تصورت أنني سأحظي بمشاهدة عرض عالمي,.. كانت كل المقدمات توحي بذلك,. فالنص للشاعر والمؤلف المسرحي الاسباني الكبير لوركا,. والمخرج أيضا فنان إسباني هو ماركو ماجوا.. والانتاج للسفارة الاسبانية في القاهرة بالمشاركة مع دار الأوبرا المصرية.. والعرض علي مسرح الجمهورية أفضل مسارحنا وأكثرها فخامة خاصة بعد حريق المسرح القومي,. كانت الصدمة كبيرة في كم الأخطاء اللغوية التي سقط فيها أغلب الممثلين إلي درجة تؤكد عدم وجود مصحح للغة العربية, بالإضافة إلي جهل فريق التمثيل بأبسط القواعد التي يعرفها تلاميذ الابتدائي وأدت إلي جر الفاعل والمبتدأ,. الصدمة الثانية كانت في اختلاف مستوي الأداء بين مجموعة الممثلين, فبينما يتمتع البعض بموهبة واضحة مثل محمد الديب الذي قام بدور ليوناردو نجد البعض الآخر لا يعرف حتي كيفية الوقوف علي خشبة المسرح أو نطق الكلمات بوضوح بحيث تصل إلي أذن المشاهد. وكانت إحدي الممثلات تنطق اللغة العربية المكسرة بلهجة لبنانية تثير الضحك في الصالة, خاصة في المشاهد التراجيدية مما افسد احساس المشهد عند المتلقي, أما الصدمة الثالثة فهي في مشهد الفرح, حيث فوجئنا بموسيقي أغنية المخدرات لبعرور آه ياني ياني ياني.. موش هاعمل كده تاني, ويبدو أن المخرج أعجبته الجملة الموسيقية المصاحبة لعبارة وفضلت أدور علي نفسي فظل يعيدها ويكررها,. وهنا ظهرت مواهب الشباب في الرقص البلدي ولا أقول الشعبي لأن الفن الشعبي الحقيقي أرقي من ذلك بكثير.. أما نص مسرحية الزفاف الدامي فهو جيد وراق, ويطرح فكرة تعارض الحرية مع القيم والعادات والتقاليد السائدة في المجتمع من خلال قصة حب تجمع بين ليوناردو المتزوج وفتاة تبدأ المسرحية باستعدادها للزواج وكيف يتناقل الناس قصة الحب القديمة بالتلميحات والنميمة وتتم الخطوبة ومساومات أم العريس ووالد العروس, وحيث يحصي كل منهما مزايا ابنه ورؤيته للمستقبلوفي يوم العرس يصل ليوناردو الحبيب القديم علي حصانه كأول المدعوين ويلتقي بالعروس فتتأجج المشاعر بينهما ويهربان معا,. ويطاردهما أهل القرية بقيمهم الريفية ويتصارع العريس مع خاطف عروسه حتي يموتا معا.. بينما تبقي الحسرة والذكريات الأليمة لأم العريس وللفتاة التي خرجت عن تقاليد قريتها وحاولت أن تتبع مشاعرها دون تفكير في العواقب.. أجمل ما في العرض هو عزف العود المصاحب للمشاهد أحيانا بمذاق العود الشرقي وأحيانا باستخدام الأصابع دون ريشة ليعطي مذاق الجيتار الأسباني وما يثيره من حماس أو شجن وقام بالعزف رومي عدلي.. كما قام المخرج ماركو ماجوا بغناء مقطوعة أوبرالية بصوت جميل ولعلنا نعاود التعجب في سر انبهاره بأغنية بعرور؟! ربما أراد أن يقول إن الفرح الشعبي الذي قصد به لوركا المجتمع الأسباني في عام3391 هو نفسه الفرح في مصر1102, وأن الأحداث تكرر نفسها ما دامت الطبيعة الإنسانية كما هي, ومادامت التقاليد الاجتماعية تقيد الحريات, ترجم النص العالمي للوركا الدكتور حسين مؤنس وقام بالسينوجرافيا رامي البوتي والإضاءة لروبرتو سيردا. أما مجموعة الممثلين فأكثرهم تميزا وحضورا علي خشبة المسرح محمد الديب ليوناردو, دعاء هشام والدة العريس. أما العريس رومي طارق فهو موهوب في التمثيل والرقص, ويحتاج إلي تدريب كثير إذا ما أراد أن يمثل بشكل احترافي, والعروس شيماء تحتاج إلي الكثير من الجرأة والانطلاق في الأداء, فقد أوحت لنا في بداية العرض أنها فتاة خجولة ومنطوية عكس الفعل الدرامي بالهرب مع حبيبها, والذي لا يصدر إلا من شخصية قوية وجريئة إلي حد التهور, وأدت رهف دور زوجة ليوناردو المنكسرة, والتي تعرف أن زوجها يحب إمرأة غيرها ولكنها تؤثر الصمت حرصا علي كرامتها وصورتها أمام المجتمع, ولعل اختصار المسرحية لم يعطها الفرصة لتظهر أعماق الشخصية التي تؤديها وقام مصطفي جادو بدور والد العروس المزارع الحريص علي اصلاح الأرض وتنمية الثروة, وينظر إلي الزواج نفس النظرة إلي تناسل الماشية وزيادة الخير, بغض النظر عن مشاعر الزوجين, وهي من الشخصيات التي أجاد لوركا رسمها علي الورق, كما أجاد الممثل الشاب القيام بها برغم اختلاف طبيعتها عن سنه الأصلي, وهناك أدوار أخري مساعدة لعمرو صقر وأسماء وسارة ورهف, وإذا كانت التحية واجبة للسفارة الإسبانية في مصر علي دعمها للحركة المسرحية وتقديم عرض من انتاجها لمؤلف ومخرج إسباني فإن العتاب أوجب علي دار الأوبرا المصرية, والتي يجب أن تراقب تلك العروض لضمان جودتها ومنح الفرص للموهوبين وما أكثرهم, والحرص علي نطق اللغة العربية دون كوارث, فليس من المقبول أن تحرص إسبانيا علي ثقافتها, بينما نهمل نحن ثقافتنا ولغتنا إلي هذا الحد.