منذ يوم الأحد الماضي لم تتوقف ردود الفعل حول قضية الانتدابات في وزارة الثقافة وحالة التضارب في اتخاذ القرارات وعدم تطبيقها, الأمر الذي أدي لحالة من الضبابية و تعطيل ظهور استراتيجية ثقافية واضحة الرؤية والهدف, مما انعكس علي الوضع الثقافي المصري عموما سواء علي مستوي العاملين و المسئولين عن تقديم المنتج الثقافي للمجتمع و علي الجماعات المستهدفة التي يفترض الوصول إليها, علي الأقل للحفاظ علي موروثها الثقافي وحمايته من التآكل وعمليات التجريف المستمرة التي باتت تهدد خزانة الوعي المصري.. و عقب النشر مباشرة بادر د. عماد أبو غازي, وزير الثقافة بالاتصال بي هاتفيا لتوضيح رؤيته للقضية و تصحيح التصريحات التي أشار إلي أن الصحف حرفتها, و بناء عليه تم الاتفاق مع سيادته علي إرسال رد مكتوب علي ما ورد بالمقال لنشره في المكان نفسه والمساحة طبقا للقواعد المهنية المعروفة التي نحرص عليها. ولكن حتي لحظة كتابة هذه السطور لم أتلق هذا الرد. وربما يكون هذا التأخر في إرسال رد وزارة الثقافة, رغم محاولاتي للحصول عليه في توقيت مناسب للنشر, نتيجة للظروف التي تمر بها البلاد منذ يوم الأحد الماضي, ومع ذلك وحيث إن القضية المثارة و أن كانت لها تداعيات آنية, ليست وليدة اللحظة و تعود جذورها لسنوات مضت وحيث أنها تتصل بأداء أكثر من هيئة و وزارة و باتت تهدد منظومة الأداء بوزارة, فإنني أرجو أن أتلقي من د. عماد أبو غازي ردا يتضمن النقاط التي أثارها معي علي الهاتف, والتي أجد أنني لست في حل من طرحها لأنها جاءت علي لسانه شفهيا, مشفوعا برد واضح علي القضايا الجديدة التي نواصل طرحها اليوم علي لسان عدد من العاملين بوزارة الثقافة والمهتمين بالشأن الثقافي المصري ممن أكدوا أن القضية التي طرحتها دنيا الثقافة في الأسبوع الماضي نكأت جرحا غائرا في النفوس يرجع تاريخه لسنوات طويلة. في ذات السياق و قبل أن نطرح ما جاء علي لسان عدد من القراء الذين بادروا بالاتصال بدنيا الثقافة للتعليق علي القضية و توضيح بعض من جوانبها التي لم نتطرق إليها في الأسبوع الماضي, وصلنا من د. شاكر عبد الحميد الأمين العام للمجلس الأعلي للثقافة التوضيح التالي أتشرف و أحيكم علي حرصكم الذي عاهدناه فيكم دائما علي صالح الثقافة المصرية و مصر عموما ويشرفنا الإشارة إلي أن ما ورده بمقالكم في جريدة الأهرام الموقرة بتاريخ9-10-2011 و الذي جاء فيه أن الأمين العام للمجلس الأعلي للثقافة يتولي أكثر من منصب في وزارة الثقافة هو أمر يحتاج إلي تصويب حيث أنني لا أشغل سوي منصب الأمين العام للمجلس الأعلي للثقافة فقط و أنا أحد أساتذة أكاديمية الفنون التابعة لوزارة الثقافة و تم ندبي ندبا كاملا من الأكاديمية إلي المجلس للقيام بهذه المهمة وحدها دون غيرها.. الأمين العام للمجلس الأعلي للثقافة أ د. شاكر عبد الحميد و إذ أشكر ل د.. شاكر توضيحه أود أن أشير إلي أن ما جاء في المقال يشير لفترة توليه الإشراف علي قطاع الفنون التشكيلية خلال شهر أغسطس2011 في المدة ما بين انتهاء فترة رئاسة أشرف رضا للقطاع و صدور قرار السيد وزير الثقافة بتاريخ29-9-2011 بانتداب د. صلاح المليجي لرئاسة القطاع. والحقيقة أن قرار انتداب د. صلاح المليجي و إن كان أثار الكثير من علامات الاستفهام والتعجب بين الفنانين التشكيليين و العاملين بالمركز, والتي نقلها الزميل طارق الطاهر في العدد950 من صحيفة أخبار الأدب, بتاريخ9 102011 تحت عنوان وزير الثقافة ندبه رغم تورطه في قضية لوحة زهرة الخشخاش, ألا أن ما يهمنا هنا, بغض النظر عما أسفرت عنه التحقيقات, والذي يدخل في صميم قضية الانتدابات في وزارة الثقافة, هو أن د. صلاح المليجي الذي سبق أن تولي ندبا منصب رئيس الدارة المركزية للخدمات الفنية للمتاحف و المعارض, وطبقا للقانون وحيث إن الجهة التي يتم إليه الانتداب لا تملك صلاحية محاسبة المنتدب إليها فقد أرسلت النيابة مذكرة التحقيق فيما هو منسوب للدكتور المليجي للجامعة حيث أنها الجهة التي يحق لها التحقيق في الأمر لا الجهة المنتدب إليها!!. والحقيقة أن نص القرار هنا, وبعيدا عما أثاره الزميل طارق حول شخص رئيس قطاع الفنون, يعني أن الانتدابات تحجب عن وزارة الثقافة حق محاسبة الموظف المنتدب مهما كان خطؤه وأيا كان عدد مرات تكراره!! فهل يدرك القائمون علي الأمر