«التعليم العالي»: إعلان القائمة المبدئية للمرشحين لمنصب رؤساء 5 جامعات أهلية    محافظ البحيرة تستقبل وزير العدل وتشيد بجهود الوزارة    نتيجة تقليل الاغتراب 2025 عبر موقع التنسيق الإلكتروني.. الرابط والخطوات فور ظهورها    ‫وزيرة البيئة تترأس أول إجتماع لمجلس إدارة تنظيم إدارة المخلفات    هيئة التأمين الصحي الشامل تشارك في مؤتمر طوكيو الدولي للتنمية    وزير الخارجية: حماس وافقت على غالبية البنود الواردة بمقترح ويتكوف    «مدبولي»: مصر أنفقت 550 مليار دولار لتطوير البنية التحتية    النصر واتحاد جدة في مواجهة نارية لحسم نصف نهائي السوبر السعودي    9 ملايين جنيه في قبضة الأمن .. ضربات متلاحقة لتجار العملات خارج السوق المصرفي    «الأرصاد»: ارتفاع تدريجي على معظم أنحاء الجمهورية اليوم    نقابة السكة الحديد تكرم رئيس قطار فيديو واقعة «الشورت»    أسماء 4 نقاد كبار علي جوائز أفضل مقال أو دراسة حول الأفلام القصيرة جدا    خالد الجندي: هذه العبادة دليل على محبة الله لعبده    نائب وزير الصحة تتفقد عدداً من المنشآت الصحية في شمال سيناء    «100 يوم صحة» تقدّم 52.9 مليون خدمة طبية مجانية خلال 34 يومًا    بسبب سافينيو.. مانشستر سيتي ينسحب من سباق رودريجو    مصدر ليلا كورة: الأهلي يقترب من إنهاء إجراءات رحيل وسام أبو علي بعد وصول القسط الأول    إعلان القائمة المبدئية للمرشحين لرئاسة جامعة أسيوط الأهلية    وزيرا الكهرباء والبترول يبحثان العمل المشترك لتوطين الصناعة ونقل التكنولوجيا    ترامب: على الأمريكيين انتخاب رئيس جيد في المستقبل لتفادي تكرار الأزمة الأوكرانية    الجيش الاردنى ينفذ إنزالا جويا جديدا للمساعدات فى غزة    لليوم الثالث.. محافظ القاهرة يقود حملة لإعادة الانضباط لمدينة معًا بحي السلام ثان    ما علاج الفتور في العبادة؟.. أمين الفتوى يجيب    الدوري الإسباني.. "ثغرات تأمينية" تهدد عودة برشلونة إلى كامب نو    تقارير: وفاة رزاق أوموتويوسي مهاجم نادي الزمالك السابق    وسط أجواء فنية ساحرة.. "صوت مصر" يعيد أم كلثوم لواجهة المشهد الثقافي    "فلسطين 36" ل آن ماري جاسر ممثلًا لفلسطين بجوائز الأوسكار عام 2026    أسرة عبدالحليم حافظ تكشف حقيقة بيع منزله بمقابل خيالي لملياردير مصري    إجازة المولد النبوي الأقرب.. العطلات الرسمية المتبقية في 2025    خطوة بخطوة.. طريقة الاستعلام عن المخالفات المرورية    مدير أوقاف الإسكندرية يترأس لجان اختبارات القبول بمركز إعداد المحفظين    داعية إسلامية عن التعدد: «انتبهوا للخطوة دي قبل ما تقدموا عليها»    سماع أسرة الزوج وفحص هواتف.. تحقيقات موسعة فى مقتل لاعبة الجودو دينا علاء    رئيس جامعة الإسكندرية في ماليزيا استعدادًا