ملامح الإحباط علي وجوه كل المسئولين والمتحدثين الرسميين باسم الجهات المكلفة بمتابعة هذا الملف في مقر مجلس الوزراء, وزارات الخارجية والداخلية والمالية, والشرطة والنيابة العامة. سبب الإحباط هو أن البريطانيين, كما يقولون, يعملون بجدية بالغة للوصول إلي الحقيقة وإعادة الأموال المسروقة إلي مستحقيها... ولكنهم يتهمون بأنهم يريدون الاحتفاظ بالأموال. لهذه الجدية شواهد مفاجئة, يقول مختلف المسئولين البريطانيين إنها لا تزال خافية علي المصريين. ومن هذه الشواهد: أولا: لم يرفض البريطانيون أي طلب مساعدة قضائية مقدمة من أي جهة مصرية لها علاقة بملف الأموال المنهوبة. ولكنها لم تقدم وفق المعايير القانونية البريطانية. وتطلب الهيئة المركزية في المملكة المتحدة, التي تتلقي مثل هذه الطلبات, إيضاحات وتعديلات بشأن بقية الطلبات حتي تفي بالمعايير القانونية والإجرائية البريطانية. وفي أول تصريح من نوعه قال متحدث باسم وزارة الداخلية البريطانية ل'الأهرام' إن الهيئة المركزية في المملكة المتحدة, المسئولة عن البت في هذه الطلبات قد تلقت في عام2011...17 طلب مساعدة قضائية.. وعددا آخر من الطلبات التكميلية.. والهيئة لم ترفض أيا من هذه الطلبات, وطلبت معلومات اضافية بشأن بعض الطلبات من أجل الاستجابة لها بشكل ملائم, وهذا ليس رفضا لأي طلب'. مساعدة كبيرة وأضاف مصر تلقت مساعدة كبيرة من عدد من مؤسسات وأجهزة الحكومة البريطانية لضمان أن تحتوي طلبات المساعدة المعلومات اللازمة لتمكين المملكة المتحدة من الموافقة علي الطلبات. ثانيا: بعد اتصالات استمرت شهور عدة, وصلت إلي القاهرة الأسبوع الماضي محامية منتدبة من هيئة ادعاء التاج( النيابة العامة) البريطانية للعمل مع السلطات المصرية لمدة12 شهرا لاعداد الملفات القانونية وفق المعايير القضائية البريطانية لاستعادة الأموال المجمدة. وتوصف هذه المحامية بأنها تتمتع بخبرة هائلة في هذه القضايا, سوف تعمل في مصر لمدة سنة علي نفقة الحكومة البريطانية. ويوضح المتحدث باسم الداخلية البريطانية إن مهمة هذه الخبيرة المحددة هي تقديم المساعدة اللازمة للسلطات المصرية في إعداد طلبات المساعدة القضائية لتمكين السلطات البريطانية من قبولها. ثالثا: بخلاف الشائع, لا تتركز تحريات وتحقيقات البريطانيين علي أموال وممتلكات قائمة ال19 الشهيرة التي تضم عائلة الرئيس السابق حسني مبارك, والمجمدة أرصدتهم وأموالهم في بريطانيا منذ عامين. وتؤكد المصادر البريطانية أن التحريات, التي تجري في أكثر من اتجاه وتشارك فيها أجهزة مختلفة, تشمل أي شبهة أو معلومة أو خيط ربما يقود إلي جرائم فساد مالي لها علاقة بأموال أو أرصدة أو ممتلكات في بريطانيا. مصر تعلم كل شئ وكانت مصر قد شكت, من أن البريطانيين لم يعطوا السلطات المصرية المعنية معلومات حتي عن الأصول المجمدة البالغ قيمتها85 مليون جنيه استرليني. غير أن البريطانيين يقولون إنهم لم يخفوا معلومات عن المصريين. وتؤكد الخارجية البريطانية, وهي إحدي جهات التنسيق مع الاجهزة المصرية إنه يجري إطلاع مصر عليها عن طريق أجهزة الشرطة والتحقيق المختصة. وردا علي تساؤلات الأهرام, قال متحدث باسم الخارجية البريطانية هذه العملية تسير بشكل جيد الآن ويجري تحقيق تقدم جيد بفضل التعاون بين الفرق القانونية البريطانية والمصرية. وكشفت الخارجية البريطانية عن أنه رغم مرور عامين علي تجميد الأموال المصرية في بريطانيا وسعي أصحابها بكافة الوسائل القانونية إلي رفع التجميد عنها بعد عدم تقديم مصر وثائق قاطعة تثبت صلتها بجرائم فساد في مصر, فإن لندن سوف تسعي لتجديد تجميد الأموال. وقال المتحدث باسم الخارجية البريطانية سوف نتعاون مع شركائنا الأوروبيين لضمان استمرار نظام العقوبات الأوروبي( بشأن قائمة الشخصيات المصرية المشتبه في ضلوعها في الفساد أيام نظام حكم مبارك السابق) في دعم الجهود التي تبذلها جهود الدول الأعضاء في الاتحاد الاوروبي لاعادة الأمول المسروقة عبر الأليات القانونية الملائمة. ويقول