تمت الموافقة علي إصدار قانون العزل السياسي لمن أفسدوا الحياة السياسية خصوصا أعضاء الحزب الوطني الديمقراطي المنحل وذلك قبل غلق باب الترشح لمجلسي الشعب والشوري بأيام معدودة!!. وليت القانون تضمن أحكاما واضحة وقاطعة بعزل من تسببوا في إفساد الحياة السياسية علي مدار العقود الثلاثة الماضية لفترات محددة, فلقد جاءت المعضلة في نصوص بنود القانون التي لم تحدد بشكل قاطع من هم المقصودين بهذا العزل (إن حدث), وإنما رسخت النصوص مبدأ (علي المتضرر اللجوء للقضاء) فعلي أي مواطن يري في أي عضو من أعضاء الحزب الوطني المنحل أو آخرين أنه قد أفسد الحياة السياسية في مصر في العصر السابق أن يتقدم بما لديه من مستندات, تؤكد صحة دعواه إلي النيابة العامة للتحقيق فيها, وإذا رأت صحة وقانونية الدعوي تقوم بتحويله للقضاء الذي يتخذ ما يراه مناسبا من أحكام في ضوء تحقيقات النيابة العامة وما استطاع المدعي أن يجمعه من مستندات وقرائن تؤكد صحة دعواه. وفي رأيي أن هذا المسلك هو الطريق الأمثل لإقرار الحقوق وسيادة القانون, ولكن إذا ما توافرت الفترة الزمنية المناسبة والكافية لكل هذه الإجراءات, أما وأننا قد ضيعنا الشهور تلو الأخري منذ مارس الماضي وحتي أكتوبر الحالي, فإن تطبيق هذا الشكل (الأمثل نظريا) لن يأتي بالغرض منه والمتمثل في حماية الانتخابات البرلمانية القادمة من أن يتسلل إليها فلول النظام السابق ممن أفسدوا الحياة السياسية والديمقراطية طوال العقد السابق (علي أقل تقدير). وبالنظر إلي شريحة المتقدمين للانتخابات البرلمانية حتي الآن نجد أن هناك نسبة غير قليلة ممن تقدموا بأوراق ترشيحهم لخوض انتخابات مجلسي الشعب والشوري المقبلين ممن يمكن أن تطولهم دعاوي العزل بسبب إفساد الحياة السياسية في السابق, وفي حالة قبول هذه الدعاوي والحكم فيها (وهذا لن يتسني قبل بضعة أشهر من الآن علي أفضل تقدير), وفي حالة نجاحهم في الانتخابات المقبلة, وهو احتمال كبير الحدوث, وبما لديهم من خبرات سابقة في حشد البسطاء والفقراء بالمال, وبما لديهم من عزوة عائلية وقبلية في دوائرهم, فإننا من المؤكد سوف نواجه بالعديد من أحكام العزل لأفراد أصبحوا بالفعل نوابا من المجلسين!! وسوف يترتب علي ذلك العديد من حالات إسقاط العضوية وإعادة الانتخابات لاختيار نواب جدد للعديد من الدوائر الانتخابية, بما يؤثر حتما بالسلب علي استقرار المجلسين الموقرين. ونظرا لضيق الوقت بين إصدار قانون العزل وغلق باب الترشيح لعضوية مجلسي الشعب والشوري وبما يستحيل معه رفع الدعاوي والتحقيق فيها وإحالتها للقضاء والبت فيها قبل الانتهاء من عملية الترشيح والانتخاب, فإنني كنت أتوقع أن يخرج علينا قانون العزل محددا بشكل قاطع للأشخاص الذين يطبق عليهم القانون, ليس بالأسماء ولكن بالمسميات الوظيفية السابقة في الحزب المنحل, و كنت أتوقع أن يحدد القانون المعزولين من ممارسة حقوقهم السياسية لمدة خمس سنوات قادمة برؤساء الحزب السابقين, الأمناء السابقين للحزب, والأمناء المساعدين, وأمناء المحافظات, ورؤساء اللجان الرئيسية وأعضائها, وأعضاء مجلسي الشعب والشوري في الدورة السابقة من أعضاء الحزب الوطني المنحل أعتقد أننا كنا بهذا الشكل سنتمكن علي الأقل من استبعاد 80% من رؤوس الفساد السياسي والديمقراطي السابقين. أما وأن حكومتنا قد قررت اتباع الأسلوب القانوني الأمثل لاتخاذ إجراءات العزل في الوقت غير الأمثل علي الإطلاق, وبعد أن ضيعت الشهور التي كان من الممكن أن تنهي هذه المعضلة بشكل قانوني سليم, فإنني أري أنه قد وقع عبء التصحيح الآن علي المواطن المصري والحر وضميره ووعيه السياسي, وإن كنا لن نستطيع العزل الآن بقوة القانون فليكن عزلنا لهؤلاء المفسدين بالكشف الصريح للأسماء بالمستندات والقرائن في مختلف وسائل الإعلام حتي يعلم الناخب العادي الغث من السمين, وحتي لا يقع ضحية فقط للفلول, وإنما الفلول والذيول والمتنطعين ومرتدي عباءة الدين والمتاجرين بأحلام الشباب من الشباب وغيرهم. إنني لا أري في قانون العزل مهما كان شكله وإجراءاته أي جدوي أو نفع, لأنه حتي لو طبق علي مفسد ما, فإنه سوف يحل محله للمعترك السياسي والديمقراطي من أبنائه أو عصبته أو عشيرته من يمثله, وعليه فلا نلومن إلا أنفسنا وسذاجتنا إن قمنا بإفساد ثورتنا بأيدينا بإعادة انتخاب من سرقونا ودمروا حياتنا السياسية والاقتصادية والديمقراطية والاجتماعية من فلول النظام السابق واتباعهم والمتواطئين معهم, سواء كانوا من أعضاء الحزب الوطني الديمقراطي المنحل أو أي أحزاب أو جماعات أخري د. خالد السيد حسن - عضو مجلس إدارة الجمعية المصرية لدراسات المهجر