"تعليم السويس" ينهي استعداداته لانطلاق العام الدراسي الجديد    "ليكن نور".. المؤتمر الأول لذوي الهمم بإيبارشية حلوان والمعصرة    ما مهام مجلس النواب في دور الانعقاد السادس المنتقص؟    أسعار الفراخ والبيض اليوم الجمعة 19 سبتمبر 2025 بأسواق الأقصر    بدر عبد العاطي: نُحضر لمشروع سعودي تنموي عقاري سياحي للاستثمار في منطقة البحر الأحمر    1.6 مليار دولار صادرات مصرية.. تعرف على تطور العلاقات الاقتصادية بين مصر وإسبانيا في 2025    «حرب إسرائيل الأخيرة».. و«الرؤيّة الثلاثيّة»    الأهلي والهلال.. التشكيل المتوقع لكلاسيكو الكرة السعودية    ماذا قال مراد مكرم عن فوز الزمالك على الاسماعيلي بالدوري؟    «الداخلية»: ضبط 366 قضية مخدرات وتنفيذ 86 ألف حكم قضائي في 24 ساعة    أمطار على مطروح والإسكندرية.. توقعات حالة الطقس اليوم الجمعة 19 سبتمبر 2025    مصادرة 1100 علبة سجائر أجنبية مجهولة المصدر في حملة ل «تموين العامرية» (صورة)    "الاستحمام الأخير" يودي بحياة شاب في أبو النمرس    الداخلية تضبط أكثر من 98 ألف مخالفة مرورية فى 24 ساعة    واتساب يطرح ميزة التذكير بالرسائل لتسهيل متابعة المحادثات    ميراث النهر والبحر، فعالية تراثية تنطلق بدمياط تحت مظلة "البشر حراس الأثر"    فيديو - أمين الفتوى يكشف عن دعاء فك الكرب وكيف تجعله مستجاباً    أستاذ بالأزهر يوضح حكم استخدام السبحة: إظهارها حرام شرعًا في هذه الحالة    إجراء أكثر من 1000 عملية بمستشفيات العريش والشيخ زويد خلال 40 يومًا    مصادرة 90 شيشة بحملة مكبرة في الوادي الجديد.. صور    نائب وزير الصحة يتفقد منشآت طبية بكفر الشيخ    بعد الانتهاء من المرحلة الأولى.. "النقل" تعلن فتح الحركة على أجزاء من الطريق الدائري الإقليمي ابتداءً من غد السبت    أسعار الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 19 سبتمبر 2025    %56 منهم طالبات.. وزير التعليم العالي: المنظومة تضم حاليًا ما يقرب من 4 ملايين طالب    رسمياً.. مكتب التنسيق يعلن نتائج تقليل الاغتراب لطلاب الشهادات الفنية    في سابقة.. سيناتور أمريكي يقدم مسودة تطالب ترامب الاعتراف بفلسطين    الاتحاد الأوروبى يسعى للحصول على أغلبية لتوسيع العقوبات على إسرائيل    خدعة كاميرات المراقبة.. أبرز حيل سرقة الأسورة الذهبية من داخل المتحف    وزير الخارجية: نسعى لتعزيز التعاون المصري-السعودي لمواجهة التحديات الإقليمية    افتتاح الملتقى الدولي التاسع لفنون ذوي القدرات الخاصة بحضور 3 وزراء    صحة غزة: 800 ألف مواطن في القطاع يواجهون ظروفا كارثية    وزير الخارجية: نُحضر لمشروع سعودى تنموى عقارى سياحى للاستثمار بمنطقة البحر الأحمر    ملك وملكة إسبانيا يفتتحان إضاءة معبد حتشبسوت فى الأقصر.. صور    وحدات التضامن الاجتماعي بالجامعات تراجع الاستعدادات النهائية لاستقبال العام الدراسي الجديد 2025- 2026    أسعار المستلزمات المدرسية في قنا 2025: الكراسات واللانش بوكس تتصدر قائمة احتياجات الطلاب    "نور بين الجمعتين" كيف تستثمر يوم الجمعة بقراءة سورة الكهف والأدعية المباركة؟    