في هذا الجزء الأخير من محضر اجتماع مجلس الوزراء برياسة الرئيس جمال عبد الناصر يوم11 اكتوبر1961 قبل50 سنة وهو أول اجتماع للرئيس بعد حدث انفصال سوريا عن الوحدة مع مصر يشرح عبد الناصر افكارا مهمة حدد فيها: إن الثورة عاملت العناصر الرجعية في مصر بكل طيبة مما جعلها تظن أن ما حدث في سوريا يمكن أن يحدث في مصر. إن الثورة بنت بعض المصانع لكنها لم تغير البناء الاجتماعي خصوصا في الصعيد. إن هناك مسئولين في الوزارات يمدون الصحفيين بأخبار تثير البلبلة, يجب إنشاء جهاز رقابي منظم يجمع الأخبار المطلوب نشرها في الصحف من كل وزارة ويقوم الجهاز بنشرها عن طريقه, الأفضل والكلام موجه إلي الوزراء أن تتخلصوا من الصحفيين الموجودين لديكم لتتولي وزارة الإعلام عملية النشر. وكما يتضح فإن حادث الانفصال لم يترك آثاره في تفكير عبدالناصر فقط تجاه الذين قرر أنهم لا يمكن ان يكونوا مخلصين للثورة لأنها أخذت أموالهم, وإنما امتد هذا الأثر الي اتخاذه موقفا حادا من الصحفيين يمنع دخولهم الوزارات والحصول علي أخبارهم من المسئولين فيها وإنشاء جهاز في وزارة الإعلام يجمع الأخبار من الوزارات ويوزعها علي الصحف, وقد كان لهذه الخطوة أثر كبير أضر بالمهنة وحول الصحف القومية إلي نشرات متقاربة. وإلي محضر الاجتماع.. يقول عبد الناصر: في الفترة الماضية من28 سبتمبر كلكم سمعتم ملايين الإشاعات في البلد, من الذي يفعل ذلك؟ قالوا إن الجيش منقسم1961 وأن الضباط أعطوا انذارا, وانه اعتقل40 ضابطا وان هناك خلافا مع عبد الحكيم عامر وان الرئيس قد مرض وأصابه شلل.. كل هذا كنت أسمعه, فمن الذي روج هذه الاشاعات؟ انها العناصر الرجعية التي كانت منطوية تحت أجنحتنا في هذه الفترة والتي عاملناها بكل طيبة وانسانية, لقد ظنت ان هناك فرصة وأن ما حدث في سوريا من الممكن ان يحدث مثله في مصر ولابد أن يتحدث الناس, ولكن الحديث اليوم شيء وافتعال الأمور شيء آخر. فؤاد سراج الدين يذهب الي جنازة ويرسل بعض أعوانه ينتظرونه ويتجمعون كلهم في السرادق ويبدأ السب في العهد الحاضر ويزعمون ان الانجليز لن يتركوا هذا الأمر, ويكون من نتيجة ذلك بلبلة أفكار الناس, ولكن لم يكن له أثر علي الوضع العام لأننا استطعنا ان نري كثيرا من الناس علي حقيقتهم, ورأينا تصرفات بعض الناس لا تتماشي مع ما ننادي به. لقد كان هناك بعض الناس المحكوم عليهم بمدد تصل الي15 سنة سجنا وأفرجنا عنهم افراجا صحيا ثم وجدنا انهم لا يستحقون الافراج وانهم يظهرون بمظهر خادع فألغيت الافراج الصحي وتم اعتقال حوالي30 شخصا من العائلات الأساسية التي خرجت وهم من عائلات البدراوي وسراج الدين والوكيل. وقد وضعت أموال ما يقرب من200 شخص تحت الحراسة لان ترك أموال البلد في ايديهم لا يمكن بأي حال من الأحوال الا ان يستخدم هذه الأموال ضد مصلحة البلد. إذا نظرنا الي الصورة الاجتماعية في البلد نجد انها لم تتغير, ونخطئ خطأ كبيرا اذا تصورنا اننا قد غيرنا صورة المجتمع في عشر سنوات, لقد بنينا بعض المصانع ولكن هل تغير البناء الاجتماعي في البلد خصوصا في الصعيد؟ في الصعيد بالذات مازالت الحالة كما هي, وبالنسبة للأموال فهي في يد هذه الطبقة, أما الطبقة التي نعمل من أجلها فهي أضعف من الضعف, كل واحد فيها مشغول بعمله اليومي, وأنا أعتبر أننا في ثورتنا الاجتماعية أو الاشتراكية اذا كنا نريد مساواة بين الناس فيجب ان يكون هناك تكافؤ كامل في الفرص. المدافع مصوبة الينا وانني أكرر مرة أخري ان المدافع كلها مصوبة الينا, جميع محطات الاذاعة السرية مصوبة الينا, الشرق والغرب والشيوعية كلها ضدنا, وفي العدد الأخير من مجلة رسالة السلام والاشتراكية هناك مقال