حوار: دعاء خليفة رغم صعوبة تخصصه وغموضه بالنسبه للكثيرين فإنه علي العكس يبدو بسيطا متواضعا, تأخذك كلماته للإبحار في عوالم كثيرة من العلم و السياسة و كذلك المجتمع. يتحدث في السياسة بإسهاب وطلاقه رغم أنه لا يعمل بها. و يقوم بتشريح أحوال المجتمع المصري كما لو كان لم يغب عنه, أتحدث عن العالم المصري بوكالة ناسا الأمريكية لأبحاث الفضاء, دكتور عصام حجي. في حواره لالأهرام في أثناء زيارته الثانية لمصر ما بعد الثورة يشرح رؤيته لأحوالها بعد ثمانية أشهر وتتدفق كلماته لترسم خريطة طريق لمصرالمستقبل التي يحلم لها بالكثير ويقدم وصفته من أجل نهضتها وتنميتها. يبدو الحوار معه مختلفا وتهدرأمواجه متتابعه قافزة علي الأسئلة ومتجاوزة لها.. فهو لديه الكثير ليقوله, متحمس متدفق تدفق شاب يعشق تراب مصر و يعبر عن ملا يين من أبنائها, معاناتهم وأحلامهم وكذلك قلقهم وذلك علي رغم من أنه يعيش خارجها. فدكتور عصام حجي و رغم نبوغه كأحد أهم علماء مصر بالخارج فإن سنوات عمره لم تتعد الستة والثلاثين عاما. و ما إن بدأ العالم الشاب حواره معي حتي تجلي مدي انشغاله واهتمامه بأحوال الوطن و مستقبله حتي طغي حديث السياسة علي ذلك الخاص بآخر تطورات أبحاثه العلمية واكتشافاته في عالم الفضاء وهو ما دعاني لسؤاله عن رؤيته لأحوال مصر بعد ثمانية أشهر من الثورة خاصة أنه حضربعض أيامها الأولي وبدا فخورا ومفتخرا بأبناء وطنه في نضالهم نحو الحرية و الكرامة والديمقراطية. ثورات عربية غيرت, كما يري, صورة المواطن العربي في الخارج ولم يعد الإرهابي الذي يخشونه ولكن الطموح للحرية لتتغير الصورة السلبية التي حرصت الحكومات المستبدة علي تصديرها عنهم كشعوب متطرفة يجب حماية الغرب منهم. وهنا انفرجت أساريره متذكرا الأيام الأولي للثورة موضحا أنه أتي إلي مصر مدفوعا بالرغبة في المشاركة في هذه اللحظة الفارقة في تاريخ مصرفكل من كان خارج مصر كان يتمني أن يكون في التحرير وأن يشارك فيما يحدث و يستطرد: كان احساسي أن أبناء مصر يغيرونها ويأخذونها نحو الحرية فقد بدأ الأمر بالشباب الواعي المتعلم من الطبقة المتوسطة و فوق المتوسطة أي أنهم ليسوا من كانوا يبحثون عن عمل أو عن قوت يومهم وأتت نهاية نظام مبارك من الباب الذي طالما لم يؤمن به وهوالعلم و التكنولوجيا لأن الثورة انطلقت شرارتها عبر الفيس بوك والإنترنت. مهمة فضائية تحت لواء الثورة المصرية وحين بدأت أجهزة الإعلام تنقلب علي المتظاهرين وقام البعض بتشويه صورتهم, قمنا بوضع اسم25 شهيدا علي مركبة الفضاء المنطلقه للمريخ في ذلك الوقت. محاولة لإعادة الاعتبار لهم فإذا لم يكن لهم مكان يليق بهم علي الأرض بسبب تدابير أمن الدوله وأعوانه فلربما يكون لهم مكان أفضل علي كوكب آخر. فنحن فخورون بالشباب الذين وضعوا اسم مصر الحرية علي صفحات الجرائد العالمية أكثر من الرياضيين ونجومهم. أما عن رؤيته للأوضاع الحالية فبدأ يتخلي عن ابتسامته وهو يتحدث عنها قائلا: حين عدت لمصرهذه المرة بعد ثمان أشهر من الثورة شعرت بأننا كنا نطمح في دولة مباديء لكن مع الأسف هناك أصوات تتمني أن نعود لدولة المصالح مرة أخري.