحبنا أن يخرج الي النور فقد أخبرنا أمهاتنا واتفقنا علي الخطوط العريضة للأمور.
قد تتعجب سيدي إذا أخبرتك أنها علاقة من نوع خاص مختلف تماما, فنحن لا نلتقي الا نادرا ويكون بعلم أهلينا ولا نتحادث هاتفيا كما معظم الشباب اليوم.. إنني أثق فيها تماما كما أثق في نفسي وهي كذلك.
انها تعني الكثير بالنسبة لي خاصة وقد سافر ابي الي الخارج واصطحب معه أمي. فقد اصبحت هي ذلك الجانب الرقيق في حياتي.. انها أمي الأخري.
سيدي لقد تخرجت واصطدمت بالواقع المرير..فلا فرص عمل مناسبة لي, وبالتالي انا عاجز عن اتخاذ أي خطوات في سبيل تحقيق حلمي بالزواج منها.. ونظرا لأن العمل في مجال دراستي يقتصر علي القليلين من أبناء الصفوة ويعتمد بشكل كبير علي الوساطة والمحسوبية فقد مللت البحث وأعياني ذلك.
تنقلت للعمل في عدة أماكن كلها قطاع خاص ولا تمت لمجال دراستي بصلة, وكل مكان يكون أسوأ من الذي يسبقه.. استغلال من اصحاب العمل ولا مقابل مادي معقول.. إنني أتعجب.. أتذكر ذلك اليوم عندما كنت افتخر بمجموعي في الثانوية العامة والذي يقارب100% لكن هل هذه هي النهاية؟ لا أجد حتي فرصة للحصول علي منصب محترم أثبت فيه كفاءتي.
لا أدري من ألوم؟ هل ألوم نفسي علي أني اخترت دراسة ذلك المجال الذي أحبه والذي تندر فرص العمل فيه؟.. أم ألوم ذلك الواقع الذي نعيشه.. أم تلك الحياة التي نحياها؟؟
أنا الآن بين نارين.. لو اني فكرت المضي للبحث عن عمل في نفس المجال الذي أحببته ودرسته, فبالطبع لن أهدر من عمري أقل من خمس سنوات علي الأقل لأضع قدمي في الطريق الصحيح, وعندها لا أظن أني سأحظي بذلك القلب الذي أحببته, ووجدت سعادتي معه.. ولو أنني مضيت قدما في اتباع حبي سأركز فقط في الحصول علي المال اللازم لتهيئة نفسي للزواج, وسأمتهن مجالات أراها دونية بالنسبة لي, ومن ثم فقد ذهبت هباء تلك السنون التي قضيتها في دراسة حقل لن أعمل فيه أبدا.
سيدي لو خيرت بين هذين الأمرين.. بالطبع سأختار الحب فسعادتي ومستقبلي مع من أحب.. حتي لو ابتعدت عن ذلك المجال الذي تمنيت العمل فيه.. ولكن للأسف حتي العمل في المجالات الأخري لا يسمن من جوع.
سيدي إن الوضع العام لمجمل الشباب في مصر يرثي له.. انني أري الحسرة والضياع في عيون كل زملائي في تلك المهن التي أتنقل بينها من يوم لآخر.. لا أدري لماذا صارت سنوات الشباب أسوأ سنوات العمر.
علمت الكهول يقولون ليت الشباب يعود يوما.. لكني أقول ليتني شبت الان فلم تعد الحياة تطاق.. كل ما أخشاه أن أفقد ذلك القلب الذي أحببته واطمأننت اليه بسبب سخافات ذلك الزمن المادي الذي نحياه.. فعندها لا قدر الله ستدمر حياتي وسأفضل الموت علي العيش في زمن أعجز فيه عن تحقيق أبسط أحلامي وهو الزواج ممن أحب.