ذلك؟! من جانب آخر فقد ورد إلينا العديد من التعليقات علي القضية نطرح بعضا منها في السطور التالية: يقول الأستاذ حسين البنهاوي رئيس تحرير سلسلة أدباء القرن العشرين ومدير تحرير موسوعة وصف مصرنكأت مقالتك يوم الأحد الماضي2011/10/9 الجراح التي تعاني منها وزارة الثقافة... تلك الجراح التي أصبحت غائرة ومتقيحة كنتيجة حتمية لإهمالها وتجاهلها علي مدي عقود من الزمن. لقد حمل عنوان مقالتك وزارة للانتدابات أم للثقافة! والإجابة بدون مواربة هي وزارة للانتدابات بل كانت جراجا للمتقاعدين وأصحاب الحظوة والمغضوب عليهم في أماكن أخري وكانت النتيجة أن هؤلاء الوافدين علي وزارة الثقافة ونظرا لعدم خبرتهم بل وأحيانا ونتيجة لجهلهم الثقافي أن جاءوا بأسلوب إعادة اختراع العجلة أي صور لبعضهم الخيال أنهم هبطوا من كوكب آخر لإنقاذ كوكب الثقافة المصرية المنفلت في الفضاء الفسيح ودائما ما كانت نتيجة ذلك المزيد من الانفلات في ظل غياب معايير واضحة للثقافة المصرية, فقد حالف الفشل وزارات متعاقبة في وضع معايير واضحة للثقافة المصرية ومنهجية للتثقيف, وفي ظل هذا الغياب المعياري أضحت ثقافة مصر حقل تجارب لمن لا مهنة له, فالثقافة في مفهومها الشامل ليست لها هيئات أكاديمية وبالتالي فلا مانع من انتساب من لا مهنة له إلي هذا الجراج الثقافي المستباح يضع فيه أفكاره المشوهة أحيانا, وإذا كانت تلك حالة مصر علي مدي عقود مضت من الزمن, فإن ذلك كان جليا وواضحا في وزارة الثقافة, لقد كان آخر من كان لديه خطة ثقافية واضحة هو الدكتور ثروت عكاشة. و تقول الناقدة د. سامية حبيب أن وزير الثقافة قد نشر علي لسانه تصريحا بجريدة القاهرة في العدد589 بتاريخ11-9-2011 أن وزارة الثقافة لن تمول أي مشروعات جديدة نتيجة للعجز و الانكماش المالي الذي تعانيه الآن و أدي لتخفيض الإنفاق بنسبة20% بالإضافة للعجز في صندوق التنمية الثقافية-الجهة الداعمة للمشاريع الثقافية بقيمة15 مليون جنيه وتسأل قائلة طالما أن الوزارة تعاني مشكلات مالية لماذا الإصرار علي استمرار الانتداب الخارجي والداخلي و عدم الاستعانة بالكوادر العاملة بالقطاع وفيهم كوادر ممتازة و حاصلون علي درجة الدكتوراه!! و تشير د. سامية حبيب لتجربتها الخاصة عندما تقدمت لشغل إحدي الوظائف بالوزارة و التي تم الإعلان عنها حيث مثلت أمام لجنة مكونة من وكلاء وزارة من الدرجة الممتازة معظمهم من المنتدبين وفوجئت فيما بعد أنه تم التغاضي عن الإعلان و انتداب أحد العاملين بالوزارة انتدابا داخليا!! وتتفق د. سامية حبيب مع د. حسين البنهاوي و د. حسين عبد الغني و الفنانين جلال الهجرسي و محمد عبده أن الوزارة دأبت علي تجميد العاملين فيها منذ سنوات و عدم ترقيتهم في الدرجات التي تؤهلهم لتولي المناصب القيادية أو للتقدم للمسابقات المعلن عنها في التوقيت المناسب, الأمر الذي أدي لإهدار فرصة خلق صف ثان أو كوادر ثقافية حقيقية,و تكريس مفهوم الاعتماد علي الانتدابات. ويشير د. حسين عبد الغني كبير باحثين بدرجة مدير عام بالمركز القومي للمسرح والحاصل علي الدكتوراه في النقد المسرحي إلي تجاهل الوزارة للكفاءات وسنوات الخبرة في هذا القطاع واستمرار عملية الانتداب من الخارج التي سببت إحباطا للعاملين الذين يديرون دولاب العمل الفعلي ولا يحصلون علي التقدير الأدبي أو المادي المناسب. ويشير كل من الفنانين جلال الهجرسي ومحمد عبده إلي أن سقف الترقية في البيت الفني للمسرح يقف عند فنان قدير مما يحرمهم من فرصة الترقي والحصول علي مستحقاتهم المالية أسوة بالعاملين في القطاعات الأخري. كما يشير لمشكلة الأجور المتدنية وقرار وزارة المالية بالموافقة منذ عام2008 علي وضع نظام موحد يحقق العدالة الاجتماعية وصالاستقرار في الدخل وتقليل فرق الأجور بين القيادات والعاملين, والذي وافقت عليه وزارة الثقافة و لا يزال متوقفا بسبب وزارة المالية التي تعتبر مثل هذا المطلب الذي تقره لائحة شئون العاملين في البيت الفني مخالفا للقانون!!! والسؤال الذي يطرح نفسه بعد كل ما سبق, ألم يحن الوقت لإنصاف الفاعلين الحقيقيين في الحقل الثقافي ماديا و أدبيا و إتاحة الفرصة للكوادر الحقيقية في كل تخصص لتفعيل العمل الثقافي و حماية الثقافة المصرية, مصدنا الأخير لاستعادة الوطن من التغريبة و المتاهة؟!! [email protected]