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة فى سوهاج    دونجا: عبدالقادر مناسب للزمالك.. وإمام عاشور يمثل نصف قوة الأهلي    تشجيعاً لممارسة الرياضة.. نائب محافظ سوهاج يُطلق ماراثون "دراجو سوهاج" بمشاركة 200 شاب وفتاة    بلال: فقدان الأهلي لأي نقطة أمام سيراميكا سيفتح باب الأزمات بقوة    التضخم في اليابان يصل إلى أدنى مستوى له في عشرة أشهر    أول ظهور ل رنا رئيس بعد تعافيها من أزمتها الصحية    جامعة القاهرة تفتتح المرحلة الأولى من مشروع تطوير الحرم الجامعي    أفكار تسالي للمدرسة.. اعملي الباتون ساليه بمكونات على قد الإيد    درة تهدى تكريمها فى مهرجان بورسعيد السينمائي للشعب الفلسطيني    عمرو يوسف: مؤلف «درويش» عرض عليّ الفكرة ليعطيها لممثل آخر فتمسكت بها    زلزال بقوة 7.8 درجة يهز منطقة كامتشاتكا الروسية    إجلاء الآلاف في برلين بعد العثور على قنبلة من الحرب العالمية الثانية    التعليم: حملة موجهة من مراكز الدروس الخصوصية لإبعاد الطلاب عن اختيار البكالوريا    أسعار الذهب اليوم الجمعة 19 سبتمبر في بداية التعاملات    طريقة عمل الناجتس في البيت، صحي وآمن في لانش بوكس المدرسة    مصطفى عسل يعلق على قرار الخطيب بعدم الترشح لانتخابات الأهلي المقبلة    سعر الموز والتفاح والبطيخ والفاكهة بالأسواق اليوم الجمعة 19 سبتمبر 2025    سادس فيتو أمريكي ضد وقف إطلاق النار في غزة خلال عامين    بعد رباعية مالية كفر الزيات.. الترسانة يقيل عطية السيد ويعين مؤمن عبد الغفار مدربا    حي علي الصلاة..موعد صلاة الجمعة اليوم 19-9-2025 في المنيا    رحيل أحمد سامى وخصم 10%من عقود اللاعبين وإيقاف المستحقات فى الاتحاد السكندري    الدفعة «1» إناث طب القوات المسلحة.. ميلاد الأمل وتعزيز القدرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الغربة‏!‏

سيدي‏..‏ لا أدري ما جعلني أفكر في الكتابة اليك‏..‏ عندما أنظر لحالي‏..‏ أراني أحيانا أتعس الناس‏,‏ وأحيانا أراني في نعم لا أحسن شكرها‏.‏ إليك سيدي.. أنا شاب في عشرينات العمر.. يقولون إن تلك المرحلة هي أجمل سني الحياة, وقد التمست كل السبل لأفهم ما الذي يجعلها أجمل المراحل فلم أدر.
عشت طفولة سعيدة ملؤها حنان أمي وعطف أبي, واعتدت منذ صغري النزاهة في كل شيء واختيار أدق تفاصيل حياتي, ولأنني من أحد الأقاليم البعيدة عن العاصمة فقد كانت طفولتي هادئة جميلة, وكانت أقصي مشكلة يمكن أن أواجهها عندما أتغيب خارج المنزل فيقلق والدي علي ويوبخني لذلك.
مرت الأيام والسنون وكبرت وصار لي الحق في الخروج والتأخر كيفما شئت دونما مساءلة, وعلي عكس أخي الكبير فقد كنت مرحا بطبيعتي واستطعت أن أكون صداقات ومعارف, وكنت محبوبا من كل من يعرفني وكان الجميع يتنبأ لي بمستقبل باهر.
وهكذا سارت الأيام رتيبة إلي أن جاء ذلك اليوم الذي تعلن فيه نتائج الثانوية العامة, فقد حصلت والحمد لله علي مجموع كبير جدا حتي إنه قارب المائة بالمائة, وهكذا قررت الالتحاق بتلك الكلية العريقة, ومن ثم السفر الي القاهرة وترك بلدي البعيدة الهادئة.
لم يكن عندي شك في أن مستقبلي سيكون باهرا, وكيف لا فأنا لاعب كرة قدم موهوب, كما أنني طالب بإحدي كليات القمة, ومن ثم فلن يخرج مستقبلي عن هذين الاطارين.
