وسط انشغال العرب والمسلمين أنطلق أول أمس ماراثون القدس العالمي أو ماراثون أورشاليم الدولي من أمام مبني الكنيست الاسرائيلي ليمر بشوارع القدس الشريف بمشاركة اثنين وخمسين دولة وألاف العدائيين الاسرائيلين. وهذا الماراثون ليس مجرد حدث رياضي فهو محاولة جديدة من الاسرائيليين لادعاد وجود تاريخ يهودي مرتبط بمدينة القدس. فهناك تاريخ أخر يتحدثون عنه مرارا يروي أحداثا لم تكن. فاليوم تستخدم إسرائيل الرياضة لتغيير التاريخ والثقافة وتصنع تاريخا لا يعلمه أحد غيرها وتوثقه بطرقها الخاصة وتفرضه بكل الأدوات. وفي تقرير بالغ الأهمية للاسيسكو' المنظمة الاسلامية للتربية والعلوم والثقافة' الصادر عن مؤتمر القمة الاسلامية الذي استضافته القاهرة أخيرا هناك إشارة واضحة لما يحدث من ربط بين الآثار وحركات الاستيطان من خلال محاور للحفريات الاسرائيلية في القدس أولها محور الحرم الشريف والمنطقة المحيطة به وعلي مساحة واسعة نتيجة تدمير حارة المغاربة. وثانيهما عند حارة اليهود حيث حددت اسرائيل مساحة12% من مساحة الدولة القديمة ضمن مشروع إعادة بناء حارة اليهود وهي لم تسفر الا عن كشف عن شارع روماني وكنيسة من القرن الثاني عشر وسور يعود إلي الفترة الأغريقية. أما محور سلوان فقد تم تسمية هذا الجزء من المدينة بمدينة داوود ويتم توسعته يوميا لأنهم يبحثون عن قصر الملك داوود وان كانت الحفريات وإلي الأن لم تدل الا علي دلائل ضعيفة لا تمنحهم الحجة الأثرية علي وجودهم في هذا المكان. وحفريات القدس تتوازي مع التمدد الاستيطاني ومحاولات السيطرة علي العقارات في البلدة القديمة وخاصة في منطقة الخليل عند فندقي الامبريال والبتراء وهما من أملاك كنيسة الروم الارثوذكس. وهناك- وكما يشير التقرير- شبه إجماع بين غالبية المتخصصين في الأثار علي أن مدينة داوود العظيمة التي كانت عاصمة لإمبراطورية داوود الضخمة لم تكن سوي مكان أقل تطورا من الكثير من المدن المحيطة الواقعة بين بيت لحم ورام الله. نقطة أخري بالغة الأهمية تشير لي أن الحركات الاستيطانية هي الممول الاساسي لسلطة الآثار الاسرائيلية التي تتجاوز الثلاثة ملايين دولار سنويا. ومنهم علي سبيل المثال جمعية' عطيرت كوهانيم' التي تمول الحفريات شمال البلدة القديمة. وجمعية' إلعاد' التي تقوم بتمويل الحفريات في حي سلوان, وجمعية' تراث الحائط الغربي' وتمول الحفريات في ثلاثة مواقع قريبة من حائط البراق. وبالنسبة للحفريات داخل البلدة القديمة فهي ترتكز في تلة باب المغاربة و تهدف إلي إزالة معوقات الآثار أمام إدارة حائط المبكي لتوسيع الساحة التي تقع أمام حائط البراق وهي أكثر الحفريات تأثيرا علي الهوية الثقافية العربية للقدس,. ورغم أن البلدة القديمة توجد علي لائحة التراث العالمي للمواقع التاريخية الذي تصبح بموجبه ممنوع منعا باتا البناء فيها بكافة الاشكال الا ان هذا القرار وكما تؤكد الاسيسكو يطبق علي السكان الفلسطينيين فقط حتي ان هناك أزمة أثيرت ضد الأوقاف الاسلامية عندما رممت إسطبلات سليمان تحت الساحة الشرقية للمسجد الأقصي ففرضت سلطة الآثار الاسرائيلية عقوبات علي الاوقاف الاسلامية. وتوجد حفريات في النفق الغربي وتحت كنيس أوهل يتسحاق الذي يبعد عن المسجد الأقصي حوالي خمسين مترا غربا بالاضافة إلي حفريات بيت هتسلام وأرض الصبرة