لافتتاح أول فروعها بجنوب شرق آسيا 2026    شاهد.. مدير «الرعاية الصحية» ببورسعيد: حملة «صحتك أولًا» تهدف لتعزيز الوعي الدوائي    فنان شهير يفجر مفاجأة عن السبب الرئيسي وراء وفاة تيمور تيمور    رحيل الدكتور يحيى عزمي أستاذ معهد السينما.. وأشرف زكي ينعاه    رئيس الرعاية الصحية: بدء تشغيل عيادة العلاج الطبيعي للأطفال بمركز طب أسرة العوامية بالأقصر    جولة تفتيشية للوقوف على انتظام حركة التشغيل في مطاري الغردقة ومرسى علم    كييزا يغلق باب الرحيل ويتمسك بالبقاء مع ليفربول    " ارحموا من في الأرض" هل هذا القول يشمل كل المخلوقات.. أستاذ بالأزهر يوضح    صعود جماعي لمؤشرات البورصة بمستهل جلسة اليوم    "بدلة أنيقة".. دينا الشربيني تتألق في أحدث ظهور (صورة)    بلتون للتمويل العقاري تصدر أول توريق بقيمة 1.32 مليار جنيه    كامل الوزير: تشغيل خطوط إنتاج الأسمنت المتوقفة وزيادة القدرات الإنتاجية    الأمم المتحدة تعرب عن قلقها إزاء هجوم مميت آخر على مخيم أبو شوك بالسودان    الداخلية تؤسس مركز نموذجي للأحوال المدنية فى «ميفيدا» بالقاهرة الجديدة    التنمية المحلية: توريد أثاث 332 مجمع خدمات بقرى "حياة كريمة" فى 20 محافظة    رئيس الوزراء يلتقى وزير الدولة للاقتصاد والتجارة والصناعة الياباني    بعد إلغاء تأشيرات دبلوماسييها.. أستراليا: حكومة نتنياهو تعزل إسرائيل    الماريجوانا على رأس المضبوطات.. جمارك مطار القاهرة تحبط محاولات تهريب بضائع وأسلحة بيضاء ومخدرات    «عارف حسام حسن بيفكر في إيه».. عصام الحضري يكشف اسم حارس منتخب مصر بأمم أفريقيا    وقت مناسب لترتيب الأولويات.. حظ برج الدلو اليوم 19 أغسطس    "الجبهة الوطنية بالفيوم" ينظم حوارًا مجتمعيًا حول تعديلات قانون ذوي الإعاقة    أبرزها 10 أطنان مخلل.. ضبط أغذية منتهية الصلاحية ومجهولة المصدر ببني سويف    محافظ سوهاج يُقرر خفض تنسيق القبول بالثانوي العام إلى 233 درجة    عماد النحاس يكشف موقف لاعبي الأهلي المصابين من المشاركة في المباريات المقبلة    حقيقة إصابة أشرف داري في مران الأهلي وموقف ياسين مرعي من مباراة غزل المحلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حين قاد هدر العدل إلي الثورة والفوضي
نشر في الأهرام اليومي يوم 16 - 10 - 2011

في ظل فوضي ما بعد ثورة‏25‏ يناير‏,‏ شأن كل الثورات‏,‏ لنتذكر أنه إرتكازا الي نظام ماعت‏,‏ أي العدل والحق والصدق‏,‏ قامت وحدة الأمة المصرية وتأسست الدولة المصرية الموحدة في عصر الأسرات الفرعونية‏,‏ قبل أكثر من‏5200‏ سنة‏.‏ وحين تجاهل الملوك والأغنياء ماعت, قام شعب مصر بأول ثورة اجتماعية عليهم, وتخلصوا من نير الملكية الظالمة, وتفككت وحدة مصر, دولة وأمة, وغزاها الأعداء.