رحم الله عمر بن عبد العزيز خامس الخلفاء الراشدين.. ملأ الدنيا عدلا حتي جاءوه يوما بالزكاة فقال انفقوها علي الفقراء والمساكين فقالوا ما عاد في أمة الإسلام فقراء ولا مساكين, قال فجهزوا بها الجيوش, قالوا جيش الإسلام يجوب الدنيا, قال فزوجوا بها الشباب, فقالوا من كان يريد الزواج زوج, وبقي مال فقال اقضوا الديون علي المدينين, قضوه وبقي المال, فقال انظروا في أهل الكتاب من كان عليه دين فسددوا عنه ففعلوا وبقي المال, فقال اعطوا أهل العلم فأعطوهم وبقي مال, فقال اشتروا به حبا وانثروه علي رؤوس الجبال, لتأكل الطير من خير المسلمين.
سيدي.. لا أعرف لماذا زارك الإحباط واليأس مبكرا..
ليس فقط بعد تخرجك, ولكنه بدأ منذ اصطدامك بواقع المدينة الكبيرة, بقيمها وأخلاقياتها المختلفة تماما عما عشته في قريتك الدافئة.
نعم المدن الكبيرة تكون قاسية, بلا قلب, خاصة لمن لم يخبرها, ولكن مثلك ليس أمامه إلا التعامل والتصالح معها مستندا الي ما رسخته القرية وعائلتك الطيبة في سني عمرك الأولي.. وهذا ما حدث عندما صنت نفسك من الانحراف أو الانجراف مثل زملائك, ولكن ما استوقفني هو رفضك لقانون المدينة القاسي وانفصالك في نفس الوقت عن واقعك الذي نشأت فيه وأحببته, ووقعت في دائرة الإحساس الدائم بالغربة.
الحب يغير الانسان ويجعل لحياته هدفا ومعني, لذا عدت إلي نفسك بعد أن تعددت اسئلتك عن جدوي وجودك واهمالك لذاتك دون مبرر واضح, هل لم تكن متفوقا في الجامعة كما كنت في الثانوية العامة؟
ما دفعني الي هذا السؤال أنك ترتكن دائما الي المرحلة الثانوية وتفوقك بها دون أي إشارة الي درجاتك العلمية في الجامعة.
سيدي.. تضع نفسك بين خيارين لا ثالث لهما, وفي الحياة خيارات لا تكون بين شيئين فقط وإلا لفشل الكثيرون وجلسوا في بيوتهم.
لم تقل لي في رسالتك رائعة الاسلوب ما هو مؤهلك, أي ما هي كلية القمة التي تخرجت فيها, فلربما أمكنني مساعدتك في توفير فرصة عمل, وإن كان هذا صعبا الان في ظل الظروف الصعبة التي تعيشها مصر وترتفع فيها نسب البطالة بين الشباب.. هذا الشباب الذي يرثي له منذ زمن وليس الآن فقط. فهل في مثل هذه الظروف القاسية علينا أن نستسلم إذا لم نعمل ما نحب وما نستحق وما نحن مؤهلون له؟
لا ياسيدي.. العالم كله يعاني فيه الشباب الآن من البطالة, والمحب الناجح مثلك عليه ان يحب ما يعمل الان حتي لو كان لا يليق به, فوجود فرصة عمل أيا كانت أفضل من المكوث في البيت, أعمل حتي تحافظ علي من تحب وبوجودها بجوارك ستعمل ما تحب في المستقبل.
النجاح لا يأتي إلا بالإصرار, وسيأتي يوم تتذكر فيه مع زوجتك وأبنائك هذا الكفاح, وثق بأن الله لا يضيع من أحسن عملا, وأن قدرك سيأتي اليك.
استفز في نفسك القوي الايجابية ولا تسلمها للإحباط واليأس, فالقوي السلبية لا تؤدي الا الي الفشل, فتذكر نجاحك في صغرك واستمد منه صلابتك في مواجهة قسوة الحياة التي لا تخصك وحدك بقسوتها, فالإنسان ياصديقي خلق في كبد, وليس لنا خيار الا ان نحياها,وبالإيمان والرضا والاصرار نحياها بسعادة ونجاح بالقدر الذي نسعي اليه وكتبه الله لنا. ولا تجعل انتظارك يطول فلم يكن في التاريخ البعيد والقريب الا عمر بن عبد العزيز واحد!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.