علي الرغم من وجود أكثر من مركز قومي لإدارة الأزمات, جاءت القرارات السياسية المصرية في مواجهة أزمة قتل القوات الإسرائيلية لأفراد الأمن المصريين مترددة بين رد الفعل الدبلوماسي وبين عدمه, وبين قبول اعتذار شفهي وبين الإصرار علي اعتذار رسمي, بين اتخاذ مواقف حاسمة وبين الاكتفاء بمطلبي التحقيق والتعويض, وقد أوضحت تصريحات المسئولين مشاركتهم لمشاعر الغضب الشعبية الشديدة, لكنهم كانوا يعبرون بشكل أو بآخر عن تفهمهم لعدم توافر الكثير من البدائل الجاهزة التي يمكن اللجوء الي استعمالها, إن عدم توفر بدائل كافية لمواجهة أزمة كان من الممكن توقعها هو ما يدخل في صميم اختصاص مراكز إدارة الأزمات, فهل استطاع أحد تلك المراكز أن يبدأ ويعد السيناريوهات الخلاقة والمبتكرة لإجابة سؤال مثل ماذا يحدث عند القيام بتحرشات إسرائيلية علي الحدود؟. تبدأ محاولات بناء مركز قومي لإدارة الأزمات عادة بجمع معلومات شكلية عن المقر وكيفية مشاركة الأعضاء أكثر من الاهتمام بتحصيل معرفة كافية عن البنية الأساسية لتقنيات التنبؤ وبناء نماذج التحليل والتقويم والتفاعل والمحاكاة أو عن برمجيات وأدوات صنع القرار سريعة الايقاع التي يجب توافرها في المركز, وقد تحدث محاولات علمية جدية لبناء تصميم حقيقي يشمل كافة وحدات المعالجة التي يلزم توفرها فعليا لتحقيق الهدف من مركز متخصص لإدارة الأزمات لكن المحاولات تذهب هباء في كثير من الأحيان مع تغلب المصالح الشخصية, ومع أن آداء مركز إدارة الأزمات يكون دائما محل متابعة العالم كله لم يكن هناك اهتمام كاف باختيار أفضل العناصر المتخصصة, حيث يتم تولية أهل الثقة لوظائف بالغة الحاجة للخبرة مما قد يؤدي الي الحاق ضرر كبير بالصورة القومية علي المستوي الدولي. وعادة ما يشمل مركز إدارة الأزمات ثلاث وحدات مركزية: الأولي وحدة استخبار لتوفير كافة المعلومات المطلوبة والتنبؤ بها أو افتراض المعلومات الغائبة طوال مراحل صنع القرار بسرعة فائقة تتناسب مع قيود الزمن والايقاع السريع والمفاجئ لتطور الأزمة, والثانية وحدة إعداد البدائل التي تعد نماذج التحليل لمختلف أنماط الأزمات ونماذج التعامل مع كل منها وتحدد لوحدة الاستخبارات اشكال وتوقيتات وصول المعلومات وتحدد البيانات التي يلزم تحضيرها مسبقا والبيانات التي يمكن تحضيرها عند الطلب, وتقوم بتوضيح وبناء نموذج الأزمة وإعداد تصميم كامل للبدائل المختلفة التي يمكن بها مواجهة كل مرحلة من مراحل الأزمة وتأثيرات كل بديل علي الموقف العام والموقف الخاص للأزمة وعلي الاهتمامات والمشكلات الوطنية الأخري. والثالثة وحدة اختيار البديل التي تقوم باستخلاص هياكل المعايير الوطنية بصفة عامة, وتعريف هياكل المعايير الخاصة بكل سياق بناء علي دراسة للشخصية الوطنية والاستراتيجيات المفضلة لها, وهذه الوحدة أكثر الوحدات تعاملا مع هيئة اتخاذ القرار, فهي التي تقوم بعرض الإطار العام واستخلاص خبرات متخذي القرار في شكل معايير خاصة محددة للحكم, ثم تقوم بحسابات التفضيل لكل معيار طبقا لدرجات أهميته لدي متخذي القرار, وهي التي توضح درجات عدم التوافق في أحكام متخذي القرار وتساعد في تلافيها أو في قبولها بعد الوعي بها, ثم تقوم هذه الوحدة بتطبيق هيكل المعايير المتكامل علي كل البدائل المتاحة كعائد وتكلفة للوصول الي اختيار البديل الأمثل, وبعد ذلك تقوم الوحدة بعرض حيثيات الاختيار أو ما يسمي الحكمة وراء اتخاذ القرار مع إجراء بعض تجارب الحساسية علي القرار حيث توضح مدي ثبات هذا الاختيار لو تغيرت درجة أهمية أي معيار من معايير الحكم لهيئة اتخاذ القرار أو تغيرت الأحداث في سياق الأزمة ثم تقوم بتوعية المهتمين عنها. إن التكوين الكامل الصحيح لمراكز إدارة هو الشرط الأول لادارة جيدة لأزمات الأوطان.