فهذه المرة كان الشباب ينظرون للامام, يطالبون بالديمقراطية والمستقبل الأفضل لكن بدأ يظهر نوع من الرده المعنوية ضد هؤلاء الشباب, توجد ناس مؤمنة إنه خلاص الشباب عملوا الثورة لكن الأمرانتهي, فكل القيادات التي يتم تعيينها لا تشمل عناصر من الشباب وخاصة ممن كانوا يقودون هذه الثورة فبدأ ينتابني شعور بأن ما حدث تغيير نظام و ليس تغيير فلسفة أواستراتيجية أوتغيير مباديء كما كنا نطمح.و أحزن من اتهام الشباب بالخيانة و التخابر علي الرغم من أن مصر تفتح ذراعيها لكل دول العالم و تتلقي مساعدة امريكية بحوالي مليار ونصف المليار دولار. فهؤلاء الشباب يحلمون بمصر أفضل ويضيف: أنا أخشي أن نكون مقبلين علي ثورة ثانية لكن هذه المرة أشد عنفا وأكثر غضبا, فالشعب والشباب المصري ليس لديه غير المستقبل فكيف يمكن أن نحرمهم منه؟ غياب الرؤية للمستقبل و يضيف د.عصام أنه قد لا حظ أيضا أن هناك نقصا في الشفافية كبيرا جدا من الحكومة و يتساءل كيف نستطيع حل مشكلات هذا البلد بدون ان نشرك فيها الشعب. يجب أن يقولوا مايستطيعون فعله وما لا يستطيعون والشعب مستعد بأن يتقبل كل تداعيات الثورة في مقابل شعوره بأن هناك تقدم للأمام لكن الناس النهارده حزينه لشعورهم أنهم يدفعون الثمن لكن حال البلاد يعود للخلف. و يقول أنه محبط لاحساسه بأن الشباب في مصر يشعر الآن باليأس والإحباط و أنه لا توجد صورة واضحة للمستقبل كان المفروض أن نري بعد الثورة قيادات شابه لكن ما حدث ان كثيرمن المسئولين فوق الستين أوالسبعين ده هو الشيء المحزن حقيقية. ودفعني حماسه للشباب لسؤاله عن نصائحه لهم في ظل كثرة الإختلافات والآراء فأكد علي ضرورة اتحادهم وتنظيم صفوفهم تحت قيادة موحدة فلازال أمامنا الكثير كما يقول.ويضيف اننا نخطو أولي خطواتنا نحو العالم المتحضرولاداعي للتهويل وتأكيد فكرة أن من سيكسب الانتخابات هو الأحزاب المتشددة سواء يمينية أو يسارية. ويقول بثقة أرجو ألا تتعامل أي جهة مع الشعب المصري كما لو كان لا يدرك مصلحته. ويعود ليؤكد أن الصورة في مصر ليست سوداويه لكن هناك أشياء إيجابية تحققت وأهمها حرية الرأي, حريه انتزعها الشباب ويذكر أن التغيير لن يتم بين يوم وليلة لكن ليس معني ذلك ان يطول أو يمتد إلي ما لانهايه فهذا لن يرضي الشعب الذي أصبح لديه وعي سياسي واجتماعي كبير فلم يعد الشعب المصري مغيبا كما كان في الفترات السابقة و يقول: أري أنه لا داعي للإنزعاج من هذا الوعي فيجب أن نتعلم أن يسمع بعضنا البعض حتي لو كان ما يقال سيئا لأنه أحيانا يعبرعن حقائق, فمنذ عشرات السنوات لم يسمع بعضنا البعض. منع المسلسلات التافهة وفي سؤال عن رؤيته لمستقبل مصر, وفاجأتني الإجابة حين قال أن مستقبل مصر ليس في التغيير السياسي فقط الذي لن يكون له معني بدون تغيير اجتماعي وأخلاقي حقيقي وبدأ في تشريح دقيق لمشكلات المجتمع المصري كما لو كان لم يفارقه يوما: لدينا اليوم مشكلات إجتماعية كثيرة تثقل كاهل