انتظرت حتي ذلك اليوم الذي غادرت فيه بلدتي الهادئة وحياتي القديمة وسط دموع أمي التي ودعتني بحنانها المعهود, وجاء أبي ليشيعني الي الحافلة التي ستحملني الي العالم الجديد علي حد اعتقادي.
سيدي لقد كانت تلك هي نهاية حياتي.. بالطبع لا أعني أنني مت وانقلبت بي الحافلة أو شيء من هذا القبيل, ولكن كانت تلك اللحظة هي بالفعل نهاية حياتي الجميلة الهادئة لتبدأ مرحلة أخري, ما أقساها علي.
لقد غادرت الي القاهرة وهناك وجدت حياة مختلفة تماما, وحينها أدركت قيمة النعمة التي كنت فيها, وعرفت ان بلدي التي كنت أمل منها هي أجمل بلاد الدنيا, وأن هؤلاء الناس الذين عرفتهم هم أطيب الناس علي الإطلاق.
عشت في القاهرة طوال سنوات الدراسة, وهناك قدر لي أن أري نوعيات مختلفة من البشر, واعتدت علي التلوث الذي لم أكن أعهده في بلدتي الجميلة, وأنا لا أعني فقط تلوث المكان فقد عرفت كل أنواع التلوث حتي التلوث الأخلاقي, ومع ذلك فقد كنت والحمد لله ثابتا متمسكا بأخلاقي ومبادئي, ولم أتأثر بكل ما يحيطني من انحلال, ولم أدخن كما فعل أغلب زملائي بمجرد أن ابتعدوا عن أعين والديهم.
كونت صداقات كثيرة والحمد لله بفضل طبيعتي الاجتماعية.. ولم يكن قط يشغلني حينها أن أجد فتاة لأشاركها مشاعري كما يفعلون, فقد كنت أعلم تماما أن كل ما أراه حولي من علاقات ما هي إلا مشاعر عابرة سرعان ما تتحطم علي أول صخرة من المواقف الصعبة الحقيقية.
وللحقيقة فأنا أعلم تماما أن لي طبيعة طيبة ولله الحمد سرعان ما تنفذ في قلوب كل من يعرفها لذا فقد كنت علي يقين أن هناك عيونا كثيرة تراقبني وترغب لو شاركتني مشاعري, لكنني لم أعر ذلك أي اهتمام, ولم أفكر قط في أي علاقة من هذا النوع ولو علي سبيل التسلية.
عرفت في تلك المرحلة أشياء كثيرة.. عرفت المعني الحقيقي لأن تكون انسانا متحجرا بلا قلب.. كنت أعيش لا أدري لماذا؟ ولن أخدعك وأقول ان المذاكرة شغلتني.. لا, فقد كانت أيام الدراسة كلها مرحا ولعب كورة الي جانب قليل من المذاكرة, وأيام الإجازات شغلا, وبالطبع فقد كنت أسافر لأماكن بعيدة بحثا عن عمل صيفي أشغل به اجازاتي.. ومع اني والحمد لله من أسرة ميسورة الحال لكن قوانيننا تفرض عدم المكوث بالمنزل أيام الإجازات..
كنت أقضي شهورا طويلة دون أن أري أمي.. وصدقني سيدي لم يتعبني شيء في حياتي أكثر من ذلك.. لقد آلمني ذلك كثيرا, بل انني عندما كنت أعود للبيت أشعر بأنني في غربة.. فقد كبر أخوتي الصغار, وصار لكل منهم مكانه.. فهذا يجلس علي مكتبي الذي طالما لازمني في مذاكرتي.. وتلك احتلت سريري, وكنت لذلك لا أطيل المكوث في المنزل.. حتي الايام التي آتي فيها الي البيت لأنعم بحضن أمي كنت أقضيها خارج المنزل مع أصحابي القدامي.. لا أقصد البيت الا عند النوم فقط.
وهكذا انتهت اجازتي التي لم استمتع بيوم واحد فيها, ولم أشعر أصلا بأنها إجازة.. وعدت الي القاهرة لأنتظم في السنة الأخيرة بالجامعة.. كانت سنة ما أثقلها علي قلبي.. مكثت ليالي أفكر لم أعيش؟ وما هو الهدف من تلك الحياة الجافة... ربي انا علي يقين أن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لك يارب العالمين.. لكني مللت من تلك الحياة الجافة أريد شيئا من الحنان.
