تواجه مصر حاليا تحديات داخلية وإقليمية ودولية لأمنها القومي غير مسبوقة, وتستدعي جميعها يقظة الإعلام المصري القومي والحزبي والخاص علي اختلاف توجهاته السياسية والفكرية في دعم الدولة للتعامل الأمثل مع هذه التحديات. داخليا: تواجه مصر حاليا عددا من التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية والإعلامية التي تشكل تهديدا ملحوظا لأمنها القومي. علي المستوي السياسي, تعاني مصر اضطراب الرؤية السياسية التي توجه جهود البلاد خلال الفترة الحالية والمستقبلية تجاه الشأن الداخلي والإقليمي والدولي, ويشعر الكثيرون بالضبابية وعدم الوضوح في عناصر هذه الرؤية, للدرجة التي تؤدي إلي قلق الرأي العام علي مستقبل البلاد السياسي. ويوجد انقسام واضح بين الأحزاب والقوي والحركات السياسية بشأن واقع البلاد ومستقبلها السياسي, إضافة إلي تهافتها للحصول علي أكبر قدر ممكن من المكاسب السياسية عقب الثورة, وتغليبها للمصالح الحزبية والخاصة الضيقة علي المصالح العليا للوطن. وتتصاعد يوميا حدة الاحتجاجات الفئوية حتي وصلت إلي نخب المجتمع المصري علي مستوي أساتذة الجامعات والأطباء والمهندسين والمعلمين والدعاة. للدرجة التي باتت تهدد بشكل واضح الاستقرار الداخلي للبلاد دون إجراءات تنفيذية فاعلة من جانب الحكومة لاحتواء الاحتجاجات الفئوية للحيلولة دون استفحالها وتعطيلها الحياة في مصر. ويغيب عن البيئة السياسية المصرية خلال المرحلة الانتقالية الأساليب الفاعلة في تواصل السلطة مع الرأي العام المصري رغم الحاجة الماسة إلي ذلك, بما أدي إلي تراكم تكوين صورة ذهنية يغلب عليها الطابع السلبي عن أسلوب إدارة المرحلة الانتقالية, حيث تم الاكتفاء ببعض البيانات الصحفية علي شبكة الإنترنت, دون توافر فرص مستديمة ومتواصلة مع الرأي العام لتوضيح الحقائق ودوافع اتخاذ القرارات خلال هذه المرحلة. وعلي المستوي الاقتصادي, يعاني الاقتصاد القومي عثرات واضحة نتيجة أسباب عديدة, يتمثل أهمها في الانفلات الأمني والاحتجاجات الفئوية وضعف الاستثمارات المتاحة وعدم الانضباط علي مستوي الإدارة والعاملين علي حد سواء. بما انعكس بشكل واضح علي الانخفاض المتتالي في الاحتياطي النقدي الأجنبي بالبنك المركزي, وضعف الناتج القومي, وزيادة معدلات البطالة, وزيادة حجم التضخم. وعلي المستوي الأمني, لا تزال البلاد تعاني من انفلات أمني وعمليات بلطجة, كما تتضاعف كمية الأسلحة في أيدي الخارجين علي القانون يوما بعد يوم, بما يمثله ذلك من ترويع للمواطنين وفقدانهم الإحساس بالأمان. وعلي المستوي الإعلامي, سلكت بعض الفضائيات والصحف طريقا غير مهني يتعارض مع مبادئ المسئولية المهنية والاجتماعية لوسائل الإعلام, فلم تراع الثوابت الوطنية والدينية والأخلاقية للمجتمع, فركزت علي أخبار الفضائح والنميمة والإثارة والشائعات, وإشعال الحرائق بين القوي السياسية, وتوسيع الفجوة بين الرأي العام من جهة وأجهزة الشرطة والأجهزة التنفيذية والسلطة الحاكمة من ناحية أخري, بما يدعم حالة عدم الاستقرار التي تشهدها البلاد حاليا. وعلي المستوي الثقافي, لم تراع بعض التيارات الله في هذا الوطن, فخرجت من سماحة الأديان السماوية, وضربت بسمات الاعتدال التي تضرب بجذورها في الثقافة المصرية عرض الحائط, وأخذت تروج لتطرف ثقافي مقيت يساعد علي إشعال الفتن والتناحر بين فئات المجتمع. إقليميا: تواجه مصر حاليا تحديات غير مسبوقة ذات تأثير مباشر علي أمنها