المواطن المصري. فهو ليس مواطنا ماديا بطبعه وليس بحاجة لكميات هائلة من المال ليكون سعيدا لكن النموذج الإجتماعي الخاطيء هو ما يدعو الناس للسعي وراء المال لكي يعيشوا بحد أدني من الكرامة و أول أسس التغيير في المجتمع من وجهة نظري هو تغييرأوتحسين وتهذيب العلاقة بين الرجل والمرأة وأسلوب التعامل بينهما. فالرؤيه الخاطئة لهذه العلاقة هي ما تجعل الشباب من سن العشرين للثلاثين لا يبدعون, فكيف يبدع الإنسان ونصف طاقته الذهنية إن لم تكن كلها مهدرة في التفكيرفي كيفيه توفيره للشبكه والمهروالشقه و السيارة, فتعقيد هذه العلاقة وربطها بكميه هائلة من الماديات التي لا يحتاجها الانسان في الحقيقة ليكون سعيدا يسبب تعاسة للمواطن المصري. كذلك محدودية النظرة للمرأة تجعل التقدم محدودا فكيف يتقدم مجتمع نصفه مهمش؟. حريات المرأة نصية فقط ويضيف أن تكتيف المرأة في المجتمع وعدم المساواة بينها وبين الرجل يسبب تعاسه الرجل أولا ثم المرأة ثانيا فالرجل يصير تعيسا اذا عاش مع امرأة تعيسة. فحريات المرأة في مجتمعنا حريات نصية و الحريات ليست قوانين فقط لكن أخلاقيات للمجتمع وفي تقرير لبنك الائتمان الدولي كشف أن مصر من اكثر الدول التي تتصف بعدم المساواة بين المراة والرجل.مشكلات تؤدي إلي خلل في العلاقات الانسانية, كما يقول دكتور عصام مستكملا حديثه عن ضرورة حدوث تغيير اجتماعي حقيقي, أن يحب الناس و يتزوجوا أصبحت مأساة في مجتمعنا. العلاقة بين الرجل والمراة موضوع شائك نعاني منه لكن لا نتحدث فيه. فكيف نطلب من أناس يعانوا في علاقات الحب والارتباط أن يحبوا بلدهم؟. نحن البلد الوحيد الذي يحبه كل أبنائه ولكن يتراجع للخلف, فالمجتمع الذي يتعامل مع الحب بمفهوم الشعارات يتعامل كذلك مع الوطنية. فنحن نحب بلدنا لكن نرمي الزبالة في الشارع ونحبها لكن نكسر اشارات المرور, نحبه لكن لا نحترم مرافقه العامة. وفيما يتعلق بإصلاح حال التعليم في مصر قال إن بدايه الإصلاح يجب أن يكون في المدارس والجامعات الحكومية فمن العيب أن تكون في هذا الوضع المخجل. فاذا كانت الدولة تريد رد الجميل للثورة فعليها الاهتمام بمنشآت الشباب وهي المدارس والجامعات. ضرورة إعادة المدرسة المصرية لدورها وذلك برفع مستوي المعلم المهني والأخلاقي والمادي وتحسين البنية التحتية للمدارس وعمل منح لأطفال المدارس المتفوقين لأن كثيرا من الاطفال لديهم صعوبه في الذهاب للمدرسة. وأضاف انه يجب عمل ورش في كل مدرسة للطلبة وأولياء الأمور والمدرسين للاطلاع علي رؤيه كل طرف لإصلاح العملية التعليمية وكل مدرسة ترفع خطة للاصلاح للمنطقة التعليمية التي ترفعها بدورها للوزارة و ليس العكس, أن تملي الوزارة الخطة علي المدارس. ابن الوزيرفي مدرسة حكومة! فلا يوجد مسئول في مصر أبناءه في مدرسة أوجامعه حكومية بل هم يتباهون بذلك حتي إنه في أحد أفلام محمدهنيدي وجدنا وزيرا يعاقب ابنه فيرسله الي مدرسه حكومية, فيشترط علي كل المسئولين في مصرأن يكون أبناؤهم في مدارس وجامعات حكومية. أما عن إصلاح الجامعة وهو