لقد سئمت تلك الحياة وأعياني ذلك ولم أعد ذلك الشاب الوسيم المتميز بين أقرانه.. صرت أطلق لحيتي لا أدري هل كان هذا ضربا من الورع, أم لأنني ما كنت آبه لنفسي؟.. فكرت كثيرا أن أترك الجامعة وأعود للمنزل حيث أمتهن أي شيء أعيش منه, وأكون بجوار والدتي, لكني أدركت أن ذلك أمر من الحماقة, كنت أعزي نفسي وأقول ما هو إلا عام وبعدها سأتخرج وأعمل وهناك لن أشعر بتلك الوحدة.. لكن هيهات.
صرت أحسد من حولي من أصدقائي علي تلك العلاقات الطائشة التي يعيشونها, ويخيل اليهم أنها ستكلل بالنهاية السعيدة, ولكني كنت أوقن انها لتمضية الوقت ليس إلا.. لكن كنت أحسدهم فهم علي الأقل يجدون من يشاركهم مشاعرهم.. كان بإمكاني الدخول في علاقات كثيرة لكني لم أخرج عن مبادئي فهذا الأمر مرفوض تماما بالنسبة لي..
كان لدي اعتقاد قوي.. هو أنني عندما أقع في الحب الحقيقي فلن أبحث عنه وإنما هو من سيجد طريقه إلي.. لا أخفيك سرا لقد أخفق قلبي لرؤيتها وبدأت أتابعها من بعيد.. لقد أدركت من الوهلة الأولي أنها من أبحث عنها أو تبحث عني قل ما شئت.
لقد كانت فتاة هادئة.. مهذبة.. جميلة.. متدينة.. ولا أريد أكثر من ذلك.. وأهم من ذلك كله أنها كانت مختلفة تماما عن هؤلاء الفتيات, فقد كانت عاقلة رزينة.. لم تكن خفيفة كمعظم البنات.
لم أكن أعرفها ولم يكن لي من سبيل اليها.. حاولت كثيرا التعرف عليها, ولكن باءت كل المحاولات بالفشل, فقد كنت أتراجع وأخجل بمجرد القرب منها, وقلت لنفسي لا تتعب نفسك فكل شيء مقدر ومكتوب.. أوشكت السنة الأخيرة علي الانتهاء وبقي أقل من اسبوع وهنا أيقنت انني لابد أن أنساها فلن يجدي ذلك, ولو استمررت في تعلقي بها لن أزداد إلا جرحا وهما.
لقد تعرفت اليها سيدي في تلك الأيام القليلة ولا أعرف كيف تم ذلك.. تحدثت اليها وكأني أعرفها من الآف السنين, وحدثتني بنفس الإحساس, فشعرت لو أنها تعرفني منذ زمن بعيد.. لقد كان كلانا يشبه الآخر تماما حتي وجدنا بيننا مفارقات لا متسع لذكرها.
وفي آخر يوم لنا بالجامعة قدر لنا أن نغادر معا, فقد كنا نسلك نفس طريق العودة.ظللت طوال الوقت أفكر في أن أعترف لها بمشاعري لكني لم استطع, وأخيرا جاء مفترق الطرق وعندما تفرقنا بكيت بشكل هيستيري.. لا أعرف ما الذي فعلته, لقد كانت فرصتي الأخيرة للاعتراف لكني لم أفعل.. عندها تذكرت ما كان يطمئنني دائما, تذكرت ان كل شيء مقدر ولو اراد الله لي أن أراها ثانية فلن يمنعني شيء ولو وقفت الدنيا أمامي.
وسبحان الله فقد قدر لنا أن نلتقي مرات عديدة, وكنت في كل مرة أشعر بقلبها يقول لي تكلم.. حتي جاء ذلك اليوم ووجدت نفسي أقول لها.. أنا أحبك.. لقد سكتت طويلا فلابد أن الكلام أخجلها وأربكها.. وبعد دهور من الصمت استطردت قائلة, أعرف اني كنت من الجبن ان اقولها لكن الان لم أعد احتمل كتمانها, ولا أعرف كيف قلتها.. فردت: لا أعرف ما أقوله لك.. فقلت لا تقولي شيئا فقط اصمتي.. فتساءلت: وبعدين؟ قلت لها ان كنت ترينني شخصا مناسبا لك فساعديني حتي أصبح جاهزا ونتزوج بإذن الله.