كتبه أحد كتاب المانياالشرقية يقول فيه إن جمال عبد الناصر هو أدولف هتلر الشرق الأوسط والفرعونية والناصرية المبنية علي كذا وكذا..., وأخيرا في نهاية المقال دعوة صريحة الي تقويض هذا النظام ومن الطبيعي ان الصحف التي تصدر باسم الصهيونية فيها نفس الشيء. وأذكر في عام1955 انهم طلبوا منا ان نبتعد عن العرب وهم يعطوننا المساعدات التي نطلبها ولكننا رفضنا لأننا كنا سنصبح دولة تابعة مثل تركيا أو تايلاند.. أنني اعتقد ان الدفاع عن مصر لا يكون في مصر وحدها ولكن في الدائرة المحيطة بها ولم نستطع القول بأنه في امكاننا ان نتبع سياسة انعزالية في بلدنا, لانهم لن يتركونا ابدا في بلدنا, بعض الناس يقولون: وما شأننا نحن بالعرب؟.. لقد كانت سياستنا أصلا سياسة دفاعية ولم تكن هجومية, ولكن حلف بغداد كان الغرض منه العزل, فالشرق يعمل للعزل وكذلك الغرب, الشرق يعمل للعزل لأنه يعتقد انه قد يستطيع أن يمكن للشيوعيين هنا, والغرب يعتقد انه قد يستطيع ان يمكن للموالين له تحت اسم الديمقراطية البرلمانية وهي أشد أنواع الديكتاتورية البرلمانية. فإيران فيها برلمان, ولكن الغرب يستخدم هذه الديمقراطية البرلمانية كما يسميها من أجل تدعيم عناصر معينة وقتل باقي العناصر. قوتنا في العالم العربي رغم كل هذا قوة كبيرة جدا, ففي سوريا لا يمكن ان يكون الشعب العربي مجمعا علي ما حدث, ولكننا نجد ان الاقطاع والرأسمالية والانتهازية والقوميين السوريين والشيوعيين يعتبرون ان وجودنا يهدد مصالحهم, وكذلك الحال في الاردن والسعودية والعراق, لا نستطيع ان نقول انه لاشأن لنا بما حولنا حتي لا يتمكن اعداؤنا من الدائرة المحيطة بنا, انهم لن يتركونا ابدا الا اذا اطبقوا علينا ووضعونا داخل مناطق النفوذ, ولهذا اعتبر ان مهمتنا صعبة جدا وليست مجرد وضع الخطة وتنفيذها, فوضع الخطة وتنفيذها وبناء المصانع ممكن ان يسير, ولكن اذا لم يسر معه البناء السياسي بطريقة سليمة فإننا سنقابل عقبات مستمرة. وينتقل عبد الناصر الي الحديث عن الصحافة فيقول: إن هذا يجرنا الي موضوع آخر وهو موضوع الصحف. فالصحفيون يريدون ان ينشروا أي شيء لأنهم لو ذهبوا الي دور الصحف التي يعملون بها وليس معهم اخبار فسيقال لهم بأنهم لم يعملوا شيئا.. وهناك أناس غير مسئولين في الوزارات يحاولون ان يمدوهم بأخبار اعتقادا منهم ان هذا يفيد, واعتقد اننا يجب ان نقلل من التصريحات الصحفية خصوصا في الوزارات الجديدة مثل وزارة الاصلاح الزراعي, حيث يحتاج الوزير الي شهر علي الاقل لكي يدرس اعمال وزارته, فيجب ألا يصرح بأنه سيعمل كذا وكذا لان كل الناس ستضحك منه ساخرة, ثم نجد مديري المكاتب يمدون الصحفيين بكلام من هذا القبيل, هذا في الوقت الذي لا توجد فيه رقابة علي الصحف وان كان هناك توجيه فقط, ان أول ما يجب ان نعمله هو أن نلم كلامنا بعض الشيء في الصحف, وعبد القادر حاتم وزير الاعلام موجود ومن الممكن انشاء جهاز رقابي منظم يوجد به موظف مسئول عن كل وزارة لتجميع الأخبار التي يراد نشرها في الصحف لتنشر عن طريق هذا الجهاز. وأي صحفي يريد ان يكتب أي شيء يصطاد أي موظف صغير في مكتب الوزير ويأخذ منه أي كلام ثم يرسله الي جريدته, والافضل ان تتخلصوا من الصحفيين الموجودين لديكم ليكونوا عند عبد القادر خاتم, ومن يريد نشر شيء يرسله له ويتولي هو عملية النشر, وقد قلت هذا الكلام منذ عامين والصحفيون لا يتكلمون عن هذه الأمور فقط ولكنهم يتكلمون أيضا عن الأمور المتعلقة بخبايا الوزارات, وانا اذا احتجت الي معرفة معلومات عن كل وزارة فإني أحصل عليها من الصحافة. لان الصحفيين كالجواسيس عملهم هو الكلام عن كل صغيرة وكبيرة. المزيد من أعمدة صلاح منتصر