القومي, حيث يحتاج ملف حوض النيل بما يمثله من تهديد مباشر للأمن المائي والقومي لمصر رؤية شاملة للتعامل مع إفريقيا عموما ودول حوض النيل خصوصا, تقوم علي ترسيخ الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة وتبادل المنافع, واليقظة في مواجهة التحركات الخفية التي تقوم بها دول من خارج إفريقيا للعبث بأمن مصر المائي والقومي. كما تتخوف بعض دول المنطقة من نجاح الثورة المصرية في تحقيق تحول ديمقراطي يعيد لمصر نهضتها وقوتها الإقليمية, كما تشهد حدود مصر الشرقيةوالغربيةوالجنوبية تطورات غير مسبوقة تحتاج إلي اليقظة والحذر طوال الوقت, فالعلاقة مع إسرائيل تتسم بالتوتر والقلق نتيجة السلوكيات غير المسئولة من الجانب الإسرائيلي علي الحدود مع مصر, وعدم احترامها لمعاهدة السلام, ووجود غليان في أوساط الرأي العام المصري لاستشهاد جنود مصريين علي الحدود, وعدم الرضا عن اتفاقية مجحفة لتصدير الغاز المصري إلي إسرائيل. وتشهد ليبيا علي الحدود الغربية لمصر حالة من عدم الاستقرار في ظل ثورة الشعب الليبي للإطاحة بنظام القذافي بدعم من حلف الأطلنطي. كما شهد السودان- الامتداد الاستراتيجي لمصر- ميلاد دولة جنوب السودان بعد انشطار السودان الشقيق إلي دولتين, وما ترتب علي ذلك من عدم استقرار العلاقة بين الشمال والجنوب, بما يفرضه ذلك من اليقظة الشديدة ومد يد العون لمواجهة هذه المخاطر والتغلب عليها. يضاف إلي ما تقدم, التحديات الإقليمية المستجدة بحكم الخريطة السياسية الجديدة للمنطقة بحكم صراع وتنافس القوي الإقليمية في ضوء ثورات الربيع العربي وما أسفرت عنه من نتائج علي أرض الواقع ترتبط بزوال أنظمة حكم واستبدالها بنظم ونخب حكم سوف تستجيب حتما لرغبة الشعوب العربية في التغيير. دوليا: تتربص بعض القوي الدولية بتطورات الأوضاع في مصر بحكم أهميتها الإقليمية, ودور مصر في تحقيق الاستقرار بالمنطقة, بما يتطلبه ذلك من أهمية الدراسة المستمرة للتوجهات الدولية إزاء التطورات المتلاحقة في مصر. إن فعالية الدور الإعلامي في مساندة الدولة لمواجهة تحديات الأمن القومي المصري الداخلية والإقليمية والدولية رهن بتقدير النخبة الإعلامية لمخاطر هذه التحديات, وإدراكها لحدود تأثيرها علي مصر حاليا ومستقبلا. وأهمية وضع هذه التحديات والمخاطر في أجندة اهتمامات المواطن المصري, وتبصير الرأي العام بما يحاك لمصر داخليا وإقليميا ودوليا. كما تتطلب التحديات السابقة أن ينهض الإعلام الوطني بدوره لسد الفجوة الحالية بين الرأي العام وأجهزة الشرطة من خلال المعالجة المهنية البعيدة عن المزايدة والمبالغة والإثارة للأمور والأحداث المرتبطة بعلاقة الشرطة بالجمهور. كما تتطلب المرحلة الحالية التركيز علي استشراف رؤي المستقبل, وآليات التعامل الرشيد مع معطياته المختلفة السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية والثقافية. وينبغي تركيز الإعلام المصري خلال هذه الفترة علي تقديم أصحاب الأفكار الجديدة وغير التقليدية التي تمكن من تقديم الحلول المبتكرة للمشكلات المزمنة التي يواجهها المجتمع المصري. وختاما, فإن الوطن أكثر حاجة من أي وقت مضي لأداء إعلامي وطني مسئول, أكثر تركيزا علي ما يوحد لا علي مايفرق, أكثر تركيزا علي المستقبل لا علي الماضي, أكثر اعتمادا علي الحقائق لا علي الشائعات, أكثر قربا من الموضوعية لا التحيز, أكثر توجها نحو الاعتدال لا التطرف, وأكثر قدرة علي المبادرة لا علي ردود الأفعال.