ثمة ميراث ثقيل من سوء الفهم المتبادل أثقل العلاقة بين القضاة والمحامين بمشاكل عديدة أعاقت حسن الثقة بينهما, وهناك سجل من حوادث سابقة لم يتم معالجة آثارها علي نحو يضع علاقات الطرفين علي أرضية جديدة من الثقة والاحترام المتبادل, الأمر الذي أدي إلي تفاقم ردود أفعال المحامين الغاضبين من مشروع قانون استقلال السلطة القضائية, إلي حد أنساهم أنهم جزء من العدالة يشكلون جناحها الآخر, ودفعهم إلي أن يورطوا أنفسهم في إغلاق المحاكم بالخنازير, ومنع القضاة من الدخول وتعطيل مصالح المواطنين واهدار علاقات الاحترام المتبادل بين القضاء الواقف وقضاء المنصة, خاصة أننا ازاء مقترحات لم ترق بعد إلي ان تشكل مشروع قانون للسلطة القضائية, لم يقرها المجلس الاعلي للقضاء, ولم تذهب إلي الحكومة لصياغتها في مشروع قانون مكتمل ولم يصادق عليها المجلس العسكري السلطة العليا في البلاد, فضلا عن أن القضاة منقسمون انقساما حادا حول مواد مشروع القانون التي صاغتها لجنة المستشار مكي بتكليف من رئيس المجلس الاعلي للقضاء, والمشروع الآخر الذي تمت صياغة بنوده في نادي القضاة, وان كان الفريقان وحدا صفوفهما في مواجهة هجمة المحامين! ويزيد من عمق الازمة سوء التوقيت الذي ربط بين انتخابات مجلس نقابة المحامين وصدور قانون السلطة القضائية الذي حول خلافا محدودا كان يمكن حصاره وتصفيته إلي مباراة في التشدد بين الجانبين دفاعا عن حق المحامين في تأدية واجبهم بما يضمن كرامة الدفاع وحق القضاة في توقير المحكمة واحترام منصة القضاء. والحق أن المشكلة كان يمكن ان تجد حلها في الاجتماع الذي عقده المستشار الغرياني رئيس المجلس الاعلي للقضاء مع مجموعة من كبار المحامين غير المرشحين في انتخابات مجلس النقابة, تعهد خلاله بحذف المادة91 التي يري فيها المحامون مساسا بحقوق الدفاع لانها تعطي للقاضي الحق في اتخاذ اجراءات رادعة ضد من يقوض انتظام جلسات المحكمة, كما أفصح عن عزمه علي ان يركز قانون السلطة القضائية فقط علي البنود المتعلقة باستقلال القضاء دون أية اضافات أخري خارج هذا السياق, لكن مزايدات الانتخابات وردود أفعال أندية القضاة غضبا لكرامة القضاة الذين منعوا من دخول المحاكم زادت القضية تعقيدا وأدت إلي تصعيد متبادل, كانت نتيجته التعطيل الكامل لمرفق العدالة ربما للمرة الاولي في تاريخ القضاء! بينما وقفت الحكومة حائرة بين الطرفين, عاجزة عن التدخل لا تستطيع الانحياز إلي أي منهما وتعجز عن تحقيق مصالحة بينهما, وكما يرفض القضاة تأجيل نظر قانون السلطة القضائية إلي ما بعد انتخابات البرلمان لان ذلك ما يريده المحامون, يرفض المحامون فتح المحاكم قبل الحصول علي تنازلات مكتوبة! فزورة صعبة ومرة تبحث عن حل, تكشف عمق الفوضي التي تعيشها البلاد والانتخابات البرلمانية علي الأبواب! المزيد من أعمدة مكرم محمد أحمد