سيدي لقد كانت طوق النجاة الذي أنقذني من الغرق, صارت الحياة لها معني.. أحببتها بكل ما تحمل الكلمة من معني.. ولأننا أردنا لحبنا أن يخرج الي النور فقد أخبرنا أمهاتنا واتفقنا علي الخطوط العريضة للأمور.
قد تتعجب سيدي إذا أخبرتك أنها علاقة من نوع خاص مختلف تماما, فنحن لا نلتقي الا نادرا ويكون بعلم أهلينا ولا نتحادث هاتفيا كما معظم الشباب اليوم.. إنني أثق فيها تماما كما أثق في نفسي وهي كذلك.
انها تعني الكثير بالنسبة لي خاصة وقد سافر ابي الي الخارج واصطحب معه أمي. فقد اصبحت هي ذلك الجانب الرقيق في حياتي.. انها أمي الأخري.
سيدي لقد تخرجت واصطدمت بالواقع المرير..فلا فرص عمل مناسبة لي, وبالتالي انا عاجز عن اتخاذ أي خطوات في سبيل تحقيق حلمي بالزواج منها.. ونظرا لأن العمل في مجال دراستي يقتصر علي القليلين من أبناء الصفوة ويعتمد بشكل كبير علي الوساطة والمحسوبية فقد مللت البحث وأعياني ذلك.
تنقلت للعمل في عدة أماكن كلها قطاع خاص ولا تمت لمجال دراستي بصلة, وكل مكان يكون أسوأ من الذي يسبقه.. استغلال من اصحاب العمل ولا مقابل مادي معقول.. إنني أتعجب.. أتذكر ذلك اليوم عندما كنت افتخر بمجموعي في الثانوية العامة والذي يقارب100% لكن هل هذه هي النهاية؟ لا أجد حتي فرصة للحصول علي منصب محترم أثبت فيه كفاءتي.
لا أدري من ألوم؟ هل ألوم نفسي علي أني اخترت دراسة ذلك المجال الذي أحبه والذي تندر فرص العمل فيه؟.. أم ألوم ذلك الواقع الذي نعيشه.. أم تلك الحياة التي نحياها؟؟
أنا الآن بين نارين.. لو اني فكرت المضي للبحث عن عمل في نفس المجال الذي أحببته ودرسته, فبالطبع لن أهدر من عمري أقل من خمس سنوات علي الأقل لأضع قدمي في الطريق الصحيح, وعندها لا أظن أني سأحظي بذلك القلب الذي أحببته, ووجدت سعادتي معه.. ولو أنني مضيت قدما في اتباع حبي سأركز فقط في الحصول علي المال اللازم لتهيئة نفسي للزواج, وسأمتهن مجالات أراها دونية بالنسبة لي, ومن ثم فقد ذهبت هباء تلك السنون التي قضيتها في دراسة حقل لن أعمل فيه أبدا.
سيدي لو خيرت بين هذين الأمرين.. بالطبع سأختار الحب فسعادتي ومستقبلي مع من أحب.. حتي لو ابتعدت عن ذلك المجال الذي تمنيت العمل فيه.. ولكن للأسف حتي العمل في المجالات الأخري لا يسمن من جوع.
سيدي إن الوضع العام لمجمل الشباب في مصر يرثي له.. انني أري الحسرة والضياع في عيون كل زملائي في تلك المهن التي أتنقل بينها من يوم لآخر.. لا أدري لماذا صارت سنوات الشباب أسوأ سنوات العمر.
علمت الكهول يقولون ليت الشباب يعود يوما.. لكني أقول ليتني شبت الان فلم تعد الحياة تطاق.. كل ما أخشاه أن أفقد ذلك القلب الذي أحببته واطمأننت اليه بسبب سخافات ذلك الزمن المادي الذي نحياه.. فعندها لا قدر الله ستدمر حياتي وسأفضل الموت علي العيش في زمن أعجز فيه عن تحقيق أبسط أحلامي وهو الزواج ممن أحب.