البريطانيون إن هناك إطارا مؤسسيا متاحا منذ نحو عشرين عاما للتعاون في مجال الاستخبارات المالية بين مصر وبريطانيا. وتؤكد المصادر البريطانية إن هناك تعاونا في إطار عملية إيجمونت الدولية التي تأسست عام1995, بهدف منع غسيل الأموال, وتمويل الأرهاب, وتبادل المعلومات. وفي إطار هذا المنتدي تتعاون بريطانيا ممثلة في وكالة مكافحة الجرائم الخطرة سوكا مع مصر ممثلة في وحدة مكافحة غسيل الأموال المصرية. قوة غير مسبوقة رابعا: شكلت الحكومة البريطانية' قوة مهمة خاصة' غير مسبوقة في العالم للتعامل مع ملف رد الاموال لدول الربيع العربي. وحسب خطة عمل القوة, فإن مصر تشكل محور عمل هذه القوة بسبب تعقد قضية أموالها المسروقة. وتخصص الشرطة البريطانية فريقا من المحققين المحترفين في القضايا المالية للعمل مع الجهات المصرية المختلفة في تتبع الأموال التي أخرجت من مصر وتحوم حولها شبهات فساد. وفضلا عن ذلك, يؤكد البريطانيون, إن هناك تنسيقا علي مستوي عال بين الاستخبارات المالية, والنيابة العامة والشرطة البريطانية, ونظيرتها في مصر. وحسب الخارجية البريطانية فإن هناك10 محققين متفرغين تماما للعمل ضمن قوة المهام الخاصة البريطانية لاستعادة الأموال'. وأضاف المتحدث باسمها أن القوة تجمع عاملين من الهيئة المركزية في المملكة المتحدة( المكلفة بتلقي طلبات المساعدة القضائية من الدول الأخري) وهيئة ادعاء التاج( النيابة العامة) ووزارات الخزانة والداخلية وشئون مجلس الوزراء والخارجية.. ويعمل كل هؤلاء بشكل وثيق مع ممثلي وزارة الخارحية في المنطقة( دول الربيع العربي). لماذا يتكبد البريطانيون كل هذا التكاليف دون أي مساهمة من الدول المستفيدة؟ لا يجد البريطانيون حرجا في الاعتراف بأن ملف الأموال المصرية المنهوبة كشف عيوب نظامهم المالي والقانوني القديم بالغ التعقيد. ويقولون إنهم يدركون تأثير ذلك علي صورة بريطانيا الحريصة علي ألا تتحول إلي ملاذ آمن للفساد أو أموال الفاسدين, والساعية إلي ضمان العدالة. وتعتقد السلطات البريطانية بأن رد أموال مصر المنهوبة يشكل تحديا لكنه يتيح فرصة ذهبية لتطوير أنظمتها المالية والقانونية. لماذا ليبيا؟ وأحد أسباب التحدي, حسب رؤيتها, هو أن الأموال التي تعتقد مصر أنها أموال عامة منهوبة ومهربة إلي بريطانيا, مسجلة باسم أشخاص لهم حق اللجوء إلي القضاء لتحدي أي خطوات قانونية في بريطانيا ضدهم. وفيما يتعلق بالمقارنة بالحالة الليبية, يقول البريطانيون إنهم أعادوا بالفعل6.5 مليار جنيه استرليني لأن هذه الأموال مسجلة باسم مؤسسات ليبية رسمية ولذا فإن من حقها قانونا أن تطلب استعادتها من بريطانيا دون أن يطعن فيها أي طرف. وتعطي لندن الملف بعدا دوليا. وتعد بأن تكون رئاستها لمجموعة الثمانية إطارا يساعدها علي تطوير نظامها ومساعدة مصر وغيرها من دول الربيع العربي لاستعادة الأموال. وقال المتحدث باسم الخارجية' إعادة الأموال.. والتعامل مع التدفقات المالية غير المشروعة( التي حصل عليها أصحابها بالفساد في دولهم) عن طريق زيادة شفافية أنظمتنا المالية يشكلان أولويتين رئيسيتين لرئاسة المملكة المتحدة لمجموعة الثمانية. ومن بين الأولويات أيضا مساعدة دول مجموعة الثمانية وشركائها في منطقة الربيع العربي علي إقامة أنظمة أكثر فعالية وشفافية لاسترداد الأموال. يرفض البريطانيون دائما التعليق علي الجدل الدائر في مصر بشأن تشكيل لجنة جديدة لاستعادة الأموال من الخارج بديلة عن اللجنة التابعة لجهاز الكسب غير المشروع في وزارة العدل. هذا شأن مصري خالص لا علاقة لنا به, يقول مسئول بريطاني, غير أنه يؤكد أن الملف قانوني وقضائي في المقام الأول ويتعلق بأدلة ومعلومات يجب أن تتمتع بمصداقية أمام المحاكم البريطانية بما يمكن السلطات من تجميد ورد الأموال. ويقول ندرك حجم الإحباط لدي المصريين بسبب عدم رد الأموال بعد عامين من الثورة.. ولكن تحقيق هذا الهدف سوف يحتاج إلي وقت.. نسعي عبر التعاون الوثيق مع مصر لأن يكون قصيرا قدر الإمكان.