وبرج اللقلق. وقد كشفت الحفريات خارج الأسوار بالقرب من البلدة القديمة بأقل من خمسين مترا عن المسجد الأقصي عن وجود قبور إسلامية ومباني أموية قديمة. أما بالنسبة للأنفاق فلم يكشف التنقيب في النفق الغربي الا علي أساسات لمباني مملوكية وأيوبية وصليبية في حين أختلف الأمر بالنسبة لنفق عين سلوان الذي تسبب قي أزمة بعدما أكتشفته عالمة الآثار الاسرائيلية ايلات مازار لتقوم بإثارة الأقاويل حول حفريات المصلي المرواني بعد أن أعلنت عن اكتشاف النفق عام2008 وأرجعته إلي القرن العاشر قبل الميلاد في زمن الملك داوود. ويعد التغيير الذي ينفذ في محوري ماميلا( مأمن الله) أو ماء الله باب الخليل وصولا إلي ساحة البراق ومحور البستان( سلوان) وصولا إلي باب المغاربة ثم إلي ساحة البراق هما الأكثر تأثيرا علي الهوية العربية للقدس. ففي مقبرة ماميلا- كما جاء في كتاب كامل العسلي أجدادنا في ثري بيت المقدس- من المفترض ان يقام بها متحف التسامح برعاية الحكومة الاسرائيلية و بلدية القدس و مركز ويزنتال اليهودي بتكلفة تصل إلي أكثر من250 مليون دولار وهو ما يمس واحدة من أهم المقابر الاسلامية التي دفن بها أهم رجال القدس في الفترة من الحكم الأيوبي إلي الانتداب البريطاني. كما أن المقبرة ترتبط بمذابح لرجال الدين المسيحي الذين قتلوا أثناء الغزو الفارسي للقدس عام614 م. أما الأرض الوقفية فجرت مصادرتها وتحولت إلي حديقة الاستقلال. وهناك مشروع مجمع سكني ضخم يسمي بمدينة داوود الجديدة وسوق تجاري. وفيما يخص محور سلوان إلي حائط البراق فهو موكول بهدم منازل الحي لإيجاد حدائق الملك داوود لتشكيل حاجز من المواقع الآثرية بين شرقي القدس والبلدة القديمة.فالمقصود هو وجود حدائق تروي تاريخ واحد ووجهة نظر واحدة. وأسأل د. عبد العزيز التويجري مدير مؤسسة الاسيسكو عن هذا التقرير فيقول: هذا التقرير جزء من عمل هيئة الاسيسكو للعلماء الآثريين. وهذه الهيئة حديثة نسبيا وقد أجتمعت ثلاث مرات. ويعد هذا التقرير أحد أهم تقاريرها. وقد بدأنا بقضية مدينة القدس الشريف. وهذا التقرير يكشف الأعمال الاسرائيلية لتهويد القدس. وأخر الاعتداءات هو قيام إسرائيل بهدم مبني أثري بجانب حائط البراق و ينتمي إلي العهد الايوبي. واللجنة في تقاريرها الموسع رصدت هذه الأعمال ونرجو من الدول الاسلامية أن تتصدي لمثل هذه الاعمال وأن تعلنها صراحة عبر وسائل الاعلام. % - هذا ليس كل شئ. فمن قبل أصدرنا معجم الحضارة الاسلامية ونقدم الدعم لوزارات الثقافة و للهيئات المعنية بالاثار وتدريب العاملين علي صيانة الاثار وترميمها. وهناك إهتمام أخر يالمخطوطات ونعتبرها جزء لا يمكن إغفاله من التراث الحضاري ولهذا ندعم مراكزها و نتابع طرق الحفظ والمراجعة والتحقيق. وبالنسبة لما جري في مالي ما تعرض في الاسابيع الماضية للحرق سنقوم بارسال بعثة إلي مالي لنتعرف علي ما حدث من تدمير وما فقد منه من مخطوطات علي أرض الواقع. ولإعادة تشغيل مركز أحمد بابا وحماية مقتنياته التي سلمت من التدمير والحرق لأنه جزء من تراث العالم كله. *سؤال أخر هو حول حلقات الحوار الموجودة علي الساحة الثقافية منذ سنوات بهدف التواصل و نزع فتيل الخلافات بين العرب والغرب فماذا تحقق من وراء هذه الحوارات؟ - نحن لنا ملاحظة علي هذه الحوارات أنها كانت بلا استراتيجية. وهي حوارات وقتية. فلابد من برامج وأهداف ومراحل تنفيذية تراجع كل ما يتم إنجازه. وقد وزعنا وثيقة خاصة بالحوار الذي كان لا يبرح منطقة الثقافة. فالحوار يجب أن يكون شاملا وله جوانب إقتصادية وإجتماعية و معرفية. كما أن دور منظمات المجتمع المدني كبير في تحقيق فكرة التواصل وليس فقط مجرد إشراك للوصول إلي شكل من أشكال التنمية المجتمعية. فالمجتمع المدني هو من يقوم بمهمة التنفيذ الميداني. ولهذا تقوم الاسيسكو بالتعاون مع اليونسكو في إطار البرنامج المشترك في نهاية العام الماضي بتنفيذ العديد من أوراق العمل والحلقات الدراسية في أوربا وأمريكا الاتينية وجنوب شرق آسيا و الباسفيك لوضع آليات لتبادال الزيارات بين الشباب والعلماء والباحثين ومعالجة المشكلات والا يترك المجال للمهاترات وأصحاب الاهواء ليحكموا علي هذه التجربة. % - بالنسبة لمواجهة التشهير والكراهية للاسلام وقعنا إتفاقية مع اليونسكو والمجلس الأوربي و المنظمة العالمية الفرانكوفونية لمواجهة هذه الظاهرة التي يروج لها بعض المتطرفين وترعاها الأحزاب اليمنية المتطرفة.و لدينا مشروع كبير و نحن نتحدث عن الجانب العملي. فالاسيسكو تقوم بالعمل الميداني من خلال اصدار الدراسات وعقد الندوات لتصحيح المفاهيم الخاطئة عن الاسلام والمسلمين وأيضا تصدر البيانات التي توزع علي مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الدولية وحثها علي الوقوف أمام هذه الظاهرة التي إذا ما تفاقمت تصبح سببا في الصراعات بين أتباع الاديان المختلفة. واؤكد مرة أخري أن الحوار لابد أن يكون من خلال خطة عمل مرحلية بناء علي منهج علمي علي مراحل لنري ماذا تحقق في كل مرحلة ونقومه ولننظر كيف يمكن أن نطور العمل ونفتح مجالات جديدة أمامه. فلا يمكن أن يكون الحوار منفتحا لا ضوابط له ولا مراجعة وتجويد. وهل هناك من يحارب هذا الحوار أم انهم ينظرون ليه علي انه مجرد خطوات روتينية لا تؤدي في النهاية غلي شئ؟ أعتقد أن الذين يحاربون الحوار ويرفضونه هم الذين يريدون أن تستمر المشكلات معلقة وعلاقات شعوب العالم في التأزم والكراهية في الانفجار ومن هذا المنطلق أدعو الجميع وفي الغرب هناك عقلاءوقيادات فكرية و سياسية تهتم بالعلاقات بين الشعوب يعملون علي وضع تشريعات من خلال المجالس النيابية والبرلمانات لمعاقبة من يرتكب إساءة للأديان والرموز الدينية. فترك الأمر مفتوحا علي هذا الشكل سيغري كثيرون علي مهاجمة كل الأديان وستتحول العلاقات بين الشعوب إلي مهاترات وتراكم في عبارات السباب وهذه ليست أخلاق المتحضرين. % - ولكن هذا القرار ليس موجبا. ومجلس الامن إلي الأن لم يعتمد هذا القرار والدول الغربية عموما تتردد في إتخاذ قرارت تجريم الاساءة للأديان بحجة حرية التعبير المقدسة والمصونة. و هنا مفارقة عجيبة لأن هناك فرق بين حرية التعبير وحرية التشهير وأن تعبر عن أراءك بموضوعية وبما لا يجرح الاخرين ولا يمس كرامتهم فهذا هو الصحيح. أما غير ذلك فلابد أن تكون هناك عقوبات. فكما توجد عقوبات في كل أنحاء العالم علي كل من يرتكب جنحة أو يخالف المجتمع ينبغي أن يكون هكذا. وهناك سوابق لهذه القضية فلماذا تكون هناك عقوبات في الدول الغربية علي المشككين في المحرقة ويسيئ إلي معتقدات اليهود أو ما يسمي ضد السامية بينما تكون الاساءة للاسلام غير مجرمة.