قول المؤلف قاسم مسعد عليوة في تعريفه لروايته الغزالة إنها رواية غير مألوف الروايات.. رواية ككل الروايات.. ولن نندهش رغم ما قد يهب علينا من ألوان الدهشة ونحن نقرأ الرواية فللكاتب من لون الكتابة غير المألوف تجارب سابقة في قصصه القصيرة التي أعيد طبعها أكثر من مرة وتحت هذا العنوان غير المألوف, لكن ما الذي يجعل هذا شيئا مألوفا وذاك غير مألوف وقد تحولت الحياة برمتها عالما يستحيل فهمه بعد ما تشابكت وتداخلت واختلطت فيها كل الأشياء والمعاني والممكنات بل حتي ما كان يمكن أن يكون من المستحيلات!! في الغزالة سنتذكر علي الفور محمد بن النفري بمواقفه ومخاطباته, وفي الغزالة قد نري أمامنا بشكل ما سيدنا الخضر وتلميذه نبي الله موسي رغم فارق ما بين الشيخ والتلميذ في الغزالة والخضر وموسي في النص القرآني. نحن إذن بين شيخ وتلميذ أو طالب ومطلوب. لا يهم هنا ما قد يكون من فوارق السن أو الدرجة, المهم هنا هو المعرفة.. وهنا تحديدا في الغزالة لابد أن نستحضر غزالة ابن طفيل والفارق هو أن غزالتنا هنا تظهر من الحياة ما هو أكثر من الفكرة المجردة. ستطوف في الذهن تهويمات من النبي ل جبران وزرادشت ل فريدريك نيتشه, وقد نري إشارات من الحلاج ل صلاح عبدالصبور, والفرق أن غزالة قاسم عليوة غزالة عصرية تهتم باللحظة في الحاضر والآن وهي لا تدخل فقط مناطق القضايا الوجودية ومشكلاتها وإنما تتجاوزها إلي قضايا شغلت أمما قبلنا وستشغل أمما بعدنا. هي قضايا العدل والحرية والصراع من أجلهما. تقدم الرواية لنا صياغة جديدة لعلاقة جديدة وفاعلة مع القاريء تستنفر انتباهه لتساؤلات واسعة متراوحة بين السكون والحركة والتحقق والاغتراب في مشاهد قد تبدو متشظية إلا أنها تنبع جميعا من مصدر واحد عبر أزمنة متوازية ومتداخلة في قفزات مكانية مستمرة ومستويات لغوية متطورة يبدو خلالها الحلول الصوفي بجلاء, لكن الأحداث لا تنمو ولا تكتمل وسلوك الشخصيات لا يمتد ولا يخضع لسببية او لحتمية, أما الدلالات فيمكننا استخلاصها من تجاور الحكايات وتوازي الأمكنة ومقارنات الأفعال البشرية ورموزها ولعلها أن تكون رواية لأشياء لم تكن وكأنها يتقاطع فيها فعل الكتابة مع حركة الواقع فنري فيها العنصر التراثي والاستطراد والتكرار والارتجال والحوار الرمزي الافتراضي والاستعاري واختزال الزمن في لغة رامزة متألقة يتداخل فيها العالم الروائي مع الشعري من خلال بنية روائية لا تصف واقعا بعينه ولا تحاكيه ولا تتعالي عليه أيضا, لكنها تصور عوالم نادرة تجري في مخيلة السارد وتتداخل فيها الأزمنة والأماكن بانحرافات ذ- داخل المتخيل, إنها غزالة تقودنا إلي ما كان يمكن.. أو ينبغي أن يكون.