ونعرف أسباب وعواقب الثورة من عالم المصريات الأمريكي الرائد جيمس هنري بريستيد في كتابه فجر الضمير. لقد قام لمدة ألف سنة نظام قومي ثابت الأركان, كان يمثله ويحافظ عليه الفرعون, وهو ماعت أي العدل والصدق والحق. لكن هذا النظام الذي تصورت الأمة دوامه قد أخذ ينهار!! ونعرف من نصيحة موجهة من فرعون, أهانسي الأصل عاش في القرن الثالث والعشرين ق. م, إلي إبنه مريكارع: أن الأمة قد انقسمت قسمين, شمالي وجنوبي, وأن الملك كان همه منصرفا إلي تحصين مملكة الشمال من خطر الغزاة الأجانب, وانحلت تدريجا قوة الأمة الموحدة التي دامت مدة طويلة. وانهار بشكل محزن ذلك النظام الإداري الأخلاقي الذي كان يبدو خالدا, والذي كان الدعامة التي قامت عليها حياة الأمة المصرية القديمة, ومحيت القيم الأخلاقية كلية. وسادت الفوضي البلاد, وكشف الغزاة الأجانب مواطن الضعف في البلاد, التي كانت أمة عظيمة, فتدفقوا إلي الدلتا من الشرق والغرب!!
ويقول كاهن من كهنة عين شمس يدعي حع خبر رع سنب: إن العدالة قد نبذت, وأخذ الظالم مكانه في وسط قاعة المجلس.. وصارت البلاد في هم, وعم الحزن كل مكان, وصارت المدن والأقاليم في عويل, وصار كل الناس علي السواء يرزحون تحت عبء الظلم, وأما الاحترام فإن أجله قد انتهي..!! ويضيف إن المصائب تقع اليوم, ومصائب الغد لم تأت بعد, وكل الناس لاهون عن ذلك, مع أن كل البلاد في اضطراب عظيم.. والآمر والمأمور صارا سواسية.. والقلوب بالحزن مفعمة. والناس علي الشر يستيقظون في صباح كل يوم, ولكن القلوب لا تنبذه.. والناس تستيقظ في الصباح كل يوم لتتألم.. والرجل الفقير ليس له حول ولا قوة لينجو ممن هو أشد منه بأسا..!!
ونعرف أحوال مصر والمصريين من وثيقة تحذيرات متنبيء, التي كتبها الكاهن نفرروهو ابن مقاطعة عين شمس; ونشرها سليم حسن في الجزء الثالث من موسوعة مصر القديمة أن: حكيم الشرق.. كان يفكر فيما سيحدث في الأرض.. حينما يأتي الآسيويين بقوتهم, وحينما يعذبون قلوب الحاصدين, ويغتصبون ماشيتهم وقت الحرث. ثم يصف لنا الكاهن الخراب والفوضي اللذين كانا يحيطان به, فيقول: أنصت يا قلبي, وانع تلك الأرض التي منها نشأت.. وصف حالة البلاد المحزنة!! وكان من نتيجة تعطيل أعمال الري العظيمة العامة أن أصبح نيل مصر جافا, فيمكن للإنسان أن يخوضه بالقدم.. وكل طيب قد اختفي وصارت البلاد صريحة الشقاء بسبب طعام البدو, الذين يغزون البلاد, وظهر الأعداء في مصر, فانحدر الآسيويون إليها.. وقد حدث في البلاد ما لم يحدث قط من قبل.. فالرجل يجلس في عقر داره موليا ظهره عندما يكون الآخر يذبح بجواره.. وكل الأشياء الطيبة قد ذهبت, والبلاد تحتضر.. وأملاك الرجل تغتصب منه وتعطي الأجنبي.. والمالك صار في حاجة, والأجنبي في غني.. والأرض قد نقصت.. وصارت الحياة شحيحة.. وتكال حبوب( الضرائب) حتي يطفح الكيل!!