رحم الله عمر بن عبد العزيز خامس الخلفاء الراشدين.. ملأ الدنيا عدلا حتي جاءوه يوما بالزكاة فقال انفقوها علي الفقراء والمساكين فقالوا ما عاد في أمة الإسلام فقراء ولا مساكين, قال فجهزوا بها الجيوش, قالوا جيش الإسلام يجوب الدنيا, قال فزوجوا بها الشباب, فقالوا من كان يريد الزواج زوج, وبقي مال فقال اقضوا الديون علي المدينين, قضوه وبقي المال, فقال انظروا في أهل الكتاب من كان عليه دين فسددوا عنه ففعلوا وبقي المال, فقال اعطوا أهل العلم فأعطوهم وبقي مال, فقال اشتروا به حبا وانثروه علي رؤوس الجبال, لتأكل الطير من خير المسلمين.
سيدي.. لا أعرف لماذا زارك الإحباط واليأس مبكرا..
ليس فقط بعد تخرجك, ولكنه بدأ منذ اصطدامك بواقع المدينة الكبيرة, بقيمها وأخلاقياتها المختلفة تماما عما عشته في قريتك الدافئة.
نعم المدن الكبيرة تكون قاسية, بلا قلب, خاصة لمن لم يخبرها, ولكن مثلك ليس أمامه إلا التعامل والتصالح معها مستندا الي ما رسخته القرية وعائلتك الطيبة في سني عمرك الأولي.. وهذا ما حدث عندما صنت نفسك من الانحراف أو الانجراف مثل زملائك, ولكن ما استوقفني هو رفضك لقانون المدينة القاسي وانفصالك في نفس الوقت عن واقعك الذي نشأت فيه وأحببته, ووقعت في دائرة الإحساس الدائم بالغربة.
الحب يغير الانسان ويجعل لحياته هدفا ومعني, لذا عدت إلي نفسك بعد أن تعددت اسئلتك عن جدوي وجودك واهمالك لذاتك دون مبرر واضح, هل لم تكن متفوقا في الجامعة كما كنت في الثانوية العامة؟
ما دفعني الي هذا السؤال أنك ترتكن دائما الي المرحلة الثانوية وتفوقك بها دون أي إشارة الي درجاتك العلمية في الجامعة.
سيدي.. تضع نفسك بين خيارين لا ثالث لهما, وفي الحياة خيارات لا تكون بين شيئين فقط وإلا لفشل الكثيرون وجلسوا في بيوتهم.
لم تقل لي في رسالتك رائعة الاسلوب ما هو مؤهلك, أي ما هي كلية القمة التي تخرجت فيها, فلربما أمكنني مساعدتك في توفير فرصة عمل, وإن كان هذا صعبا الان في ظل الظروف الصعبة التي تعيشها مصر وترتفع فيها نسب البطالة بين الشباب.. هذا الشباب الذي يرثي له منذ زمن وليس الآن فقط. فهل في مثل هذه الظروف القاسية علينا أن نستسلم إذا لم نعمل ما نحب وما نستحق وما نحن مؤهلون له؟
لا ياسيدي.. العالم كله يعاني فيه الشباب الآن من البطالة, والمحب الناجح مثلك عليه ان يحب ما يعمل الان حتي لو كان لا يليق به, فوجود فرصة عمل أيا كانت أفضل من المكوث في البيت, أعمل حتي تحافظ علي من تحب وبوجودها بجوارك ستعمل ما تحب في المستقبل.
النجاح لا يأتي إلا بالإصرار, وسيأتي يوم تتذكر فيه مع زوجتك وأبنائك هذا الكفاح, وثق بأن الله لا يضيع من أحسن عملا, وأن قدرك سيأتي اليك.
استفز في نفسك القوي الايجابية ولا تسلمها للإحباط واليأس, فالقوي السلبية لا تؤدي الا الي الفشل, فتذكر نجاحك في صغرك واستمد منه صلابتك في مواجهة قسوة الحياة التي لا تخصك وحدك بقسوتها, فالإنسان ياصديقي خلق في كبد, وليس لنا خيار الا ان نحياها,وبالإيمان والرضا والاصرار نحياها بسعادة ونجاح بالقدر الذي نسعي اليه وكتبه الله لنا. ولا تجعل انتظارك يطول فلم يكن في التاريخ البعيد والقريب الا عمر بن عبد العزيز واحد!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.