لم يكن غريبا ولا مفاجئا أن الذين أنصفوا حرب أكتوبر وعرفوا قدرها حق المعرفة في كتاباتهم وتحليلاتهم ومؤلفاتهم علي مدي ال38 عاما الماضية هم كبار الخبراء والمحللين الاستراتيجيين علي مستوي العالم, والسبب يرجع ببساطة إلي أن هؤلاء الخبراء هم أكثر الناس فهما وإدراكا للمعجزة الكبري التي صنعها ضباط وجنود القوات المسلحة المصرية بعبورهم قناة السويس بهذه الدرجة من السرعة والجسارة, وقلة الخسائر البشرية قياسا علي ما هو معروف في قواعد العلوم العسكرية بأن عبور الموانع المائية كان ولا يزال من أشق العمليات وأعقدها وأكثرها احتياجا للمزيد من التضحيات البشرية.. فما بالنا إذا كان المانع المائي هو قناة السويس الذي يفوق كل ما سبقه من موانع مائية في سجل الحروب التاريخية. كانت هناك ظاهرة المد والجزر حيث يختلف منسوب المياه في القناة تبعا لارتفاعها وانخفاضها في اليوم الواحد عدة مرات ويبلغ فارق المنسوب نحو مترين في منطقة جنوب القناة قرب ميناء السويس كما كانت هناك أيضا مشكلة سرعة التيار واتجاهه, حيث تتميز القناة بشدة التيار وسرعته والتي تبدأ من18 مترا في الدقيقة في القطاع الشمالي وتصل إلي90 مترا في الدقيقة في القطاع الجنوبي.. والأصعب والأخطر من ذلك أن اتجاه التيار يتغير دوريا كل6 ساعات من الشمال إلي الجنوب وبالعكس. والحقيقة أن قناة السويس كانت تنفرد عن سائر الممرات والموانع المائية في العالم بأنها ذات شاطيء شديد الانحدار ومغطي بستائر أسمنتية وحديدية رأسية تمنع نزول وصعود المركبات البرمائية إلا بعد توفير تجهيزات هندسية دقيقة ومتينة.. وأيضا فإن قناة السويس التي يتراوح عرضها بين180 220 مترا ويصل طولها إلي175 كيلو مترا يبلغ عمقها مابين16 و18 مترا ينخفض سطح المياه فيها عند حافة الشاطيء بنحو مترين, الأمر الذي يتعذر معه إتمام أي عملية عبور لا طفوا ولا خوضا ولا سيرا علي القاع! وغدا نواصل الحديث خير الكلام: لولا الدماء تراق ما رأينا أمة.. تبلغ من المجد العريق مناها! المزيد من أعمدة مرسى عطا الله