ويكتب بريستد أن أهرام الجيزة تعد دليلا قويا علي سلطة وثروة فراعنة الأسرة الرابعة, الذين كان في مقدورهم جمع كل ثروة الرعايا ومجهود الملايين لإقامة ضريح. ولا شك أنه استعمل تلك السلطة دون اكتراث كثير بآلام شعبه من تسخيره إياهم في تلك الأعمال الشاقة. وقد أثري كبار موظفي الإدارة, وبخاصة من الأراضي التي كان الملك يهبها إياهم, فأسسوا لأنفسهم ضياعا عظيمة.. وبعد بضعة قرون وصل الموظفون إلي درجة عظيمة من الاستقلال!! وأخذت حكومة البلاد تنحدر نحو اللامركزية التامة, ولم يأت عام2500 ق. م حتي صارت الدولة المصرية القديمة مفككة الأوصال, تكاد تقضي عليها عوامل التمزيق والتفريق. ويخلص بريستيد الي أن ذلك كان أول عصر معروف في التاريخ كشف فيه عن الأوهام الاجتماعية, وظهرت أقدم نصوص موجودة في العالم كله للدعوة الي السلوك المستقيم.
ويرصد بريستد في حكم بتاح حتب, صلة بين قول الوزير الحكيم إني أقمت العدل, وبين اللقب الرسمي لملكه وسركاف, أي مقيم العدالة!! ويقف مندهشا من أن نصائح بتاح حتب العملية لم تلوث بالعقيدة الميكيافلية في ذلك العهد العريق في القدم, في الأسرة الخامسة!! فقد أصبح السلوك المستقيم حكمة يرثها الابن عن أبيه, منذ القرن السابع والعشرين ق. م, أي قبل أكثر من أربعة آلاف وسبعمائة عام!! ويعلم بتاح حتب إبنه أن أحسن الصفات التي يجب علي الوزير أن يتحلي بها.. أن يستمع الي صوت الشعب. ثم يعلم إبنه فضيلة التواضع: لا تكونن متكبرا بسبب معرفتك, فشاور الجاهل والعاقل لأن نهاية العلم لا يمكن الوصول إليها.. وإن الكلام الحسن.. يوجد مع الإماء اللائي يعملن في إدارة حجر الطاحون!! وينصحه: إذا أصبحت عظيما بعد أن كنت صغير القدر, وصرت صاحب ثروة بعد أن كنت محتاجا.. فلا تنسين كيف كانت حالك في الزمن الماضي, ولا تفخر بثروتك.. فإنك لست بأفضل من غيرك من أقرانك. ولأن المنصب لا يدوم يقول: لا أحد يعرف مصيره.. في الغد.. حينما تسوء حالك..!!
ثم يحذر حكيمنا إبنه من الجشع: لا تكونن شرها في القسمة, وانبذ الطمع حتي في حقك.. واحذر الشراهة فإنها مرض عضال, لا يرجي شفاؤه. ثم يضيف: إذا كنت حاكما فكن شفيقا حينما تسمع كلام المتظلم, ولا تسئ إليه قبل أن يفرغ من قول ما قد جاء من أجله... ويؤكد لابنه مرارا أن أعظم ما يتحلي به الإنسان في الحياة هو العدالة والخلق العظيم, لأنهما يبقيان بعد موته, فتبقي ذكراه خالدة!! فأبرز واجب تنطق به سطور حكم بتاح حتب هو: إرع الحق.. وعامل الجميع بالعدالة. فيقول حكيمنا: إذا كنت حاكما تصدر الأوامر للشعب فابحث لنفسك عن كل سابقة حسنة حتي تستمر أوامرك ثابتة لا غبار عليها, إن الحق جميل وقيمته خالدة, ولم يتزحزح من مكانه منذ خلق, لأن العقاب يحل بمن يعبث بقوانينه, وقد تذهب المصائب بالثروة, ولكن الحق لا يذهب, بل يمكث ويبقي.. ومن ينصح إبنه بأن: يتعلق بأهداب العدل.. وأن يبلغ رئيسه الحقائق حتي ولو كانت مرة!! ويضيف: أن الرجل الذي اتخذ العدالة معيارا له, وسار وفقا لجادتها, يكون ثابت المكانة!! وللحديث بقية.
المزيد من مقالات د‏.‏ طه عبد العليم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.