مايبدو أنه عاني منه كثيرا وهو الذي درس الفلك في كلية علوم جامعة القاهرة في ظل غياب مناهج متطورة و امكانات و انقطاع كهربائي أحيانا, فيقول ان الإصلاح في الجامعة يتطلب أيضا ورش عمل وكل جامعة تضع خطة إصلاح لتنفذها الوزارة كما أكد ضرورة رفع ميزانية التعليم لتصل إلي10% علي الأقل من الدخل القومي أو لتوازي ميزانية وزارة الداخلية فالشعب سيكون أكثر أمانا بالتعليم. ولا يمكن بناء دولة مدنية حديثة بشعب تعيس ومريض ويعاني من الجهل.ولايكتف د.عصام بطرح وجهة نظره عن أهمية تطوير التعليم لكنه يصرعلي تأكيد أن القيم الإنسانية ليست نباتا ينمو عشوائيا لكن أفكار الثورة مكانها الحقيقي هو المدارس والجامعات. دولة بلابحث علمي كأستاذ مساعد في جامعة باريس وكعضو هيئة تدريس في جامعة كالتك بأمريكا وأستاذ سابق في جامعة القاهرة سألته عن رؤيته لحال البحث العلمي في مصر.وهنا بدت عليه علامات الحزن قائلا أن البحث العلمي في مصر قضية مأساوية وأنه يتعاطف مع كل من يعملون في هذا المجال.كنت اعمل في معامل ناسا وأجلس في طرقات كلية علوم ولم يكن ذلك يحزنني لكن أن تصرف الآلاف علي قاعة الاحتفالات بالجامعة وعلي سيارة السيد رئيس الجامعة بينما تترك المعامل بدون احتياجاتها الحقيقية بدعوي نقص الميزانية فهذا ما كان يثير شجوني. ويضيف حجي ان دولة بلا بحث علمي معناه دولة بلا افكارأوابتكارات ولا تقوم بإنتاج صناعات. وبالحديث عن العلم دفعني الفضول لسؤال ربما يبدو ساذجا عن فائدة دراسة واكتشاف الكواكب الأخري للدول التي تمر بمرحلة من النمو؟ فأجاب بأن اكتشاف الكواكب الأخري يهدف إلي فهم كوكب الأرض كجزء من المجموعة الشمسية و المريخ كوكب قريب الشبه من الارض و كان المناخ فيه ملائما للحياة لكنه تطور ليصبح صحراء جرداء. و هنا تأتي أهمية دراسته للتعرف علي التغيرات المناخية علي هذا الكوكب و مقارنته بالكواكب الاخري وكيف اختفت الحياة عليه. و يشرح د. عصام أن التقنيات التي تستخدم لاكتشاف المياه علي كوكب مثل المريخ تساعد علي اكتشافها في الأرض فتكنولوجيا الفضاء هي الساحة التي تتطور فيها التكنولوجيا التي يتم استخدامها فيما بعد لحل مشكلات كوكبنا خاصة فيما يتعلق بالدول الفقيرة و النامية. و يستطرد ان مشكلات هذه الدول الاقتصادية و البيئية تتفاقم بشكل كبير لذا فهي في أمس الحاجة لهذه النوعية من الحلول.وعن أهم المشروعات التي يشارك فيها و تهم مصر حاليا, يقول د. حجي ان هناك مشروعا للناسا يقوم بمسح كامل للصحراء من العراق إلي المغرب لاكتشاف الموارد المائية بها. و قد قامت تجارب أرضيه في مصر من عام1999 إلي.2009 اكتشاف المياه في صحاري مصر أما عن مشروع اكتشاف المياه في صحاري مصر فيقول:هو مشروع ممول بالكامل من الناسا لكنه كان يعاني العوائق الأمنية و أتمني أن يختلف ذلك الآن بعد الثورة وأن توجد منظومة إدارية تستطيع أن تتعامل وتراقب بالشكل الصحيح ولكن دون وضع العراقيل في وجه هذه النوعية من المشروعات المهمة لمصرالتي من المؤكد أنها ستساهم في نهضتها المستقبلية.