تستهويني جدا قراءة الكتب التي تتناول طبائع الحيوان والطير والهوام.. سواء كانت هذه الكتب تراثية كحياة الحيوان للدميري وعجائب المخلوقات للقزويني وكتاب الحيوان للجاحظ, أو ما يتناوله كاتبنا الجميل محمد المخزنجي من ملاحظات ورصد بالغ الدقة والفتنة لحيوانات أيامنا.. هذا بخلاف ما تبثه قنوات ناشيونال جيوجرافيك وديسكفري من أفلام تسجيلية ثرية وشقية ومبهرة وفائضة بالمعرفة إلي حد يفوق التصور. وبمناسبة عيد الأضحي المبارك والتهنئة واجبة لكل أبناء الوطن أري أننا نستحق أن نحصل علي إجازة قصيرة, ونبعد قليلا عن كل هذا الزخم السياسي, لذا سأتحدث هنا عن حيوانات متصعلكة شاهدتها في الشوارع والمقاهي والمطاعم علها ترفه عنا بعض أيامنا هذه. وسأبدأ بالقط الصغير الذي لم يكن عمره قد تجاوز الأسبوع عندما وجده مدير المقهي فعطف عليه ونظفه بحذر بقطنة مبللة, ثم وضع له بعض الحليب الدافيء في طاسة الشيشة فلحسها الصغير متلهفا ثم حرك ذيله سعيدا وأدرك بفطرته أن هذا المكان صار وطنه, غير أن عين المدير ظلت تراقبه بقلق واقدام الزبائن تكاد تتخبطه والسيارات توشك علي دهسه.. ولم يسترح المدير إلا عندما التقطه ووضعه أمامه علي كيس النقود, لكن القط كان يفزع ويموء كلما قذف أحد عمال المقهي بالماركات علي الكيس وهو يخرج بما يحمله من مشروبات.. أو كلما رن الهاتف بغتة فأيقظ القط من سباته وجعله يرتجف.. هنا اهتدي المدير لفكرة بدت له جيدة.. فتح درج النقود العريض ووضع القط في نهايته.. وبدا القط سعيدا بمكانه الجديد... لا يخرجه صاحبه إلا للأكل والتبرز واللعب بعض الوقت في أثناء القيلولة.. حتي اشتد عوده وقوي وبدأ مسكنه يضيق به فحاول صاحبه أن يعيده إلي حياة الشارع, لكن القط قاوم وصمد حتي تخلي صاحبه عن هذه الفكرة أو أرجأها قليلا.. إلي أن جاء يوم والمدير علي وشك أن يلبي حاجته لدورة المياه.. فتح باب درج النقود قليلا ونظر المدير إلي القط الذي يبادله النظر ودار بينهما حديث متكرر وهو كالتالي.. قال المدير: سأدخل الحمام شوية وأرجع.. أوعي حد يقرب من الفلوس.. هز القط رأسه.. فذهب صاحبنا إلي الحمام مطمئنا. جاء صاحب المقهي للمرور في جولة تفتيشية مفاجئة لتفقد أحوال المقهي.. لم يجد المدير فسأل عامل النصبة عنه.. قال له العامل إنه بالحمام فجلس صاحب المكان مكانه وجذب درج النقود ليخرج دفتر ايرادات ومصروفات المقهي.. شعر القط اللابد في هدوء بأن هناك يدا غريبة تقتحم المكان وتنوي سرقة نقود صاحبه.. زام بصوت مكتوم وعندما امتدت اليد أكثر خربشها بأظافره الحادة.. صرخ صاحب المقهي من هول المفاجأة وأخرج يده بسرعة.. تطوع أحد العمال وقذف بالقط خارج المقهي.. قطع المدير خلوته وجر نفسه إلي داخل المقهي.. لم يبال بالدم السائل من يد ولي نعمته أو الدم المختنق في وجهه من الألم والغيظ.. ولم يهتم بنظرات التشفي أو العطف التي تطفو علي وجوه المحتشدين.. كان شاغله فقط.. ماذا حدث لقطه الصغير..؟ انحني والتقطه وضمه إلي صدره وظل يربت ظهره حتي هدأ القط واستكان.. لكن صاحب المقهي لم يهدأ وازداد ثورة وخير مديره بين أن يقذف بالقط إلي الشارع أو يغادر المقهي إلي الأبد. بلا مبالاة غادر المدير المقهي وقطه يرقد فوق ذراعه.. وأصر أن يأخذ باقي حسابه وقطه علي نفس هذه الوضعية يزوم في وجه صاحب المقهي.. والغريب أن القط لم يصمت إلا عندما غادر المقهي هو وصاحبه, هز ذيله سعيدا رغم أنه غادر وطنه الذي كان لا يرتضي عنه بديلا. وإليكم حكاية أخري في نفس الموضوع.. كنت ومازلت صديقا لأبناء الشاعر الغنائي الكبير مأمون الشناوي وكانوا جيرانا لنا في السبعينيات والثمانينيات.. وكانت لهم خادمة غلبانة ومسكينة اسمها فكرية يعطف عليها الأستاذ مأمون جدا.. لكننا كنا في الشارع نعرف عنها أسرارا لا يعرفها الأستاذ مأمون.. فقد كانت من مدمنات الكودافين, ولا يردعها أحد محبة في الأستاذ مأمون.. وكانت لأسرة الأستاذ مأمون كلبة صغيرة جريفون كانت رغم صغرها مصدر عكننة لفكرية.. فعندما تخرج بها إلي الشارع.. كانت كلاب الشارع الشرسة تطارد الكلبة الجريفون فتجري لاهثة منهم وهي تجر فكرية وتكاد تكفيها علي وجهها في الشارع.. وفي كل مرة تعود فكرية إلي المنزل وساقها تتجلط الدماء عليه وندبات علي ذراعيها وكدمات علي جبينها.. فتقسم بأغلظ الإيمانات أنها لن تخرج بها مرة أخري.. لكن أمام اصرار عائلة الأستاذ مأمون كانت ترضخ بعد أن وصلت إلي حل وسط يرضي الجميع.. أن تخرج بها لمدة ساعة فقط في الأسبوع.. وتتحمل في هذه الساعة كلاب الشارع مستعينة في ذلك عليهم بعصا غليظة.. مر أسبوع وآخر ثم وجدت حلا عبقريا من وجهة نظرها.. كانت بمجرد الخروج من باب العمارة تعطي الكلبة بضع جرعات من الكودافين تجعلها تنام بسرعة.. ثم تحملها وتخترق بها الشوارع وتعود بعد أن تفيق الكلبة وقد أدت فكرية واجبها في التسرية عن الكلبة.. لكن حدث يوم أنها أكثرت العيار فهدها التعب فجلست علي الرصيف مسندة ظهرها إلي جدار.. وغفلت عيناها قليلا وانسدلت طرحتها فغطت الكلبة التي في حجرها.. ظنها الناس الطيبون سيدة تشحت وعلي حجرها طفلها.. فأجزلوا لها العطاء.. استيقظت فكرية وفوجئت بهذه الهبات المالية.. وقررت أن يكون هذا هو طريقها الجديد في الحياة.. وبعد أن كانت رأسها أصلب من الحديد وهي ترفض الخروج بالكلبة أكثر من مرة في الأسبوع.. أصبحت تفتعل المشاوير للخروج بها يوميا.. ومرت الأيام بها جميلة وسخية, لكن يبدو أنها أصبحت تستخسر إعطاء الكلبة جرعات كبيرة وأعطتها جرعة صغيرة وطمعت في باقي الزجاجة.. فكانت النتيجة أن الكلبة لم تنل كفايتها من النوم. واستيقظت وسيدة عطوف تضع بعض النقود في حجر فكرية.. أزاحت الكلبة الطرحة وعقرت يد السيدة.. وحدثت فضيحة ومصيبة لفكرية التي أعلنت في قسم الشرطة توبتها عن التمشية بالكلاب وشرب الكودافين. المزيد من مقالات مكاوى سعيد