بانتهاء شهر أكتوبر العظيم وما يحمله من ذكريات النصر والبطولة أود أن أشيد بدور الخدمات الطبية للقوات المسلحة وما قامت به من مجهود للتعامل مع جرحي العمليات الحربية. وقد كان لي الشرف أن أقود الكتيبة الأولي الطبية للفرقة 18 مشاه ميكانيكيا إبان حرب أكتوبر وكنت وقتئذ برتبة المقدم وكانت من أوائل الوحدات الطبية التي عبرت قناة السويس وتمركزت في أنقاض بلدة القنطرة شرق, وكان يقود الفرقة العميد (وقتئذ) أ.ح فؤاد عزيز غالي وكانت أمامها سبع من الدشم الحصينة من خط بارليف وعبرت الكتيبة الطبية علي معديات يجرها لنشات وتمركزت في القنطرة وبدأت في استقبال الجرحي الذين كانوا يتوافدون إليها بجميع الوسائل وكان حملة النقالات بالكتيبة يتسابقون لإفراغ هذه العربات من الجرحي ونقلهم إلي مكان آمن حيث يقوم أطباء الكتيبة بإعطائهم الأسعاف اللازم والعلاج لدواعي انقاذ الحياة واعطائهم الدم الذي كان متوافرا بانتظام ثم تقوم عربات اسعاف الكتيبة بإخلائهم لغرب القناة حتي مستشفي الصالحية وكان سائقو العربات يتسابقون لإخلاء الجرحي والعودة سريعا لمقر الكتيبة وكان معظم الجرحي يرفضون الإخلاء ويريدون العودة إلي ميدان المعركة. وكنت عندما أخلو الي نفسي أدون مذكراتي التي بدأت في كتابتها منذ استلام المهمة وكانت مدفعية العدو بعيدة المدي التي كنا نطلق عليها (مدفعية أبو جاموس) تقصف المدينة. واستمر الحال علي هذا المنوال حتي يوم 19 أكتوبر حيث لاحظنا طائرتي استطلاع للعدو علي ارتفاع شاهق وفي اليوم التالي 20 أكتوبر أغارت طائرات العدو المدعمة علي موقع الكتيبة رغم مخالفة ذلك للقانون الدولي واستمر هذا حتي الساعة الخامسة مساء وضربت الكتيبة بجميع أنواع الصواريخ والقنابل والأشراك الخداعية وتعالت أصوات (الله أكبر والشهادة) وصيحات (أبانا الذي في السموات), حيث كان يوجد عدد من الأخوة المسيحيين بالكتيبة وقد استشهد في هذا اليوم من استشهد وجرح من جرح ودمرت معدات الكتيبة. وفي تقديري أنه بعد فشل العدو عدة مرات في اختراق الفرقة 18 أو تطويق مدينة بورسعيد لم يجد أمامه سبيلا سوي خفض الروح المعنوية للفرقة 18 بتدمير الكتيبة الطبية, رغم أنها كانت تعالج أيضا جرحي العدو من الطيارين الذي أسقطوا فوق القنطرة, ولكن هيهات فقد أمرت الافراد الباقين بجمع ما تبقي من مهمات وآلات طبية وذهبنا الي مكان آخر داخل البلدة وزاولنا عملنا الطبي حتي وقف اطلاق النار وفي المساء استعرنا بعض السائقين من الوحدات المجاورة وقمنا بإخلاء جرحانا ودفن شهدائنا, وفي الأيام التالية استعوضنا ما دمر من المعدات الطبية من المستودع الطبي المتقدم الذي كانت الخدمات الطبية قد قامت بدفعه مقدما احتياطا لمثل هذه الظروف. لقد كان كل هذا ملحمة رائعة محفورة في ذاكرتي, وتراودني في احلامي طوال السنين الماضية, وأنني أطالب بإسمي وبإسم شهداء الكتيبة أن يكون يوم 20 أكتوبر عيدا للخدمات الطبية في المعركة. لواء طبيب متقاعد سمير أبو طالب